"زوالي مات.. تريولي باب الوادي" (البسيط توفي تريولي باب الواد)، هي عبارة تلازم الجزائريين عندما يتذكرون اليوم الأسود، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، حيث شهد حي باب الوادي فيضانات كارثية.
21 سنة مرت على كارثة طبيعية لم يعهدها الجزائريون، الذين عايشوا من قبل زلزال ولاية الأصنام (الشلف حالياً)، وهزات أرضية أخرى، إلا أن فيضانات السبت الأسود كانت صدمتها كبيرة؛ نظراً لكون الكارثة غير متوقعة ولم يعهدوها من قبل.
"عربي بوست" انتقل إلى بلدية باب الوادي بالجزائر العاصمة، ونقل ذكريات الجزائريين الحزينة عن هذه الذكرى الأليمة على قلوبهم، خاصة أن الفيضانات خلَّفت أكثرَ من 800 قتيل وعشرات المفقودين في حوالي ساعة ونصف الساعة من الزمن.
الموت كان يمر بين أعيننا
عمّي عمر، الذي يبلغ من العمر 62 سنة، أحد الناجين من فيضان باب الوادي، قال لـ"عربي بوست": "كنتُ ألمح الموت في كل خطوة أخطوها ذلك اليوم، وأنا مُتجه إلى مقر عملي في بلدية رايس حميدو، رغم أن الأمطار في بداية هطولها لم تكن بتلك الغزارة التي تُنبِئ بكارثة محتملة تنتظر الجزائريين".
ويضيف عمي عمر، الذي تذكَّر ما وقع له ذلك اليوم: "الأمر كان صعباً، فلمّا وصلنا إلى حي الرميلة في باب الوادي على الساعة 4:30 فجراً، قرَّر مالك سيارة الأجرة أن يتخذ طريقاً آخر بعد أن علِم أن المياه المتدفقة من جهات عديدة على الحي تمنعه من الوصول إلى رايس حميدو، عبر طريق الواجهة البحرية، لكننا فوجئنا بما هو أسوأ، عندما وصلنا إلى طريق يربط بلدية وادي قريش وبلدية بوزريعة، على الساعة الخامسة والنصف".
وتابع متحسراً: "هنا قرّر سائق السيارة التوقف، فتوجهتُ نحو بلدية بوزريعة أعالي العاصمة، فرأيتُ قوة تدفق المياه التي كانت تجرُّ معها كلَّ ما تجده في طريقها، سيارات، وحافلات وبقايا أشجار، لم أُصدق ذلك، فكنتُ أفكرُ فقط كيف سأصل إلى مقر عملي؟ والذي بلغتُه مشياً على الأقدام بعد توقف كل وسائل النقل جراء السيول والأمطار، التي كانت تشتد غزارتها مع مرور الوقت".
يوم أسود.. وفاة أكثر من 800 شخص
الفيضانات العارمة التي اجتاحت العديد من البلديات في محافظة الجزائر، اتَّخذت من منخفضات بلدية باب الوادي مصباً لها، هذا الحي الذي يعدُّ حياً عتيقاً، يضم عمارات هشّة لم تقدِر على مقاومة السيول الجارفة، لاسيما أنها كانت محملة بحافلات مليئة بمواطنين كانوا متجهين نحو أعمالهم، إلا أن القدر قادهم إلى حتفهم والموت غرقاً.
وأودت تلك الفيضانات بحياة أكثر من 800 شخص، تُوفوا غرقاً في ظرف 120 دقيقة فقط من التساقطات المطريّة التي لم يسبق لها مثيل بالجزائر على مرّ السنين، فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة، ومنها سوق تريولي، الذي تحوّل إلى بركة كبيرة من الطين، بعد أن كان يعج بحياة الجزائريين القادمين إليه من مختلف المحافظات.
وما أسهم في تسجيل هذا الرقم المهول في عدد الضحايا هو تحوّل الحي العتيق، باب الوادي، إلى بحيرة مضطربة، بسبب الأمطار الجارفة المنهمرة من أعالي بلدية بوزريعة، ومرتفعات سيدي بنور وبوفريزي من الجنوب، وأمواج البحر العاتية، التي تعدّى طولها 8 أمتار من جهة الشمال، حيث غمرت طرق واجهة البحر، ما صعّب من مهمة العاملين في إيصال إمدادات العون والإسعاف.
ولأنّ الزمن لا يتوقف، عادت الحياة لتدبّ في بلدية باب الوادي، بعد أن عاش سكّانُها ظروفاً غير عادية، في أقل من 4 ساعات، لتكون ذكرى أليمة على جزائريين عايشوا تلك الفيضانات الجارفة، وآخرين تعرّفوا على ما حصل عبر وسائل الإعلام، بعد أن وثَّق التلفزيون العام هذه الكارثة في فيديوهات حزينة، مازالت تُتداول في الجزائر حتى اليوم، خاصةً على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي.
جهود مبذولة لتفادي كوارث مماثلة
وعملت السلطات المحلية في بلدية باب الوادي، بمحافظة الجزائر، على إنجاز العديد من المشاريع بعد الكارثة؛ لتفادي سيناريو مماثل لما وقع في ذلك اليوم الحزين، ولم يقتصر الأمر على السلطات المحلية فقط، لأن السلطات العليا أسهمت بشكل أو بآخر، بعد الفيضانات إلى اليوم، في وضع استراتيجية لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية.
وتشير وكالة الأنباء الجزائرية إلى أن الحي العتيق تحول خلال السنوات الثلاث التي أعقبت الكارثة إلى ورشة كبيرة، حيث كانت مهمة الجهاز المحلي حينَها شاقة، لكنَّه تمكَّن من تحقيق العديد من الإنجازات على أنقاض مخلفات الكارثة سلّمت مرحلياً.
ويضيف المصدر ذاته: "لكن مساعي السلطات المحلية المتعاقبة في كسب رهان صيانة العوازل، ومتابعة المنشآت، وتجديد وتهيئة مجاري صرف المياه لا تزال متعثرة بشهادة العديد من السكان والنشطاء الجمعويين عبر إقليم البلدية".
14 خطراً تهدد الجزائر
تُصنف الجزائر من بين دول العالم الأكثر عرضة للمخاطر الكبرى، إذ إنه من بين 14 خطراً تم تحديدها من قِبل هيئة الأمم المتحدة، فالجزائر معرضة لـ10 منها.
ويتعلق الأمر بـ: الزلازل والمخاطر الجيولوجية، الفيضانات والمخاطر المناخية، المخاطر الإشعاعية والنووية، حرائق الغابات، المخاطر الصناعية والطَّاقِيّة، المخاطر المتصلة بالصحة البشرية، المخاطر المتصلة بالصحة الحيوانية والنباتية، التلوث الجوي والبحري أو المائي، والكوارث الناجمة عن التجمعات البشرية الكبرى.
بالإضافة إلى التهديدات العمرانية، حيث نجد أن 63% من السكان يتجمعون في الشمال، على مساحة 4% من التراب الوطني، و28% في الهضاب العليا على مساحة 9%، و9% من السكان في مناطق الجنوب، التي تغطي نسبة 87% من المساحة الكلية للجزائر.
هذا التوزيع من شأنه خلق مشكلة حقيقية، حيث إنه يهدد الفضاءات المخصصة للفلاحة وممارسة الأنشطة الزراعية بالزحف العمراني، بالإضافة إلى إثارة مشكلة العقار الحضري والبناء الفوضوي والأحياء القصديرية.
سلوكيات تعظّم خطر الفيضانات
"عربي بوست" ومن أجل التوسع في الموضوع أكثر، كان له اتصال مع الخبير في الكوارث الطبيعية، كريم عزيري، الذي أوضح أن الكوارث الطبيعية التي تتهدّد الجزائريين تعود لأسباب طبيعية وأخرى بشرية.
وأضاف المتحدث أن التغير المناخي العالمي والاستغلال اللاعقلاني للموارد الطبيعية دولياً، بالإضافة إلى الغازات وحتى الحروب، تخلّف ضغطاً على المناخ، يتجسد في الاضطرابات الجوية، والاحتباس الحراري، لتتراوح بين الجفاف فينة والفيضانات أحياناً أخرى.
كما تُسهم بعض تصرفات المواطنين يومياً في تعاظم انعكاسات تلك الاضطرابات، فبالنسبة للفيضانات يُسهم الرمي العشوائي للفضلات في سد بلّاعات صرف المياه، في إعاقة صرف مياه الأمطار، وتتعاظم الإشكالية كلما كان هطول المطر كثيفاً.
كما انتقد عزيري الفوضى الحاصلة في البناء، حيث يعمد الكثير من المواطنين إلى تشييد مساكنهم بالقرب من مناطق الخطر، سواء بالقرب من الأودية الموسمية، أو حتى الأودية الجافة، والتي كثيراً ما تعود للجريان بين الفينة والأخرى، لتكون تبعات ذلك وخيمة على ساكني مجراه.
من جهة ثانية، دعا الخبير إلى تكاتُف جهود السلطات مع المجتمع المدني، للتقليل من خطر السيول ونحن على أعتاب موسم الأمطار لتقليل التهديدات، إلى جانب العمل على توعية المواطنين بطرق التعامل مع الصدمات عند وقوع أي كارثة، والخروج من الأزمات بأقل الخسائر.
كما دعا المواطنين إلى اتِّباع النصائح الوقائية، من السلطات وأعوان الحماية المدنية، والإرشادات التي يقدمونها، إلى جانب تتبّع التحذيرات الجوية، وتفادي مناطق الخطر.
من جهة ثانية، راهنت الجزائر على توسيع مساعيها لتجاوز مخاطر الكوارث، حيث اقترحت إنشاء آلية إقليمية إفريقية للتصدي للأخطار الكبرى، وهو الاقتراح الذي صادق عليه فريق العمل الإفريقي، خاصةً في ظل توسع نطاق المخاطر الكبرى عالمياً.