يسكن البيوت المغربية، في عدد من القرى، الصمت والهدوء، مع انطلاق موسم جني الزيتون، إذ تخرج العائلات بأكملها وفق طقوس جماعية تميز هذه الفترة من السنة، غير أن الجفاف الذي شهدته المملكة هذا العام، لم يمر دون أن يخلف أثراً على الفلاحين وعلى جيوب المواطنين.
رحمة الخمري، من إحدى القرى شمال المغرب، قد شرعت في جني محصول أرضها رفقة زوجها وأبنائها وبمساعدة بعض العمال، غير أنهم، كما تحكي لـ"عربي بوست"، توقفوا عن الجني بعد 3 أسابيع من العمل.
تقول رحمة في حديثها مع الموقع: "جنينا ثمار الزيتون الناضجة، وتركنا باقي الأشجار في انتظار أن تجود السماء بالأمطار وتنضج باقي الثمار".
وبسبب قلة الإنتاج هذا العام، لجأت السيدة رحمة إلى الدفع للعمال الذين ساعدوا في الجني بالمال، عوض حصة من محصول الزيتون كما كانت تفعل في العادة، في مواسم جني الزيتون الماضية.
وتوضح "كنا ندفع للعمال الذين يساعدوننا مقابل عملهم حصة من محصول الزيتون، لكن الآن بسبب قلة المحصول، ولضمان توفير احتياجاتنا، اضطررنا للدفع لهم بالمال، الزيتون في هذه الظروف كنز لا يمكن التفريط فيه بسهولة".
وقررت رحمة طحن محصول الزيتون الذي جنته في المرحلة الأولى بالرحى التقليدية، عوض المعصرة العصرية، كما جرت العادة في السنوات الماضية، وتعزو هذا الاختيار إلى حرصها على ضمان أكبر كمية من الزيت بعد عصر الزيتون.
تقول "عدد من الفلاحين الذين أعرفهم، أنتج لهم قنطار من الزيتون بعد عصره في المعصرة العصرية 8 لترات أو 10 من الزيت، وهي كمية ضعيفة، ما جعلنا نقرر اللجوء إلى معصرتنا التقليدية حتى نعصر الزيتون بطريقتنا، ونحصل على الكمية كاملة".
ارتفاع الأسعار
منذ انطلاق موسم جني الزيتون وعيون الفلاحين معلقة على السماء طلباً للغيث، خاصة أن الأمطار هي الوسيلة الرئيسية لسقي الأشجار، كما أن الأسواق عرفت ارتفاع أسعار زيت الزيتون أو الزيت "البلدية" أو زيت "العود" كما يطلق عليها المغاربة.
وتعتبر هذه أسوأ موجة جفاف شهدتها المملكة المغربية منذ 4 عقود، وكان لها تأثير على مخزون المملكة من المياه وعلى الإنتاج الفلاحي، ما أثر على نسبة النمو.
وكان مجلس بنك المغرب، قد توقع أن تباطؤ النمو الاقتصادي هذه السنة بشكل ملموس ليصل إلى 0,8%، وذلك بسبب تراجع القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 14,7% وتباطؤ وتيرة نمو الأنشطة غير الفلاحية إلى 3,4%.
وأمام ارتفاع أسعار زيت الزيتون، اضطر المواطنون المغاربة، الذين يعانون من وطأة الغلاء الذي شمل كل المواد، إلى تقليص مشترياتهم من زيت الزيتون.
وكان موسم جني الزيتون مناسبة للعديد من المواطنين لشراء احتياجاتهم السنوية من زيت الزيتون، الذي يُعتبر أساسياً بالنسبة لهم في المائدة.
يقول يوسف العمراني إنه اشترى 5 لترات من زيت الزيتون بـ80 درهماً للتر الواحد، أي 8 دولارات، وهو سعر مرتفع مقارنة مع السنوات الماضية، التي كان فيها لا يتجاوز 6 دولارات في أقصى الأحوال.
ويضيف أنه اضطر لشراء 10 لترات فقط، ما كلفه 800 درهم، أي 80 دولاراً، بينما كان في السنوات الماضية يشتري في المجمل 20 لتراً.
وفضل مواطنون آخرون التنقل إلى القرى وشراء الزيتون من معارفهم من الفلاحين بالقنطار وطحنه بأنفسهم في المعاصر، وهي الطريقة التي تجعلهم يوفرون كمية أكبر من الزيت بسعر أقل.
وكان هذا هو اختيار يونس آيت عتاب، حيث كلفه القنطار من الزيتون 900 درهم، أي 90 دولاراً، ووفر له 15 لتراً من الزيت، مقابل 60 درهماً للتر الواحد، أي 6 دولارات، وهو سعر أقل من الذي كان سيدفعه في حال اشترى الزيت مباشرة من الباعة.
انخفاض الإنتاج
يؤكد رشيد بنعلي، رئيس الفيدرالية البيمهنية المغربية لمنتجي الزيتون، انخفاض إنتاج الزيتون هذا العام بشكل كبير، مقارنة مع السنوات الماضية، ففي الوقت الذي كان فيه الإنتاج الموسم الماضي مرتفعاً بزيادة 21% مقارنة بالموسم السابق، يرجح المنتجون ألا يتجاوز الإنتاج هذا العام النصف.
ويعزو رشيد بنعلي ذلك إلى الجفاف الذي تشهده البلاد، وإلى تأخر سقوط الأمطار في هذا الموسم وارتفاع درجات الحرارة في فصل الخريف، ما أثر على أسعار زيت الزيتون.
وتختلف الأسعار بين الجهات، إلا أنها تتراوح ما بين 70 و80 درهماً للتر، أي ما بين 7 و8 دولارات حسب بنعلي، مشيراً إلى أنه لا يمكن تجاوز هذا السعر بسبب محدودية القدرة الشرائية للمواطنين، أما سعر الزيتون فيتراوح ما بين 8 و10 دراهم للكيلو.
وأشار المتحدث إلى وجود فرق في الإنتاج ما بين جهات المملكة، ففي الوقت الذي حافظت فيه بعض الجهات، مثل الشرق والشمال على إنتاج عادي، كونها من المناطق المسقية، تراجع الإنتاج بشكل كبير في باقي الجهات، وخاصة جهتي مكناس فاس سايس وجهة الشرق والتي تمثل 60% من الإنتاج (جهة فاس 38% وجهة مراكش 22%).
والتقى مهنيو الزيتون مع وزير الفلاحة سبتمبر/أيلول الماضي مع انطلاق الموسم لمناقشة وضعية الإنتاج.
وقال بنعلي إن اللقاء ركز على أسعار زيت الزيتون وعلى محاربة الغش، مشيراً إلى أن المهنيين متخوفون من تلاعب البعض بجودة الزيت عبر خلطه بأنواع أخرى من الزيوت، وهي الممارسات التي تنشط عن انخفاض الإنتاج.
ويأمل المتحدث أن تتغير الأوضاع في الأسابيع المقبلة في حال هطول الأمطار، وقال "ما دامت ثمار الزيتون في الشجر، فهناك أمل في أن تتغير الأوضاع نسبياً في حال تساقط الأمطار".
الزيتون والاقتصاد الوطني
حسب بيانات وزارة الفلاحة والصيد البحري، فإن الزيتون يتصدّر باقي أصناف الأشجار المثمرة المغروسة في المغرب، حيث يمثل 65% من المساحة المخصصة لغرس الأشجار المثمرة على الصعيد الوطني، بمساحة 1,2 مليون هكتار.
وبلغ الإنتاج الوطني للزيتون الموسم الماضي 1,96 مليون طن، بزيادة 21%، مقارنة بالموسم السابق، كما شهدت سلسلة إنتاج الزيتون تطوراً في السنوات الماضية بفضل توسيع المساحات المغروسة ومساعدات الدولة في إطار صندوق التنمية الفلاحية وجهود المهنيين.
وهكذا، عرفت مساحة الزيتون ارتفاعاً بنسبة 61% بين 2007-2008 و2021-2022 وارتفع متوسط إنتاج الزيتون بنسبة 209% بين 2003-2007 و2017-2022.
وتساهم السلسلة في توازن الميزان التجاري من خلال ضمان تدفق العملة بما يعادل 2 مليار درهم في السنة، بمعدل صادرات تبلغ 91 ألف طن في السنة من زيتون المائدة و15 ألف طن في السنة من زيت الزيتون و13 ألفاً و700 طن في السنة من زيت ثفل الزيتون.