تجري الاستعدادات على قدم وساق في مصر لإطلاق قناة "القاهرة الإخبارية"، التي تُعرفهَا الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية،على أنها "أول قناة إخبارية إقليمية مصرية"، من المزمع انطلاقها تزامناً مع استضافة مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء لقمة المناخ "كوب 27" في الفترة ما بين 7 إلى 18 نوفمبر المقبل.
وكثّفت القناة الجديدة، من إعلاناتها الترويجية على منصات التواصل الاجتماعي، تزامناً مع حملات دعائية مكثفة قامت بها كل وسائل الإعلام المحلية في توقيت واحد لإرسال إشارات إلى أن مصر ستكون أمام حدث غير مسبوق تزامناً مع بثها، وظهر وسم "القاهرة_الإخبارية" على غالبية الفضائيات المملوكة للشركة المتحدة.
وركزت القناة، التي يرأسها الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة روز اليوسف الحكومية، أحمد الطاهري، على البعد العربي والعالمي وسلطت الضوء على افتتاحها مكاتب لها في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم، واستعانتها بمراسلين من دول مختلفة حول العالم.
شعارات قديمة حاضرة في بروموهات القاهرة الإخبارية
بدا واضحاً أن القناة تبحث عن مكان لنفسها وسط فضائيات عربية ناجحة تعمل منذ سنوات عبر مدخل إعلام الستينيات الذي رفع شعارات لم تعد حاضرة في الوقت الحالي ترتبط بالوحدة العربية، وعبّرت البروموهات الدعائية التي بثت خلالها الأناشيد العربية والسلام الوطني لعدد من الدول، مستخدمة عبارة "القاهرة الإخبارية.. نافذتك على الثقافات العربية"، على هذا التوجه.
يقول مصدر مطلع، يشغل منصباً إدارياً بالقناة، إن الفضائية الجديدة خاضعة بشكل مباشر لإشراف جهاز المخابرات المصري، الذي يمتلك الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتي بدورها دشنت قبل 3 أشهر "قطاع أخبار المتحدة"، واختارت الطاهري لترأسه بعد أن تلقى تدريبات في مؤسسات إنجليزية وأمريكية على إدارة الفضائيات الإخبارية.
ويضيف أن القناة استعانت بالمئات من الكوادر المصرية، أغلبهم عملوا من قبل في فضائيات تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، إلى جانب استقطاب الخبرات الموجودة في اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري (ماسبيرو)، سواء من الذين كانوا يعملون به، أو كانوا منتدبين على ذمة فضائيات تابعة للشركة المتحدة.
وأن نصف العاملين بالقناة الجديدة تقريباً من التليفزيون الحكومي، المتوقع أن يتم تصفيته تدريجياً، مع عدم الحاجة لقناة النيل الإخبارية أو أي من القنوات الأخرى التي لا تلقى مشاهدة كبيرة.
تدريبات كبيرة وتعليمات بخصوص السياسة التحريرية
وبحسب صحفي مصري يعمل في القناة، رفض ذكر اسمه، فإن التدريبات التي تلقوها من جانب مؤسسات تدريبية محلية وأجنبية قبل أيام من انطلاق القناة ركزت على التوجه نحو الأبعاد التحليلية للأحداث العالمية، وإتاحة الفرصة أمام تقديم آراء مختلفة من بلدان عديدة.
وأن القائمين على القناة استعانوا بعدد من المعدين المصريين الذين عملوا في فضائيات عربية، ولديهم قائمة كبيرة من المصادر.
نقل لنا الصحفي أجواء التدريب التي تلقوها، مشيراً إلى أن أجهزة استخباراتية تراقب عن كثب كل الاستعدادات لإطلاق القناة الجديدة، ومن بينها اختيار طاقم العمل بما في ذلك اختيار المراسلين العرب من بلدان مختلفة، وكذلك اختيار المذيعين القريبين من دوائر السلطة.
مضيفاً أن القناة منحت رواتب للعاملين تفوق نظيرتها في الفضائيات المصرية الأخرى، كما أن الموقع الإلكتروني الخاص بالقناة أقدم على منح رواتب مضاعفة عن التي يحصل عليها الصحفيون في مواقعهم الأصلية، لكن بالنسبة للمراسلين فإن القناة وصلت إلى الحد الأدنى مما تمنحه الفضائيات العربية.
جهات أمنية واستخباراتية تتابع عن كثب تجهيزات الانطلاق
ركزت المحاضرات التي تلقاها العاملون بالقناة على أهمية تغيير الصورة الذهنية للإعلام المصري لدى المواطنين في الداخل والخارج، والتأكيد على تقديم عمل احترافي يضمن منافسة الفضائيات الأخرى، والابتعاد عن أي أزمات داخلية بحيث يكون ترتيب نشرات الأخبار مهتمة بالأحداث الأكثر أهمية حول العالم، وقد يكون الخبر المصري في المرتبة الرابعة أو الخامسة، وفقاً لما أكده الصحفي.
وضمت قائمة المذيعين والمراسلين الذين انضموا للقناة كلاً من: "الكاتب الصحفي عادل حمودة والكاتب جمال عنايت والإعلامي حسانى بشير، والإعلامية داليا أبو عميرة، والإعلامية دينا سالم، والإعلامية دينا زهرة، ومذيعة الأخبار آية لطفي، والإعلامية ليلاس كافوزي، والإعلامية آية الكفوري، والإعلامية رغدة منير وحسين مشيك كمراسلين من موسكو وعربي مرزوق مراسلاً من برلين وخالد شقير مراسلاً من فرنسا، والإعلامي أحمد بشتو، والإعلامي فادي غالي، ومذيعة الأخبار اللبنانية شيرين غسان، ومذيعة الأخبار شيماء الكردي، والإعلامي تامر حنفي والإعلامي محمد عبد الرحمن".
التمويل غير معروف!
لم تقدم المصادر الإدارية أو الصحفية التي تواصلنا معها إجابة حول الجهة الممولة للقناة، واكتفيا بالتأكيد على أن التمويل الحالي من أجهزة استخباراتية جهزت ميزانية ضخمة لضمان تحقيق انطلاقة قوية للقناة، ووضع استراتيجية مالية تضمن استمرار عملها بنفس الكفاءة لمدة عام.
وأن الأشهر الأولى ستكون شاهدة على تقييمات مختلفة من الأجهزة الأمنية لجودة المحتوى المقدم، وستُقدم على "غربلة" للعاملين فيها حال لم تكن على المستوى المتوقّع، ولن تسمح بأن تستمر الخسائر لفترات طويلة كما الحال في فضائيات أخرى؛ لأن التكلفة في تلك الحالة ستكون فادحة.
وأخذت مسألة التمويل حيزاً واسعاً من الجدل خلال العاميين الماضيين منذ أن جرى الحديث لأول مرة عن إطلاق قناة إخبارية مصرية، وعولت مصر على تقاربها السياسي مع دولة الإمارات للحصول على تمويل يتماشى مع حجم إطلاق قناة إخبارية إقليمية
لكنها تلقت ردود غير إيجابية؛ لأن ضخها مئات الملايين من الدولارات في وسائل إعلام محلية مصرية لم يأت بمردود إيجابي، وفي مرات عديدة وصلت شكاوى لدوائر السلطة في مصر من سرقة أموال التمويل، بحسب ما أكده خبير إعلامي قريب من الحكومة المصرية.
وكان لدى القاهرة رغبة في أن تستحوذ على قناة "الغد" الإماراتية التي تعمل بالفعل إلى جانب إضافة كوادر مصرية عليها تتبع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لكن الصفقة أيضاً باءت بالفشل بسبب خلاف بين الجانبين المصري والإماراتي على طريقة إدارتها، وفقاً لما أشار إليه الخبير الإعلامي ذاته، ومن ثم كان التفكير في الحصول على تمويل سعودي بديل.
ويلفت المصدر، إلى أن القاهرة اتفقت مع مسؤولين سعوديين على ضخ 30% من إجمالي القيمة التمويلية للقناة، وذلك في العام 2021، لكن الرد السعودي بالموافقة على العرض تأخر، قبل أن يتجدد الحديث عن القناة بين الطرفين مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة في يوليو الماضي.
ويشير إلى أن القاهرة لم تحصل أيضاً على وعود شافية بتقديم التمويل، مع اكتفاء المملكة بتمويل المشروعات الاستثمارية التي تشارك فيها، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن التعاون بين الشركة المتحدة وأطراف عربية قد يكون حاضراً في مرحلة تالية وفقاً لما تحتمه الظروف السياسية والاقتصادية في المنطقة.
وسبق أن أُعلن عن القناة الإخبارية الإقليمية في نفس المؤتمر الذي أعلنت فيه الشركة عن إعادة تشكيل مجلس إدارتها، في مايو من العام 2021، مع تعيين المصرفي حسن عبد الله رئيس البنك المركزي الحالي كرئيس للشركة، بدلاً من تامر مرسي، الذي تمت إزاحته من رئاسة المجلس إلى عضويته.
وفي ذلك المؤتمر جرى الحديث عن أن هناك مخططاً لظهور القناة في الربع الأول من عام 2022، لاستهداف المصريين والعرب، قبل أن توقف الجهات السيادية العمل عليها، وذلك أثناء الانتهاء من الأعمال الإنشائية في الاستوديوهات والأبنية الداخلية.
خسائر الفضائيات المصرية تُبعد التمويل العربي
وتواجه مصر أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فالوضع المالي لوسائل الإعلام المملوكة للشركة المتحدة يعاني من خسائر كبيرة، حسبما أقر مؤتمر الشركة الذي عُقد في 29 مايو/أيار 2021 لتغيير قيادات الشركة بسبب الخسائر.
وأظهرت الأرقام المعلنة حينئذ تحقيق شركة المخابرات خسائر خلال أعوام 2017 و2018 و2019 و2020، وتبين أن حصيلة الخسائر للقنوات على مدار 4 أعوام منذ سيطرة شركة المخابرات عليها هي 380.569.425 مليون جنيه.
وأعلن مجلس إدارة الشركة المتحدة في 9 سبتمبر/أيلول الماضي، تعيين وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان، رئيساً لمجلس إدارة الشركة خلفاً للمصرفي حسن عبد الله، الذي عُيّن في منصب القائم بأعمال محافظ البنك المركزي لمدة عام، وفق القرار الصادر عن الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويؤكد خبير إعلامي أن التردد التي يصاحب جهات تمويلية عربية يرجع لأن القنوات الأخرى التي تمتلكها الشركة المتحدة ليس لها صدى أو تأثير في الشارع المصري، وسيكون من الصعب الرهان على فضائية جديدة بنفس العقليات التي تدير القنوات القديمة، ما يجعل الجهات التمويلية على قناعة بأنها أمام تجربة لإهدار مزيد من الأموال.
مدرسة الدعاية السياسية لا تضمن نجاح الفضائية الجديدة
ويشير إلى أن القائمين على القناة الجديدة من مدرسة تنتمي إلى الدعاية السياسية، وليس مدرسة الإعلام المهني، كما أن الشركة القائمة عليها دشنت حضورها على أساس الترويج للنظام الحالي، والتنقلات والتعديلات والتبديلات العديدة على المناصب داخلها تؤشر إلى أنها ليست شركة إعلامية بالمعنى الحقيقي.
ويوضح أن هدف القناة الرئيسي يتمثل في تصويب صورة النظام في الخارج والداخل أيضاً سواء كان ذلك بشكل مباشر عبر الدعاية السياسية له، أو من خلال تقديم محتوى إعلامي أكثر انفتاحاً على القضايا الخارجية، والإيهام بأن هناك تغيرات طرأت تجاه مواقف الحكومة من الإعلام والحريات بوجه عام.
لكنه شكك في قدرتها على القيام بذلك في ظل مشكلات اقتصادية داخلية، تؤثر مباشرة على الحياة المعيشية للمواطنين، وقد تكون بحاجة لانشغال النظام بها على نحو أكثر.
وتشكل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة المصري أحد أبرز الهواجس لدى القائمين على القناة الجديدة، لإدراكهم أن عدم استمرار التمويل ستكون نتيجته المباشرة الوصول بسرعة كبيرة إلى مرحلة الإغلاق المبكر، خاصة أن القناة ستواجه صعوبات جمة على مستوى المنافسة الخارجية، وستكون بحاجة إلى وقت طويل لإثبات حضورها على الساحة الإخبارية العربية والعالمية.
وتسلط السياسة التحريرية للقناة الضوء على الأحداث العربية والعالمية ومنح مزيد من حرية الحركة الإعلامية لمناقشة ما يجري من أحداث حتى وإن كانت متقاطعة مع السياسة الخارجية المصرية، دون المساس بالمصالح المصرية المباشرة مع دول الإقليم، والمهم أن تبتعد عن إثارة القضايا المحلية والتعامل معها بطريقة رسمية، وترك تلك المهمة لفضائية "إكسترا نيوز" في ظل محاولات لتطوير أدائها بعد أن مُنيت بخسائر مادية خلال السنوات الماضية.
وتقول الشركة المتحدة إن القناة الجديدة تهدف إلى منافسة كبرى القنوات الإخبارية الإقليمية والعالمية، بعد تدشين مجموعة من المكاتب الخاصة بها في الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، إلى جانب عدد كبير من الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وتجهيز بعض الديكورات للخروج بحلقات مباشرة من شرم الشيخ أثناء انعقاد مؤتمر المناخ.