يرفض علاء الدين، القاطن في محافظة البليدة بالجزائر، شراء لحم البقر بسبب سعره المرتفع والذي يبلغ 2200 دينار جزائري (11 دولاراً)، متسائلاً في حديثه مع "عربي بوست" عن أسباب هذه الأسعار المرتفعة لهذه السلعة المهمة.
محدثنا الذي صادفناه في محل لبيع أنواع اللحوم يُفضل شراء لحم الدجاج بسعر 360 ديناراً جزائرياً (1.6 دولار)؛ كونه يتناسب مع قدرته الشرائية عكس أسعار اللحوم الحمراء.
وتتراوح أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر ما بين 1800 دينار جزائري و2400 دينار جزائري (9 دولارات إلى 12 دولاراً).
ويبلغ معدل استهلاك الجزائري من اللحوم الحمراء 15 كيلوغراماً سنوياً، وهو رقم أقل بكثير من المتوسط العالمي الأدنى الذي تنصحنا به المنظمة العالمية للتغذية والمنظمة العالمية للصحة والمحدد بـ25 كيلوغراماً سنوياً.
"عربي بوست" سعى في هذا التقرير لمعرفة أسباب ارتفاع أسعار اللحوم في الجزائر، ونقل العديد من النقاط التي لها علاقة بهذه الشعبة الحيوية والمهمة.
أسباب كثيرة.. والنتيجة واحدة
بغرض الوقوف على أسباب الارتفاع الكبير لأسعار اللحوم الحمراء بالجزائر، كان لـ"عربي بوست" اتصال مع رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الطاهر بولنوار، الذي يرى أن هذا الأمر يرجع إلى عوامل عديدة يتقدمها نقص العرض.
وذكر بولنوار أنه من غير المعقول في الجزائر التي تبلغ مساحتها أكثر من 2 مليون كيلومتر مربع أن تحوز فقط 25 مليون رأس غنم ومليوني رأس بقر ولا يتجاوز عدد رؤوس الماعز 5 ملايين رأس.
وقال المتحدث في تصريحه إن هذا العدد قليل جداً ولا يتناسب مع تطلعات المواطنين الجزائريين الذي يشترون اللحوم الحمراء بأسعار مرتفعة للغاية.
ومن بين الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر يوجد كذلك سعر الأعلاف المستوردة الذي ارتفع بعد تفشي "كورونا"، والحرب في أوكرانيا التي كان لها الأثر المباشر في زيادة تكلفة سعر اللحوم بصفة عامة.
أما السبب الثالث الذي يراه بولنوار مساهماً في ارتفاع سعر اللحوم فهو عدم تلقي المربين لتكوين خاص، إذ لم يتدربوا على استعمال التقنيات الحديثة إضافة إلى عدم وجود أسواق جملة منظمة للمواشي التي تساعد على ضبط الأسعار.
ويتابع المتحدث في هذا السياق أن "هناك أسباباً أخرى من بينها عدم إقبال الشباب على تربية المواشي واقتصارها على كبار السن".
تجار المواشي يتبرؤون من ارتفاع الأسعار
نائب رئيس فيدرالية مربي المواشي محمد بوكربيلة أكد لـ"عربي بوست" وقال إن تجار المواشي وجدوا أنفسهم في فم المدفع وسط كل ما يحصل من تطورات، حيث اعتبر أنهم ضحايا على غرار المستهلكين.
وأوضح بوكربيلة أن تجار المواشي يتواجدون حالياً في قفص الاتهام بسبب ارتفاع والتهاب أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر، إلا أن المسؤولية الحقيقية يتحملها المضاربون الذين يعدون الفئة الحقيقية المفتعلة للأزمة والمستفيدة منها.
وينشط المضاربون على مستويين، بحسب توضيح محدثنا، الأول من خلال استغلال الأعلاف ورفع سعر الشعير المدعم من طرف الدولة من 2000 دينار للقنطار إلى 5000 دينار جزائري.
الأمر حسب المتحدث يجعل مربي المواشي يتكلّف مصاريف مضاعفة، خاصة في ظل توالي مواسم الجفاف في المناطق السهبية المعروفة بتربية المواشي، الأمر الذي جعل المربين يعتمدون بشكل رئيسي على الأعلاف بدلاً من الرعي.
وبخصوص المستوى الثاني من المضاربة، فقال إن المضاربين يعمدون لشراء المواشي وأحياناً الاحتفاظ بها لخلق نوع من النقص على مستوى الأسواق الأسبوعية، وبالتالي رفع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر.
وأكد نائب رئيس فيدرالية مربي المواشي ضرورة التدخل النهائي من طرف السلطات لحل أزمة الأعلاف ومحاولة تحقيق الاستقلالية في هذا الجانب، من خلال توفير أعلاف جزائرية تفي بحاجات السوق الداخلية.
وطالب المتحدث أيضاً بوضع حد لكل محاولات التلاعب بالأعلاف إلى جانب مرافقة الموالين من خلال تمويلهم بقروض بنكية إلى جانب حفر الآبار والوقوف على لوازمهم لتحقيق هدف إيصال اللحوم بأسعار معقولة إلى المستهلكين.
المضاربة والجشع
في اتصال هاتفي مع رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وترشيد المستهلك، مصطفى زبدي، اعترف أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر وباقي اللحوم أيضاً غير مبرر إطلاقاً.
وأضاف المتحدث أن "ما يحصل في سوق اللحوم بالجزائر يصنف على أنه فوضى باستثناء ارتفاع أسعار الأعلاف، ولا يمكن تبرير غلاء هذه المادة، لهذا فإن الارتفاع ليس له أسباب سوى الجشع والمضاربة والبحث عن هامش ربح كبير".
ويرى زبدي أن "السلطات يجب أن تتدخل لضبط السوق، وما تم القيام به مؤخراً من خلال السجلات التجارية تُعد مبادرة لحذف جميع الفوضويين من السوق ومحاولة ترتيب ما هو موجود من ثروة حيوانية حتى نعرف أصحابها والمتدخلين فيها".
ويقترح رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وترشيد المستهلك، فتح مجال الاستثمار في هذه الشعبة الحيوية والمهمة مع تقديم تسهيلات بغرض تحرير الأسعار واستيراد اللحوم الطازجة.
وقال المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست": "كل ما اقترحناه نراه مساعداً على ضبط هذه الشعبة؛ لأنه بهذه الوتيرة التي تسير بها لن تكون تحضيراتنا جيدة لشهر رمضان المقبل".
مقترحات لضبط السوق!
في خضم الحديث عن أسباب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالجزائر، أشار رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين إلى مجموعة من الحلول التي يراها مناسبة لضبط السوق.
ويقول المتحدث لـ"عربي بوست" إنه من وجوب إعداد بطاقية للمساحات الأرضية الخاصة بالرعي وتربية المواشي والإسراع في تشجيع مشاريع الإنتاج الحيواني مع تعديل الأسواق الخاصة بالمواشي وتنظيمها وإدخال برامج تكوين خاصة في تربية المواشي.
ويلفت محدثنا إلى أن معدل الإنتاج الوطني للحوم الحمراء سنوياً يُقدر ما بين 500 ألف طن و600 ألف طن، وهو رقم ضعيف حيث يجب أن يبلغ أكثر من ذلك بكثير؛ لأن الطلب يعادل مليون طن سنوياً.
وأشار المتحدث إلى أن "إنتاج اللحوم الحمراء يعادل 60% إلى 70% من الطلب، لهذا يجب العمل بجد من أجل زيادة عدد رؤوس المواشي لضبط السوق في الجزائر وجعل الأسعار مناسبة مع القدرة الشرائية للمواطنين".
لقاء وطني لضبط أسعار اللحوم الحمراء
من جهتها، أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بالجزائر مؤخراً عقب لقاء جمعها بمختلف الهيئات وجمعيات المربين، مجموعة من الإجراءات التي قالت إنها ستتيح توفير هذه المادة بنوعية جيدة وأسعار معقولة.
وراهن وزير الفلاحة عبد الحفيظ هني على الإجراءات الحكومية لتوفير اللحوم بأسعار في المتناول بداية من العملية الكبرى للإحصاء الوطني للثروة الحيوانية والتي انطلقت منذ أسبوعين، وستسمح بتحديد هوية القطيع وتتبع موقعه الجغرافي.
وقررت السلطات أيضاً تكثيف نظام الثلاثية من خلال الربط بين المربين والديوان الوطني لتغذية الأنعام الذي يتكفل بتوفير الأعلاف بسعر ثابت 2600 دينار للقنطار (13 دولاراً)، والجزائرية للحوم الحمراء التي تتكفل بشراء المنتوج للتقليل من الوسطاء والمحتكرين وتجنب رفع الأسعار.
كما تم التأكيد على توفير مادة الشعير مباشرة لتجار المواشي بكميات مضاعفة، يعني 18 كيلوغراماً في الشهر بدل 9 كيلوغرامات في الشهر كما كان معمولاً به سنة 2021.
إلى جانب ذلك، تم الاتفاق على تسهيل عملية نقل لحوم البقر من الجنوب؛ حيث يتم ذبحها في مذابح مراقبة في كل من ولايتي تمنراست وأدرار، في انتظار توسيعها إلى ولايات أخرى.
وتم وضع حيز الخدمة لمختبرين للتحاليل البيطرية تحت وصاية المعهد الوطني للطب البيطري بداية من يناير/كانون الثاني 2023 وهذا لتحليل عينات الماشية قبل ذبحها مع نتائج تحاليل فورية، وذلك بولايتي أدرار وتمنراست.
وأكدت وزارة الفلاحة أن هذا الإجراء سيسمح بتقليص كبير لأجل الحصول على نتائج التحاليل والتي كانت تجرى بالمختبر المركزي الكائن بالجزائر العاصمة؛ حيث كانت تتطلب ما بين 15 إلى 20 يوماً وبهذا ستقلص إلى يومين.
وبالعودة لمؤسسات التسويق فقد تقرر الترخيص الحصري للشركة الجزائرية للحوم الحمراء بتسويق لحوم البقر الطازجة بكميات مدروسة بداية من يناير/كانون الثاني 2023.