يظل حلم الاستقلال الطاقي متواصلاً في المغرب، وسط محاولات حثيثة لوضع اكتشافات الغاز في عدد من مناطق المملكة على خطوط الإنتاج، بقصد تأمين احتياجات البلاد.
وإلى يومنا هذا لا يزال المغرب يستورد نحو 90% من حاجياته الطاقية. فهل يمكن أن يتغير هذا الواقع قريباً بعدما أعلنت شركات أجنبية عن اكتشاف الغاز الطبيعي في مناطق معينة من المملكة؟
يعيش المغرب أزمة طاقة، فمن جهة تأثر من الوضع العالمي الذي رفع أسعار الغاز في العالم، ومن جهة أخرى تأثر من توقف نصيبه من إمدادات الغاز الجزائري الذي يعبر أراضيه باتجاه أوروبا.
وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بن علي، في إحدى المقابلات الصحافية، قالت إن "الجهود المغربية للبحث عن النفط والغاز تكللت بمنح رُخص لمجموعة من الشركات الأجنبية".
وقالت الوزيرة إن "السبب هو نتائج الدراسات والأبحاث الجيولوجية والجيوفيزيائية التي أظهرت وجود نتائج مشجّعة لوجود موارد محتملة من الغاز الطبيعي في عدد من المناطق في المغرب".
من يُنقب عن الغاز في المغرب؟
تعمل العديد من الشركات، أغلبها بريطانية كـ"ساوند إنرجي"، و"إس دي إكس إنرجي"، و"بريداتور أويل آند غاز"، و"شاريوت"، على التنقيب على الغاز في المغرب وتطوير عدد من الحقول.
وتسعى "ساوند إنرجي" إلى تسليم أول إنتاج من الغاز من حقل "تندرارة" شرقي المغرب نهاية 2023، فيما تُعدّ شركة "شاريوت" بدء إنتاج الغاز المكتشف في حقل "إنشوا 2" بالمنطقة البحرية ليكسوس قبالة العرائش (غرب) بحلول عام 2024.
وكشف مصدر مسؤول من المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول للحديث للصحافة، أنه "على مدى الـ22 عاماً الأخيرة حُفرت 67 بئراً، أسفرت 40 منها عن وجود كميات من الغاز الطبيعي".
في حديثه لـ"عربي بوست"، أكد المصدر أن "هذه الاكتشافات لها مردود اقتصادي"، لكن دون أن يوضح قيمتها أو كميتها في تصريحه.
وأضاف المتحدث أنه "توجد 11 شركة تقوم في هذه الفترة، وانطلاقاً من اتفاقيات مع مكتب الهيدروكاربورات، بأشغال المسح والتأويل للاهتزازات، لتثمين الإمكانيات الهيدروكاربوراتية للمناطق التي تشتغل فيها، وإذا ما أثبتت الدراسات التقييمية عن مؤشرات مشجعة فستحفر آباراً استكشافية".
ولفت المصدر ذاته إلى أن "المغرب وضع خطة لاستغلال اكتشافات الغاز لتغطية احتياجات إنتاج محطات الكهرباء وعدد من الصناعات في المرحلة الأولى".
أين وصلت اكتشافات المغرب للغاز؟
قبل أشهر من الآن، وفي عرضها الشامل أمام لجنة بالبرلمان، أبرزت المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أمينة بن خضرة، أن "اكتشافات الغاز الطبيعي بالمغرب تتمركز بمنطقتين للإنتاج؛ هما حوض الغرب، وحوض الصويرة (مسكالة)، إضافة إلى منطقة واحدة في صدد التطوير؛ وهي حوض تندرارة".
واعتبرت المسؤولة المغربية، أن حوض الغرب شهد نشاط استكشاف مكثفاً، مما أدى إلى اكتشاف واستغلال العديد من الآبار، في إطار شراكة بين المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بنسبة 25% وشركة "إس دي إكس إنرجي " (SDX ENERGY) بنسبة 75%.
وتحتوي هذه الاكتشافات بشكل عام على غاز جاف 99%، مما يسهل استغلالها، رغم حجمها المتواضع، نظراً لسهولة الوصول إليها عن طريق الحفر، وأيضاً بسبب وجود زبائن في نفس المنطقة.
كما أسفرت عمليات الحفر في حوض الصويرة (مسكالة)، عن "وجود الغاز الطبيعي المرفق بالمكثفات، بمعدل إنتاج سنوي يبلغ 30 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي".
وتُسوق هذه الكمية لتلبية الاحتياجات الطاقية لوحدات تجفيف وتكليس الفوسفات التابعة للمكتب الشريف للفوسفات (شركة حكومية).
ووفق المصدر نفسه، فقد تم "تحقيق اكتشافين للغاز على مستوى حقل تندرارة، مما مكن من الحصول على رخصة الاستغلال المسماة تندرارة ابتداء من أغسطس/آب 2018″، تضيف بن خضرة.
ماذا بعد الاستكشاف؟
يرى الخبير في مجال الطاقة مصطفى لبراق، أن "التشجيع الحكومي على التنقيب على الغاز الطبيعي، نهج جيد جداً؛ لأنه تبين أن الغاز الطبيعي مهم جداً، وقد مكن من مَنح 30 ترخيصاً إلى حدود الآن للتنقيب على الغاز والبترول".
وأفاد لبراق، في اتصاله بـ"عربي بوست"، أن "حقلي تندرارة الذي تستغله "ساوند إنرجي" و"إنشوا" بالعرائش الذي تستغله "شاريوت أويل أند غاز"، يتراوح معدلهما بين 50 إلى 60 مليار متر مكعب؛ وهو كافٍ لاحتياجات الصناعة الداخلية".
وأوضح الخبير أن "الصناعات المغربية لا تعتمد كثيراً على الغاز، ما عدا المحطات الحرارية التي تُولّد الكهرباء"، مضيفاً أنه "يمكن للمغرب إذا ما توصل إلى اكتشافات أخرى، من غير الحقلين المذكورين، أن يُصدّر الغاز إلى السوق الأوروبية، وأن يعوّض الغاز الروسي بنسبة متوسطة".
كما يملك المغرب "استراتيجية واضحة في مجال الطاقات المتجددة، والتي ستكون لها الكلمة في المستقبل، خصوصاً في مجال الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، إلى جانب القدرات الكبيرة التي تتوفر عليها المملكة لإنتاج الهيدروجين الأخضر"، يقترح المصدر ذاته، كبديل للاحتياجات المغربية من الطاقة.
تفاؤل لكن بحذر
يدعو بعض المراقبين في مجال الطاقة، إلى عدم التفاؤل بشأن استكشافات الغاز الطبيعي في المغرب، وتأمين المملكة بهذا المنتج الحيوي.
وقال شدد مصدر خبير في مجال الجيولوجيا، لم يكشف عن هويته لأنه مسؤول بإحدى الجامعات المغربية، على أن الوصول إلى مؤشرات عن إمكانية وجود غاز أو بترول في منطقة ما، "لا يعني أن الأمر إيجابي، بل لا بد من معرفة حجم الغاز والبترول الموجود"
ويتطلب الأمر "قياس حجم المخزون، وإلا فلا فائدة من المغامرة في استخراج غاز أو بترول بحجم ضعيف؛ خصوصاً أن البترول والغاز هما في الأصل صخور رسوبية تتكون من المادة العضوية، وهو ما قد يكتشف في مناطق معينة من المغرب"، يوضح الخبير الجيولوجي لـ"عربي بوست".
ما يعني أن "هذه الصخور الرسوبية، قد تكون مرت من تشوهات تكتونية، وتعرضت لدرجة حرارة تجاوزت 130 درجة مئوية، وبالتالي لا يمكن للمادة العضوية أن تتحول إلى بترول أو غاز طبيعي"، يخلص المصدر المتخصص في الجيولوجيا.
أكذوبة اكتشاف النفط
للمغرب تجارب سيئة مع الشركات الأجنبية المُنقبة على البترول والغاز في مناطق من البلاد. وهو ما يفسر حذر بعض المراقبين، حول ما تؤكده بيانات الشركات من اكتشافاتها لآبار الغاز الطبيعي الموجودة في باطن المملكة المغربية.
ويبقى درس أكذوبة بترول منطقة تالسينت شرقي المغرب، حاضراً في أذهانهم بشدة، إذ أعلن يوسف الطاهري، وزير الطاقة والمعادن في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، صيف عام 2000 توفر آبار تالسينت على احتياطي من النفط يقدر بـ1.5 مليار برميل.
على هذا الأساس، أعلن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، خلال السنوات الأولى لتقلده العرش، هذا الاكتشاف في خطاب ذكرى 20 أغسطس/آب، لكن سيتأكد بعد أسابيع فقط أن نفط تالسينت كان مجرد خدعة محبوكة من "مكايل كوستين"، رئيس شركة "لون سطار"، التي زفّت بشرى اكتشاف مخزون كبير من النفط، واتضح أن الشركة أرادت مضاعفة أسهمها في البورصة.
ضغط الفاتورة الطاقية
وتسجل الفاتورة الطاقية للمملكة أرقاماً قياسية مع نهاية السنة، إذ يرتقب أن تتجاوز 100 مليار درهم بسبب ارتفاع المحروقات عالمياً، الشيء الذي يكلف نصيباً مهماً من رصيد المغرب من العملة الصعبة.
لذلك يرتقب أن تتحمل خزينة الدولة مزيداً من الضغط باستمرار استيراد المحروقات، خصوصاً أن وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بن علي، نفسها قلّلت من "أهمية اكتشافات الغاز بالمغرب".
وأكدت المتحدثة في اجتماع لجنة برلمانية، أن "الاحتياطات المؤكدة للغاز الطبيعي المكتشف حالياً في المغرب لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب".
ويبلغ استهلاك المغرب من الغاز الطبيعي نحو مليار متر مكعب سنوياً، بينما يبلغ الإنتاج المحلي من الغاز حوالي 110 ملايين متر مكعب سنوياً فقط، وهو ما يجعل الغاز يلبي 11% فقط من إجمالي الاستهلاك المغربي من الغاز الطبيعي.
كما يتوقع أن تتضاعف احتياجات المملكة من الغاز الطبيعي إلى 3 مرات بحلول عام 2024 إذ ستصل إلى نحو 3 مليارات متر مكعب.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”