انتشرت صور وفيديوهات قيل إنها تعود لروبوت آلي على هيئة كلب، استخدمه حزب الله في مراسم إحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين في بعلبك، لأغراض الحماية والتفتيش عن الأجسام المشبوهة.
وتداولت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات للروبوت، قائلةً إن هذا الآلي هو آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا التي يخترعها الحزب، مع ذكر قدرات الروبوت من حمل الصواريخ المضادة للدروع والإطلاق بدقة هائلة على الأهداف المحددة.
ما حقيقة الصور والفيديوهات المتداولة حول هذا الخبر؟ وما هي قدرات الروبوتات من هذا النوع؟
هذا الروبوت ليس للحزب
كانت أولى الصور التي جرى تداولها على أنها لـ"الروبوت الآلي المتطور" الذي صنعه حزب الله، وأنزله "إلى الميدان" للتفتيش على الأجسام المشبوهة، هي في الحقيقة صورة مزيّفة.
ببحثٍ بسيط عن مصدر الصورة، يتبين أن الروبوت الظاهر بها يعود بالحقيقة لشركة "Ghost Robotics" (غوست روبوتيكس) الأمريكية، المتخصصة بصناعة الروبوتات الآلية.
وتعود هذه اللقطة تحديداً إلى نموذج أوليّ لهذا الروبوت وُضِع للاختبار في قاعدة نيليس الجوية، في نيڤادا في الولايات المتحدة الأمريكية، بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول 2020، إلا أن الصورة يجري تداولها الآن بعد إضافة شعار حزب الله، في تعديلٍ واضح على الصورة الأصل.
وينتمي هذا الكلب الآلي إلى نموذج Vision 60 الذي أصدرته الشركة، وتعرِّف عنه في موقعها بأنه نموذج من المركبات الأرضية المسيّرة عن بعد (على غرار الطائرات المسيّرة)، متوسطة الحجم عالية التحمل، وقادرة على التكيف مع جميع الأحوال الجوية.
ووفقاً لموقع الشركة، يحاكي هذا الروبوت طريقة سير الثدييات في مختلف البيئات الحضرية والطبيعية، ويمكن له أن يصلح من عثراته، ويعود إلى الحركة حتى عندما يعمل في بيئة غير معروفة، أو يفشل في التعرّف على طريقه أو ينزلق أو يسقط.
يمكن استخدام هذا الروبوت لأغراض عسكرية، وأبرز المشترين لهذا النموذج وزارة الدفاع الأمريكية، وقد عرض الجيش الأمريكي فيديوهات وهو يختبر هذا النوع من الروبوتات رباعية الأرجل لأهداف مختلفة.
كما ظهر تطوير جديد على هذا الروبوت عند عرضه في المؤتمر السنوي لاتحاد جيش الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2021، فقد ظهر الكلب الآلي يحمل على ظهرة بندقية قنص عالية الدقة، ليصبح روبوتاً مسلّحاً يمكن له أن يطلق النار بدقّة من مسافة 1200 متر.
وتُعدّ شركة غوست روبوتيكس منافسة لشركة بوسطن ديناميكس، الشركة المصنعة الأكثر شهرة للروبوتات رباعية الأرجل، لكن لدى بوسطن ديناميكس سياسة صارمة ضد تسليح أجهزتها، بينما تفتخر شركة غوست روبوتيكس بزبائنها العسكريين واستخدامات الروبوت القتاليّة.
هذا الروبوت ليس لحزب الله أيضاً
تتداول بعض الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي صورةً لروبوت آخر مرافقةً للصورة الأولى، مع الزعم بأن الروبوتين من آخر الأعمال التكنولوجية التي اخترعها حزب الله، وأن أحد الروبوتين يستخدم للكشف عن الأجسام المشبوهة، بينما يعمل الآخر بمثابة روبوت مُسلح جاهز للتصويب على الأهداف بالصاروخ الذي يحمله على ظهره.
وعند البحث عن مصدر صورة الروبوت الملثّم، يتبيّن أن هذه الصورة مضللة وليست من صنع حزب الله، ولا تعود إلى مراسم الأربعينية الأخيرة في بعلبك، بل هي تعود في الحقيقة إلى معرض الأسلحة الدولي السنوي للجيش في روسيا، والذي أقيم في شهر أغسطس/آب الماضي في العاصمة الروسية موسكو.
وتناقلت وسائل الإعلام مقطع الفيديو الذي يظهر فيه الكلب الروسي الآلي الملثّم M-81، مع إطلاق لقب سلاح "روبوت النينجا" السري عليه، والتحذير من قدراته القاتلة، إذ إنّه مسلح بقاذفة آر بي جي على ظهره، ويمكن له التصويب وإطلاق النار وحمل الأسلحة وغيرها من المهام القتاليّة الخطرة.
لكن صحيفة The Insider الروسية -التي تعمل على مكافحة الأخبار الكاذبة- نشرت فيديو الروبوت الروسي الملثّم نفسه، قائلةً بأن روسيا تُقدّم روبوت منزل صيني، باعتباره سلاحاً تكنولوجياً عسكرياً من تطوير روسي:
ورغم أن الروبوت مُغطّى بزيّ أسود بشكلٍ شبه كامل، لكن أمكن مقارنته بروبوت Go1 الذي تصنعه الشركة الصينية Unitree Robotics، وتوفّره للبيع على موقعها بأسعار رخيصة بالنسبة لهذا النوع من الروبوتات رباعية الأرجل، بأسعار تتراوح بين 2700 دولار إلى 3500 دولار حسب الميزات.
وتروّج الشركة الصينية لهذا الروبوت باعتباره الإصدار معقول الثمن، الذي يمكن أن يشيع استخدامه مثل الهواتف الذكية والطائرات المسيّرة، وتُظهره في فيديوهات وهو يقوم بمهام منزلية وخارجية سهلة، مثل مرافقة صاحبه بالتنزّه وحمل زجاجة الماء وما شابه.
ووفقاً لتقرير صحيفة The Insider، فإن الروبوت أبعد ما يكون عن امتلاك القدرات القتاليّة، فهو عاجز عن التعامل مع التضاريس الوعرة والبيئات الطينية والمبللة، ويتوجب المشي معه "في الطقس المشمس" فقط، لعدم تمتعه بالحماية الكافية من الرطوبة والغبار، علماً أن الشركة الصينية تعمل على إنتاج نسخةٍ جديدة أفضل تحمّلاً ومقاومة.
وتشكّك الصحيفة بقدرة الروبوت هذا على حمل الآر بي جي مع قنبلته في وقتٍ واحد، كما أنّه غير محصّن من الاختراق واعتراض الإشارة، إذ أمكن للمتسللين اكتشاف ثغرة أمنية به قادرة على شلّ حركته ببساطة.
كما وجد كلب الشركة الصيني الآلي طريقه نحو الشهرة عند المحذّرين من أخطار عسكرة التكنولوجيا الحديثة، مع فيديو جرى تداوله بكثرة، ويظهر به الروبوت وهو يطلق برشاشه على أهدافٍ في مرمى ثلجي.
تعقّب موقع ڤايس أصل الفيديو ليجد أن الناشر الأساسي له هو ألكسندر أتامانوف، وأن الكلب الآلي يعود للشركة الصينية أيضاً، وقد وُضع فوقها سلاح روسي.
علماً أن أتامانوف هو نفسه المدير الفنّي لشركة إلكتروماشينا، التي استعرضت كلب النينجا في معرض الأسلحة الروسي.
لقيت القصة بتطوّراتها تفاعلاً واسعاً، ما حدا بأتامانوف بالدفاع عن كلبه الآلي في مقابلةٍ مع موقع ديفينس هير التركي المختص بالشؤون العسكرية، قائلاً بأن الكلب الآلي M-81 الذي عُرض في موسكو هو مجرد نموذج تجريبي، وأنه "مزيج من التقنيات: تقنيات من الصين والولايات المتحدة وروسيا"، مؤكداً أنهم سيصنعون مثله في روسيا في حال عرفوا أن الجيش بحاجة إليه.
فيما أصدرت الشركة الصينية المُصنّعة للروبوت بياناً تقول فيه إنها تلتزم بتصنيع مُنتجاتها للغايات المدنيّة فقط، وتسعى لأن تساعد الناس وتجعل العالم مكاناً أفضل، مُشيرةً إلى أن البعض صار يستخدم منتجاتها بطرق قد تكون مضرّة للآخرين.
إذاً، تعود الصورة الأولى لروبوت من صنع شركة أمريكية، وتعود الصورة الثانية لروبوت هجين من صنع شركة صينية ويحمل قاذفة روسية على ظهره، فما خلفية خبر روبوت حزب الله إذاً؟
الروبوت الغامض
تناقلت وسائل الإعلام فيديو يظهر به روبوت رباعي الأرجل مُغطى، وعلى ظهره صندوق غامض، يمشي جيئةً وذهاباً أمام الكراسي المصطفّة في إحياء ذكرى الأربعينية في بعلبك.
لم تتمكن "عربي بوست" من التحقق من التفاصيل المحيطة بهذا الروبوت، لا سيما مع انتشار مقطع فيديو قصير من زاوية محددة، وتغطية الروبوت بطريقةٍ لا تدع مجالاً للتعرّف على الجهة المصنعة بدقة، أو الأغراض التي وضع لأجلها هذا الروبوت في المراسم.
إلا أن ناشطين مهتمين وصحفيين قد شاركوا الفيديو، مع التكهن بأن حزب الله قد أعاد السيناريو الروسي، عبر استعارة الكلب الآلي الصيني Go1، وتغطيته بثياب عسكرية أو مموهة، وتوظيفه لغايات أخرى.
ومع أن العديد من الحسابات والمواقع الموالية لحزب الله قد نشرت الفيديو، قائلةً إن هذا الكلب الآلي من صناعة حزب الله وآخر تطويراته التكنولوجية العسكرية، إلا أنه لا يوجد حتى الآن أيّ تصريح رسمي من الحزب بأن هذا الروبوت من صنعه فعلاً أو أغراض استخدامه.