في السوق المركزي بالدار البيضاء، المعروف بين ساكنة العاصمة الاقتصادية للمغرب بـ"مارشي سونترال"، لن تتيه أبداً عن مكان بيع السمك الذي يوجد في قلب هذه المُنشأة التي أُحدثت عام 1917.
وخلال جولة لـ"عربي بوست" في هذه السوق سُجل ارتفاع ملحوظ في أثمان العديد من المنتجات السمكية التي وصل بعضها إلى أكثر من 150 درهماً للكيلوغرام (15 دولاراً)، وبلغ سمك السردين 20 درهماً (دولارين)، وهو المنتج الذي كان ثمنه لا يصل إلى 10 دراهم (دولار واحد).
وفي حديثهم لـ"عربي بوست"، أجمع العديد من تجار السمك بالسوق المركزي على أن ارتفاع سعر السمك سببه "قلة المنتوج بسبب سوء الأحوال الجوية المعروفة لدى المهنيين بالموفيطا".
ولم يتمكن العديد من البحارة، حسب حديث تجار السمك بالسوق المركزي من الاشتغال والخروج للصيد، علاوة على إضراب بعض أرباب قوارب وبواخر الصيد احتجاجاً على ارتفاع أسعار المحروقات.
وأوضح هؤلاء التجار أن "أسعار الأسماك بصفة عامة مرتفعة بنسب تتراوح بين 28 و30%"، مضيفين أن "كل المدن المغربية تشهد في هذه الفترة التي تسبق فصل الشتاء ارتفاعاً في أثمنة الأسماك".
السمك خارج قفة المستهلك
تسجيل الارتفاع في أثمنة المنتوجات السمكية بالمغرب منذ عدة أسابيع، يجعل هذه المادة الحيوية خارج قفة ذوي الدخل المحدود، رغم توفر المملكة على واجهتين بحريتين، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
يقول رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، بوعزة الخراطي إن "هذا يعتبر حيفاً في حق المستهلك، إذ إن الوضع يجعل من هذا المستهلك لا يتناول سنوياً سوى أقل من 23 كيلوغراماً من السمك، رغم توفر المغرب على أكثر من 3400 كيلومتر من السواحل البحرية الغنية بأنواع مختلفة من الأسماك وفواكه البحر".
ونبه الخراطي، في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "ما يزيد الطين بلة هو نقص ملحوظ في تزويد السوق بالسمك المجمد الذي يتوجه إلى الأسواق الأوروبية، خصوصاً مع زيادة الطلب عليه مع قرب احتفالات السنة الميلادية".
وأشار المصدر ذاته إلى أن "الظروف الجوية تسببت أيضاً في غلاء المنتوج السمكي في المغرب، خصوصاً أن الحرفيين يلتزمون بالصيد في السواحل بدلاً من المغامرة وسط البحر الهائج".
ساحل طويل وثروة سمكية مهمة
على مستوى شريط ساحلي يُقدر بـ3500 كيلومتر، يتوفر المغرب على ثروة سمكية مهمة ومتنوعة، إذ يبلغ عدد الأصناف المرصودة بالمنطقة الاقتصادية الحصرية للمملكة ما يقارب من 500 نوع، منها 60 نوعاً فقط يتم استغلالها، وفق المعطيات التي نشرتها وزارة الفلاحة والصيد البحري.
وتتوزع على الشريط الساحلي من السعيدية شرقاً إلى الكويرة جنوباً، نحو 22 ميناءً للصيد البحري، و44 نقطة تفريغ مجهزة، و62 سوقاً لبيع السمك بالجملة، فيما يتكون الأسطول الوطني للصيد البحري من 457 سفينة صيد، و2536 مركباً للصيد الساحلي، و17 ألفاً و278 قارباً للصيد التقليدي.
وعلى مستوى الإنتاج، سجل قطاع الصيد البحري السنة الماضية 2021، إنتاج 1.3 مليون طن من الإنتاج السمكي، بقيمة مقدرة بـ13.2 مليون درهم، مسجلاً انخفاضاً في الحجم بنسبة 1% عن سنة 2020 وزيادة في القيمة بنسبة 24%.
برلمانية تُسائل حول السمك
هذه الأرقام الأساسية في قطاع الصيد البحري، وخصوصاً توفر المغرب على واجهتين بحريتين، في مقابل غياب موائد الطبقات المتوسطة والهشة وذات الدخل المحدود من منتجات سمكية، اضطرت برلمانية حزب الحركة المعارض بمجلس النواب، فدوى محسن الحياني، إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزير الفلاحة والصيد البحري، محمد الصديقي.
وتساءلت البرلمانية عن حزب الحركة الشعبية، حول "الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أثمنة السمك في المملكة، والإجراءات الحكومية لجعلها في متناول كل الأسر المغربية".
المحروقات تؤثر في سعر السمك
في جوابه، الذي اطلع عليه "عربي بوست"، اعتبر وزير الفلاحة والصيد البحري، محمد الصديقي، أن "أثمنة الأسماك المتداولة على مستوى أسواق البيع بالجملة، والتي يشرف على تدبيرها المكتب الوطني للصيد، تخضع كما العديد من المنتجات، إلى منطق العرض والطلب".
ولهذا "تتأثر هذه الأثمنة بعوامل متعددة، خاصة كلفة رحلات الصيد وما تتطلبه من وسائل لوجستيكية، بما فيها المحروقات التي أثر ارتفاع أثمانها خلال الفترة الأخيرة على نشاط سفن الصيد البحري".
وأشار وزير الفلاحة والصيد البحري إلى تأثير الأحوال الجوية على نشاط سفن الصيد، إذ إن تغيرها يؤثر على وفرة المنتجات البحرية، وبالتالي ترتفع الأسعار في الأسواق.
إلى جانب ذلك، يشير المصدر ذاته، إلى أن "تكوين أثمان التقسيط لبيع المنتوجات السمكية تتأثر بدورها بمجموعة من العوامل، من بينها تكلفة النقل من مواقع البيع بالجملة إلى أسواق البيع بالتقسيط، وكلفة سلسلة التوزيع وهوامش ربح الوسطاء والباعة بالتقسيط، فضلاً عن ارتفاع الطلب".
الحل في يد الوزارة الوصية
الوزير الوصي على القطاع، يلقي كل ثقل ارتفاع أسعار المنتوجات البحرية على ارتفاع أسعار المحروقات ووضعية الأحوال الجوية، وهو ما يؤكده المهنيون كذلك في تشخيصهم لأسعار بيع السمك.
يشدد رئيس الكونفدرالية المغربية لتجار السمك بالجملة، بوشعيب شادي، على أنهم "يدرسون منذ سنة هذا الإشكال، دون أن يتمكنوا من التوصل إلى خيط ناظم لتحديد منهجية إعادة النظر في أسعار السمك من أجل أن يستفيد المواطن من ثروة بلاده السمكية".
وتابع شادي، في اتصاله بـ"عربي بوست"، أنهم "كتجار سمك لا يمكنهم التدخل لدى الحكومة لتخفيض أثمنة المحروقات"، محملاً المسؤولية للحكومات السابقة "التي لم تدرس بشكل جيد مسألة رفع الدعم عن المحروقات، وبذلك هي تتحمل تبعات ما وصلت إليه الأسعار التي يكتوي بها جيب المواطن المغربي اليوم".
وقال المهني في تجارة السمك بالجملة: "نحن مع طرح أن يستهلك المواطنون المنتوج السمكي بأقل تكلفة، لكن على الوزارة الوصية أن تساند هذا الأمر، إذ بإمكانها مثلاً أن تتقدم بملتمس لوزارة المالية من أجل تخفيض الاقتطاعات عند البيع الأول في الأسواق من أجل أن تكون أثمنة السمك في المتناول، خصوصاً أن هذه الاقتطاعات مجحفة في حق التاجر وفي حق المجهز معاً".
شلل موانئ الصيد يرفع الأثمان
أصيبت العديد من موانئ الصيد في المملكة بالشلل خلال الأيام الماضية، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الرحلات التي أثقلت كاهل بحارة الصيد، نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات بشكل غير معقول.
ويؤكد الكاتب العام للنقابة الوطنية لموظفي وزارة الصيد البحري المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عبد الله الياسمي، أن السبب الرئيس في هذا الوضع الذي تشهده أسواق السمك في المغرب، يعود إلى "إضراب عدة مراكب الصيد بالجر على الخروج إلى البحر، نظراً لارتفاع أسعار المحروقات".
وفي الأيام الأخيرة، خاضت عدد من أساطيل الصيد إضراباً، وهو ما شل حركة الصيد بالدار البيضاء وآسفي والمهدية (غرباً)، والقصر الصغير والعرائش (شمالاً)، وبني أنصار (شمال شرق)، والصويرة (جنوباً).
وأشار الياسمي، في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أن "العديد من رجال البحر تضرروا، خاصة البحارة الذين يشتغلون على متن هذه المراكب التي أصبحت لا تتحمل فاتورة المحروقات، ما انعكس على قلة أنواع الأسماك في السوق ومن ثمة ارتفاع أسعارها".
استنزاف بشري للثروة السمكية
لكن يبدو أن هناك مشكلاً بشرياً آخر، له دوره الكبير في ندرة المنتوج السمكي وارتفاع سعره في السوق؛ يتعلق أساساً "باستنزاف الثروة السمكية عبر اصطيادها بشكل غير قانوني في فترات توالدها وفي أماكن عبارة عن محميات"، وفق رئيس الكونفدرالية المغربية لتجار السمك بالجملة، بوشعيب شادي.
ونبه إلى هذا المشكل ائتلاف حماية الموارد البحرية الذي يضم عدة هيئات مهنية في الصيد البحري، محذراً من تدهور الثروة السمكية للمغرب نتيجة تزايد الصيد العشوائي وغير القانوني، داعياً الجهات المعنية إلى تشديد المراقبة على المخالفين للمقتضيات المنظمة للصيد البحري.
وذكر الكاتب العام للنقابة الوطنية لموظفي وزارة الصيد البحري المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عبد الله الياسمي، أن التحذيرات من استنزاف الثروة السمكية هو "تحصيل حاصل للسياسات المتعاقبة في تدبير هذا القطاع الحيوي".
وأضاف الياسمي، أن "ما وصل إليه مخزون الأخطبوط الآن وكذلك مخزون الأسماك السطحية في المناطق الجنوبية، كان منتظراً رغم الميزانية الضخمة التي رُصدت لتهيئ هذه المصايد في إطار استراتيجية أليوتيس".
تهدف "أليوتيس" التي أطلقتها الحكومة عام 2009، إلى تحقيق تنمية وتنافسية في قطاع الصيد البحري، والرفع من قيمة الموارد البحرية بكيفية مستدامة، وزيادة الناتج الداخلي بثلاثة أضعاف في أفق 2020.
وأوضح الفاعل النقابي في قطاع الصيد البحري، أن "المئات مما يسمى بالقوارب المعيشية، ومئات الإطارات الهوائية (تسمى محلياً بالشمبريرات)، وقوارب أخرى غير مرقمة بطريقة قانونية، تصطاد دون حسيب ولا رقيب".