الاكتظاظ السكاني، وضيق الشوارع، ووجود الممرات الضيقة وانعدام البنية التحتية، تلك هي أبرز سمات الأحياء القديمة في عمان التي تحولت إلى أشبه ما يكون بـ"عشوائيات" متناثرة باتت خارج نطاق الزمن الحديث.
ويعدّ جبل النظيف الواقع شرق عمان أحد أبرز الأحياء الشعبية في العاصمة الأردنية عمّان، وقد سكنه الناس لمرور سيل الزرقاء فيه وبقوا بعد جفافه، وغالبية السكان الفلسطينيين لجأوا إليه عام 1948، أما جبل الجوفة الذي يقع في العاصمة الأردنية عمان جنوب المدرج الروماني، وهو من جبال عمان السبعة، فلا يعد أحسن حالاً من جبل النظيف.
يضم جبل الجوفة عدة أحياء وتجمعات عرفت منذ القدم منها حي الطفايلة، حي النجادوة، حارة السيراوية، حارة الدروز، كما يضم جبل الجوفة مخيماً صغيراً للاجئين الفلسطينيين أنشئ منذ العام 1948 وما زال موجوداً شاهداً على التهجير الفلسطيني.
ولدى مرورك من تلك المناطق فإنّك قد تلمح أمامك خليطاً غير متجانس من الناس، فيمكن أن تجد مواطنين من أبناء البلد، أو أردنيين من أصول فلسطينية، وملامح أخرى قد تصادفك أثناء مرورك لا تشبه أزقة وشوارع المنطقة ولا حتى ملامحها.
يمكنك أن تجد عمالة وافد بكثرة منتشرين بين أزقة وطرقات جبل الجوفة وجبل النظيف، عرباً كانوا أو عجماً، "عربي بوست" استطلعت تلك الأماكن وأثناء وجودها هناك واستوقفت شخصاً تبدو على ملامحه أنّه من شرق آسيا فسألناه من أين البلاد أنت ليجيب أنّه جاء من سريلانكا للعمل في الأردن.
وأكد المتحدث أنه اضطر للعيش في تلك المنطقة المرتفعة التي حتماً ستجد صعوبة ومشقة في الوصول إلى مكان سكنك، وهذا ما ينطبق على أحمد مانو ذي الـ42 عاماً الذي اضطرته ظروف بلاده وصعوبة المعيشة فيها إلى المجيء للأردن، ليتفاجأ بغلاء أسعار الشقق والعقارات، الأمر الذي اضطره للذهاب إلى مخيم الجوفة التابع لجبل الجوفة للسكن هو وزميله الذي يعمل معه في نفس المصنع، حيث لا يتعدى الإيجار في تلك المناطق لشقة تتكون من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ الـ60 ديناراً.
وعلى الرغم من أنّ إطلالة جبل الجوفة جميلة للغاية إلا أن قدم العقارات وضيق الطرقات ووعورتها حوّل المنطقة إلى أشبه بـ"العشوائيات" ومخيمات اللاجئين، حيث تتجاوز عمر بعض البنايات المئة عام وأخرى ما بين 60 إلى 80 عاماً.
أثناء تجول "عربي بوست" في منطقة جبل الجوفة سألنا عدداً من السكان والمارين عن مدى صلاحية تلك البنايات للسكن ليجيبك غالبيتهم إجابة المضطر: "مليحة شو مالها"، وآخر بالقول "الحمد لله كويسة"، فيما أجاب آخر: "أنا خالتي صارلها هون أكثر من 80 سنة وما صار على بيتها شيء".
"عربي بوست" تواصلت مع أمانة عمان الكبرى ووزارة الأشغال، المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، لكنّها لم تتلقّ إجابة من هذه الجهات الرسمية.
أسماء ومناطق مختلفة لعنوان واحد
جبل النظيف، جبل الجوفة، مخيم الجوفة، حي النجادوة، جبل المريخ، كلها أسماء لمناطق تتبع العاصمة الأردنية عمان، وهي أماكن لنمط وأسلوب واحد في معيشتها وطرقها ومساكنها، فلدى دخولك إليها حتماً ستشدك مشاهد البيوت المهدمة، التصدعات والقضبان الحديدية الخارجة من هياكل المنازل المتهالكة، والتي يعود بناؤها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
ويعتبر حي النجادوة أحد أهم الأحياء الموجودة في جبل الجوفة، وينتمي معظم سكانه لأفراد عائلة النجداوي القادمين من السلط في خمسينيات القرن الماضي، واختاروا هذه المنطقة نظراً لقربها من وسط العاصمة عمان، وسهولة الوصول إليها.
فعلى الرغم من قدم المنازل والمباني إلا أنّ إطلالة المنطقة بأكملها تبقى ساحرة لارتفاعها عن سطح البحر وإطلالتها الساحرة على وسط البلد وجبال عمان المحيطة، منها جبل القلعة وجبل القصور.
أم عبد الكريم التي كانت تجلس على قارعة إحدى الطرق سألها "عربي بوست" عن حالة المنطقة والسكن فيها لتجيب أن المنطقة مكتظة بالسكان ومن الصعوبة أن تجد شقة خالية للإيجار، بسبب إقبال العمالة الوافدة عليها، حيث تتراوح قيمة الإيجارات ما بين 60-120 ديناراً، بحسب مساحتها وحالتها وقربها من الخدمات.
وستلاحظ وأنت تمشي في المنطقة القريبة من مخيم الجوفة التي تتبع جبل الجوفة أنّ العمالة الوافدة هي المنتشرة في تلك المنطقة مع وجود مواطنين أردنيين من أصول فلسطينية يملأون الممرات والطرقات الضيقة، تجد عمالة عربية مصرية وأخرى سودانية، وأخرى غير عربية هندية وسريلانكية من حولك يصعدون إلى الجبل وآخرين يهبطون منه للوصول إلى منطقة وسط البلد (وسط العاصمة الأردنية القديمة).
كما أنّك قد تلمح سائحين أجانب في المكان ببشرة بيضاء مائلة إلى الحمرة وعيون زرقاء وأخرى خضراء توحي لك أنّهم حتماً في جولة سياحية تفقدية لآثار وتاريخة المنطقة، فالسائح الأوروبي أو الغربي كثيراً ما يتردد على مناطق عمان القديمة وتحديداً إلى جبال عمان السبعة وهي: جبال القصور، الجوفة، التاج، النزهة، النصر، النظيف، الأخضر.
جبل المريخ حكاية أخرى
جبل المريخ، هو أحد الأحياء الشعبية في منطقة عمان الشرقية، ويقع بالقرب من جبل النظيف، ويعود سبب التسمية نظراً إلى بعده عن مركز عمان "وسط البلد"، يمكنك أن تجد شقة بأقل من 60 ديناراً في أي بناية من بنايات المنطقة المتهالكة والتي في الكثير منها آيلة للسقوط.
لؤي أبو الرب شاب أردني أعزب من أصول فلسطينية أجبرته الظروف الصعبة بعد انتقاله للعيش من السعودية للأردن إلى انتقاء المناطق الأكثر شعبية ورخصاً في العاصمة الأردنية، فأشار له أحد أصدقائه إلى منطقة تدعى "جبل المريخ" مما استعدى لؤي الشاب إلى السخرية والضحك من مسمى المنطقة ظناً منه أنّ صديقه يمازحه، إلا أنّه تفاجأ أنّ الاسم هو أمر واقع وهو أحد أحياء العاصمة الشعبية.
ويضيف أبو الرب بالقول: "ما كنتش متخيل أن هناك مكاناً يدعى المريخ بالأردن، لكن الأمر طلع حقيقة"، مبدياً استغرابه بالقول: "مش شايف هذا الاسم يجب استخدامه كموضع لحي سكني، المتنفذون ما عندهم نظرة مستقبلية أو تفكير عميق لقرارات بناءة وصائبة".
وحول الحديث عن صلاحية ومدى سلامة البنايات والعقارات في المنطقة، يؤكدّ أبو الرب الذي اضطرته الظروف المادية الصعبة إلى الانتقال لتلك المنطقة لتكون مقراً ومستقراً له بالقول: "لو بدنا نحكي من منطق السلامة بدرجات عالية، طبعاً المنطقة اللي أنا ساكن فيها غير صالحة للسكن، لكن بحسب استطاعة البشر وقدراتهم المادية، والبعض منهم توارث مكان المعيشة أباً عن جد".
البناية التي يعيش فيها أبو الرب منذ عشر سنوات تتكون من ثلاثة طوابق ويصف أبو الرب حالتها بالقول: "أنا معروف عني قليل الاختلاط بمحيطي الاجتماعي ومعرفتي بسكان المنطقة ضعيفة، وساكن في شقة سقفها كل عام يسقط منه نسبة من الخرسانة، وسقف البيت متأثر برطوبة عالية وفيها آثار لترشيح رطوبة من حمام البيت في الطابق الأعلى، بسبب كثرة تسرب المياه المتجمعة في أرضية الحمام الذي يعلوه في الطابق العلوي، ومن كثرة تلك التسريبات تشربت الخرسانة المياه وأدى ذلك إلى تخلخلها".
ويضيف أبو الرب الذي يعيش بمفرده في الشقة المكونة من غرفتين في حديثه بالقول: "سقف البيت أصبح متآكلاً وسقطت منه عدة مرات طبقات من الخرسانة، لدرجة أنّها أدت لتكشف أسياخ التسليح الحديدية"، مؤكداً أنه مضطر للسكوت عن حالة البيت وعدم إعلام صاحب البيت عن حالته، حتى لا يطلب منه الرحيل لبيت آخر أو أن يقوم بإصلاح البيت ورفع قيمة الإيجار عليه.
مشيراً إلى أنّ غالبية البيوت والبنايات في منطقته تعاني من تصدعات في الجدران، وهناك بيوت مبنية فوق حفر امتصاصية قديمة "حفر للصرف الصحي"، وما زالت إلى اليوم كل فترة تهفت مما يضطر الساكنين لإعادة ردمها، وهذا ما ينطبق بحسب تأكيد أبو الرب على حالة العمارة السكنية التي انهارت في جبل اللوبيدة.
هذه الحالة الصعبة التي يعيشها سكان المنطقة اضطرت الكثير منهم إلى الرحيل عن المنطقة عبر تأجير البنايات أو بيعها لآخرين، حيث يؤكد أبو الرب أنّ المنطقة عاماً بعد عام يقل سكانها الأصليون ليحلّ محلهم سكان من العمالة الوافدة من العمالة الهندية أو الإفريقية، لكونها منطقة شعبية ورخيصة في ثمن الإيجارات، وهذا ما يبحث عنه طبقة العمال من الخارج الذين لا يلقون بالاً أو اعتباراً لحالة البيوت التي يستأجرونها.