لا تزال الاستقالة المفاجئة للواء أحمد زكي عابدين، رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، تثير كثيراً من التكهنات والاستنتاجات في ظل غياب المعلومات الرسمية حول الأسباب الحقيقية للاستقالة وتوقيتها، مع عدم اقتناع قطاع كبير من المصريين بما أعلنه الرجل نفسه وقت إعلان الاستقالة يوم الإثنين 23 أغسطس/آب، وأنه استقال بداعي "الظروف الصحية والرغبة في الحصول على الراحة".
نصيحة خليجية بإسناد الرئاسة إلى مدني
مصدر في مجلس الوزراء المصري كشف في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، السبب الحقيقي لاستقالة اللواء عابدين. قال المصدر إن هناك سببين رئيسيين لتغيير قيادة الشركة، أولهما طلب من دول خليجية عبر مسؤولين عن الصناديق الاستثمارية فيها، بتعيين رجل مدني على رأس شركة العاصمة الإدارية مع اقتراب طرح أسهمها في بورصة الأوراق المالية، حتى تكون الأمور أكثر سهولة على الصناديق الاستثمارية الخليجية في شراء حصص كبيرة من الأسهم المطروحة والتي يتوقع أن تصل إلى 49% من ملكية شركة العاصمة الإدارية.
رئيس شركة العاصمة الإدارية تعمد التأخير
السبب الثاني بحسب المصدر هو استياء الرئيس عبد الفتاح السيسي من تباطؤ الشركة ورئيسها اللواء عابدين في تجهيز عملية طرح أسهمها في البورصة، خصوصاً بعدما وصلت إلى الرئيس تقارير سرية تفيد بأن هذا التباطؤ كان متعمداً من اللواء المهندس السابق، الذي كان يفضل التأني في طرح الأسهم بالبورصة حتى صيف العام المقبل 2023، متوقعاً أن ترتفع القيمة السوقية للشركة وأصولها ومن ثم أسهمها المطروحة بعد بدء تشغيلها ونقل عدد من الوزارات والهيئات الحكومية لها، خصوصاً بعد أن دخلت العاصمة في مرحلة ركود منذ تفشي فيروس كورونا، حيث تراجعت مبيعات الوحدات السكنية بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وانحسر حجم الطلب على الشقق فيها عند 10%، والفيلات عند 16%، وفقاً لتقارير صحفية.
على الجانب المقابل كانت رغبة الرئيس ونصيحة المستشارين الاقتصاديين له بضرورة تسريع عملية الطرح؛ حتى تساعد في توفير السيولة اللازمة والملحة من العملات الأجنبية للدولة، للمساعدة في تدبير المبالغ المستحق دفعها لسداد جزء من التزامات الديون الخارجية عليها خلال الشهور التسعة المقبلة بداية من يوليو/تموز 2022 حتى مارس/آذار 2023، والتي تصل بحسب إحصائية للبنك الدولي إلى 31 مليار دولار، بخلاف 16 مليار دولار كانت مستحقة الدفع حتى يونيو/حزيران 2022.
وكان الرئيس المصري قد كشف في تصريحات متلفزة خلال افتتاحه عدداً من المشروعات السكنية بمدينة بدر شمال القاهرة في أغسطس/آب من العام 2021، عن مخطط لطرح شركة العاصمة الإدارية في البورصة في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أن قيمة السيولة بصندوق العاصمة الجديدة بلغت نحو 100 مليار جنيه حتى الآن، وأن قيمة الشركة الجديدة ستتخطى حاجز الـ4 تريليونات جنيه عقب طرح أسهمها في البورصة بعامين فقط، على حد قوله.
وأضاف المصدر أن هناك نصائح قوية تلقتها السلطات المصرية من خبراء اقتصاديين في الداخل والخارج بضرورة تسريع إدراج شركة العاصمة الإدارية في البورصة باعتبارها "الديك السمين"، على حد تعبير الخبراء، الذي يستطيع توفير مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية للحكومة بما يمكنها من سداد التزاماتها المقررة في الشهور المقبلة، مع وجود فائض جيد يمكن استثماره في البدء بالمرحلة الثانية من العاصمة الادارية كما كان مقرراً من قبل.
تباطؤ عابدين في تجهيز الشركة لطرح أسهمها بالبورصة
في سياق متصل أكد باحث اقتصادي بمركز حكومي للدراسات لـ"عربي بوست"، أنه لم تكن هناك نية حتى أسابيع قليلة لدفع اللواء أحمد زكي عابدين إلى الاستقالة رغم وجود تقارير تؤكد تعمّده المماطلة في تجهيز شركة العاصمة الإدارية للطرح في البورصة، لكن ما سرّع اتخاذ القرار حسب علمه هو الصدمة التي تلقتها الحكومة المصرية عقب تلقيها تقييمات دولية لقيمة الأصول والشركات العامة التي تنوي مصر طرحها للبيع على الدول الخليجية الصديقة خلال الفترة المقبلة
وهي تقييمات أفادت بأن قيمتها لن تتجاوز 5 مليارات دولار، رغم أن الحكومة قدرت في خطتها التي أعلن عنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في وقت سابق من العام الحالي، تلك الأصول التي ستباع في المرحلة الأولى من 4 مراحل بنحو 9.1 مليار دولار، وهو مبلغ يقل كثيراً عما تحتاجه الدولة لتدبير سداد الالتزامات المقررة عليها في الشهور القليلة المقبلة.
وطرحت الحكومة المصرية في شهر مايو/أيار مسودة ما سمتها "وثيقة ملكية الدولة" التي تعلن من خلالها التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وتوسعة دور القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي، وبموجب الوثيقة تستهدف الحكومة التنازل عن أكثر من 65% من أصول الدولة إلى القطاع الخاص.
وكشف الباحث أن التقييم البخس لقيمة الأصول المصرية المقرر طرحها للبيع جاء بسبب الموقف التفاوضي الضعيف للحكومة المصرية في مواجهة المشترين المحتملين، الذين يدركون جيداً الموقف المتأزم الذي تواجهه مصر في الفترة الحالية واحتياجها المُلح لبيع الأصول اليوم قبل الغد، وهو ما يجعلها تقبل بأسعار أقل من تقديراتها لقيمة تلك الأصول.
توقعات بطرح 49% من أسهم "العاصمة الإدارية" للاكتتاب قبل نهاية العام
من جهته قال خبير في البورصة المصرية، في اتصال مع "عربي بوست"، إن سوق الأوراق المالية بمصر لا تملك حتى اللحظة تفاصيل عن إمكانية أو حجم أو موعد طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية للاكتتاب العام، لكنه لم يستبعد حدوث ذلك في وقت قريب، قد يكون مع نهاية العام الحالي أو في بداية العام المقبل 2023 على أبعد تقدير، في ظل الحاجة الشديدة إلى طرح شركات من نوعية الحجم الكبير؛ لجذب مستثمرين أجانب جدد إلى السوق عند تحويل قيمتها بالدولار الأمريكي، وأن ذلك الطرح سيُنعش السوق ومن ثم ينعكس بشكل ايجابي على الاقتصاد.
وحول نسبة الأسهم المحتمل طرحها للاكتتاب في البورصة، أكد الخبير عدم وجود بيانات واضحة حول ذلك الأمر، لكنه أوضح أنه وفقاً للقانون المصري فإن الحد الأقصى لقيمة الطرح يجب أن لا تتجاوز 49%، حيث ينص القانون على وجوب احتفاظ المساهم الرئيسي بنسبة 51% من ملكية الشركة لمدة عامين، مشيراً إلى أن بيت الخبرة المالية الذي سيتولى تقييم الشركة وترويج عملية الاكتتاب يمكن أن يكون له دور استشاري في تحديد حجم الطرح.
وأضاف قائلاً إن المؤشرات الاقتصادية تشير الى نية الدولة طرح النسبة الكاملة التي يسمح بها القانون المصري وهي 49%، في ظل الحاجة الضرورية لتوفير سيولة من العملات الأجنبية للمساعدة في سداد الالتزامات المالية المقررة على مصر تجاه الدائنين، فضلاً عن أن طرح نسبة أقل من 20% يزيد من احتمالية انصراف المستثمرين الكبار عن المشاركة في الاكتتاب وهو ما لا تريده الحكومة المصرية بالتأكيد.
جدير بالذكر أن شركة العاصمة الإدارية الجديدة ملكية مشتركة بين هيئة المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان المصرية بنسبة 49% وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة بنسبة 51%، وتأسست الشركة عام 2015 لإدارة عمليات بناء وتطوير العاصمة الإدارية التي تم تحديد موقعها على الطريق بين محافظتي القاهرة (تبعد عنها 45 كم تقريباً)، والسويس (على بعد 60 كم تقريباً) على مساحة 168 ألف فدان، وتخطت استثمارات المرحلة الأولى من شركة العاصمة الإدارية الجديدة، نحو 300 مليار جنيه.
وكان موقع مدى مصر قد ذكر نقلاً عن مصدر مطلع في وزارة الإسكان المصرية، أن سبب استقالة اللواء عابدين أنه واثنين من مساعديه كانوا يحثون أصحاب رؤوس الأموال على تسريع أعمال الحفر والتعلية والإنشاء، دون انتظار صدور التراخيص الرسمية الكاملة، والتي تشتمل على المواصفات الدقيقة للتصميم، ومراعاة شروط البناء ومساحات المحلات وبروز العمائر، وأن إلحاح عابدين على تسريع وتيرة إنشاء المشروعات أدى إلى أخطاء جسيمة بها.
ونقل الموقع عن المصدر أن استقالة عابدين سبقتها لقاءات خلال الأسابيع الماضية، بين عدد من المطورين العقاريين في العاصمة وممثلين عن أحد الأجهزة السيادية، اشتكى خلالها المطورون من قرارات عابدين، وقدموا مستندات تفصيلية تثبت تسببه في خسارتهم ملايين الجنيهات بسبب تضارب قراراته مع اشتراطات وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية بها، لافتاً إلى أن الشكوى من قرارات عابدين وسياساته بدأت مع بداية العام الجاري وزادت بشكل ملحوظ مؤخراً.
قائلا إن ما نشر في الكثير من المواقع المصرية والعربية عن إن الاستقالة وراءها مجموعة من القرارات الخاطئة التي اكتشفتها وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية، بخصوص مشروعات شملت أحياء كاملة، ومولات تجارية ضخمة، نتيجة "استعجال اللواء عابدين غير المبرر في الانتهاء من المشروعات، مدللا على كلامه بالبيان الصحفي الموحد الذي تم توزيعه على الصحف الحكومية وكذلك المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الاعلامية، ونشرته كلها عن انجازات اللواء عابدين طوال فترة رئاسته لشركة العاصمة الإدارية التي دامت حوالي 5 سنوات.