كشفت وزيرة الدولة الكويتية لشؤون البلدية ووزيرة الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، رنا الفارس، عن خطة جديدة لتوطين الوظائف من خلال الاستغناء عن العمالة الوافدة من خارج البلاد.
وزيرة الدولة الكويتية رنا الفارس أشارت إلى أن هذا القرار سيبدأ تطبيقه في الأول من سبتمبر/أيلول 2022، حتى أول يوليو/حزيران 2023، دون تحديد القطاعات التي سيشملها هذا القرار.
وأثار القرار جدلاً كبيراً بين المغتربين، كما تناقلت جهات إعلامية أخباراً متضاربة بشأن ما سيحصل مع مئات الآلاف من الوافدين في الكويت، ولا سيما المصريين الذي يمثلون نسبة كبيرة منهم؛ ما دفع الحكومة المصرية للتعليق ونفي بعض الأخبار المتداولة.
نتتبع هنا أجوبة لبعض الأسئلة العريضة: ما حقيقة الأخبار القائلة بأن 771 ألف مصري سيترحّل من الكويت بموجب القرار الحكومي؟ وكيف سيجري تنفيذ الخطة الجديدة المعلن عنها؟ وما هي الفئات المستهدفة من العمال الأجانب؟
مصر تطمئن مواطنيها وأخبار متضاربة
أحدث القرار الكويتي جدلاً في مصر، فقد تحدثت وسائل إعلام مصرية عن تبعات القرار على العمالة المصرية في البلد الخليجي؛ إذ قالت إن الخطة قد تهدد بعودة 771 ألف مصري لوطنهم.
هذه الأنباء دفعت وزير القوى العاملة المصرية حسن شحاتة، للخروج ببيان، نفى فيه أن يكون القرار الكويتي يهدف لإنهاء خدمة العمال المصريين بالكويت.
وقال الوزير المصري إن ما يتردد حول ترحيل عدد من العمالة المصرية "لا يمت للواقع بصلة"، وأن هذا القرار سيؤثر على العاملين الوافدين للعمل بوزارة الدولة للشؤون البلدية وما يتبعها من إدارات فقط لا غير.
وأوضح المسؤول المصري أن البيانات الرسمية تفيد بأن عدد العاملين المصريين بالقطاع الحكومي في دولة الكويت لا يتخطى 31 ألف عامل مصري، فيما يتواجد ألف مصري منهم في وزارة الدولة لشؤون البلدية وإداراتها، مؤكداً أن من سيتأثر هم فقط الذين يعملون بالوظائف الإدارية المستهدفة بالقرار وليس جميع العاملين المصريين.
وأوضح البيان أن ما نشر في بعض وسائل الإعلام حول حجم العمالة المصرية في الكويت غير صحيح، قائلا إن عدد العمالة المصرية بالكويت يبلغ 456 ألفاً و515 عاملاً، ولن يتأثروا بهذا القرار.
خطة التكويت.. لماذا ولمن هي موجهة فعلاً؟
تستقبل الكويت عدداً كبيراً من العمال المتعاقدين في الخارج وتمتلك واحدةً من أعلى نسب السكان الأجانب في العالم؛ إذ إن 70% من سكانها هم من المغتربين من المنطقة العربية وجنوب وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.
يتألف أكبر مجتمع مغترب في الكويت من الهنود، ويأتي بعدهم المواطنون المصريون الذين يشكلون ثاني أكبر جالية في الكويت وأكبر جالية عربية من غير الكويتيين، وفقاً لبيانات منظمة الهجرة الدولية.
كما يشغل غير الكويتيين النسبة الأكبر من العمالة في الكويت، بنسبة 76.9% من العمال غير الكويتيين مقابل 23.1% للكويتيين وفقاً لآخر الإحصائيات المنشورة من الإدارة المركزية للإحصاء في مارس/آذار 2022.
وذهبت النسبة الأكبر للعمال المصريين، فقد بلغ عددهم في الكويت قرابة 450 ألف عامل، مشكلين نسبة 23.9% من العاملين بجنسياتهم المختلفة.
ويأتي بعدهم بهامش ضئيل العمال الهنود (23.1%) بفارق قرابة 14 ألف عامل، ومن ثم العاملون الكويتيون أيضاً بنسبة 23.1% (بفارق 324 عاملاً فقط).
تتوزع جنسيات العاملين التالية على العاملين البنغلادشيين والباكستانيين، ثم السوريين بنسبة 3.4% (63 ألف عامل)، ومن ثم العاملون من الفلبين ونيبال، ثم العاملون الأردنيون بنسبة 1.4% (قرابة 26 ألف عامل)، وبعدها اللبنانيون بنسبة 1% (قرابة 126 ألف)، علماً أن هذه الأرقام لا تشمل وظائف القطاع العائلي (الخدم ومن في حكمهم على حدّ تعبير إدارة الإحصاء).
ضمن مساعي الحكومة الكويتية نحو إعطاء المزيد من الوظائف للكويتيين بدلاً عن الأجانب، صدر في العقدين الأخيرين قرارات متعددة لتحقيق ذلك.
استهدفت هذه القرارات وظائف القطاع الحكومي تحديداً، لأن نصّ المادة 26 من الدستور الكويتي ينصّ على ضرورة قصر تولي الوظائف العامة على المواطنين الكويتيين، أما تولي الأجانب لهذه الوظائف فيجب ألا يحصل إلا في الأحوال التي يبيّنها القانون.
وجاء إعلان خطة الوزيرة رنا الفارس الأخيرة، ليكون خطوة ضمن خطوات عديدة من المراحل الأخيرة لتكويت القطاع الحكومي بعد خمس سنين من العمل على إشغال المزيد من الوظائف الحكومية للكويتيين.
لكن الخطة التي أعلنت عنها تستهدف تكويت الوظائف بقطاع البلدية تحديداً، وليس في جميع القطاعات، وستنفذ الخطة على ثلاثة مراحل بدءاً من الشهر المقبل، كل مرحلة منها تُنهى بها خدمات 33% من غير الكويتيين ضمن هذا القسم من الوظائف، على أن ينتهي تنفيذ الخطة في أول تموز/يوليو من العام 2023، ما يعني ضمنياً أن الأخبار المتداولة عن ترحيل 771 ألف مصري وخلاف ذلك ليست دقيقة.
ووفقاً لإحصائيات العاملين الصادرة عن الإدارة المركزية الكويتية للإحصاء في 31 مارس/آذار 2022، يعمل في بلدية الكويت قرابة 8 آلاف شخص، 7.5 آلاف منهم تقريباً من الكويتيين، مع 608 من غير الكويتيين.
إلا أنّ هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة من الخطوات، وعملية التكويت جارية بالفعل وتستهدف الوصول إلى نسب 100% في بعض قطاعات الوظائف الحكومية، ونسب أخرى تتراوح بين 85% إلى 98% في قطاعات أخرى بحلول سبتمبر/أيلول 2022.
علماً أن هناك قرابة 90 ألف من العمالة الوافدة في القطاع الحكومي لآخر إحصاءات سوق العمل الصادرة من الإدارة المركزية الكويتية للإحصاء، ومليون و360 ألف عامل غير كويتي في القطاع الخاص، وفقاً للخطة ستستهدف قرارات التكويت نسباً معينة من الـ90 ألفاً من الموظفيين الحكوميين سنستعرضها تباعاً.
مساعي التكويت في آخر 15 سنة
جاءت الخطوة الأخيرة من الكويت نحو تخصيص الوظائف للكويتيين مع إصدار ديوان الخدمة المدنية القرار رقم (11) لسنة 2017، واقتضى القرار بإلزام الجهات الحكومية بتخفيض عدد الموظفين غير الكويتيين العاملين لديها بشكل سنوي.
ووُضع هدف زمني لإتمام تنفيذ القرار، بأن يصل عدد الموظفين الكويتيين العاملين لدى الجهات الحكومية خلال خمس سنوات إلى النسب المئوية المحددة قرين كل مجموعة من المجموعات الوظيفية المصنفة أو ما يقابلها من مسميات وظيفية للجهات الحكومية.
ووفقاً للنائب السابق في مجلس الأمة الكويتي، فإن قرار تكويت الوظائف الحكومية ليس الأول من نوعه، فقد صدر قرار مشابه عام 2007، نصّ القرار حينها على إلزام الجهات الحكومية بتخفيض عدد غير الكويتيين العاملين لديها بنسبة 15% سنوياً.
وقد حقق قرار 2007 أهدافه حسب كلام نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح؛ إذ إن نسبة إحلال الموظفين الكويتين في الجهات الحكومية بلغت %90 خلال عام 2017.
ما خطة قرار 2017؟
تمثل الهدف بالقرار الأخير بـ"تكويت" الوظائف الحكومية بشكل كامل (100%) في أقسام نظم وتقنية المعلومات، والتطوير والمتابعة والإدارية والإحصاء، ووظائف الدعم الإداري، والآداب والإعلام والفنون والعلاقات العامة، والوظائف البحرية، ونظم وتقنية المعلومات.
و98% في مجموعة الأدلة الجنائية والوقاية والإنقاذ، و97% في الوظائف الهندسية، ووظائف الخدمات الاجتماعية والتربوية والرياضية، و95% في الوظائف المالية والاقتصادية والتجارية، ووظائف العلوم.
و85% في وظائف الخدمات، و80% في الوظائف الحرفية، و75% في وظائف الثروة الحيوانية والزراعية والأحياء المائية، و70% لوظائف التدريس والتعليم والتدريب.
في عام صدور القرار، كانت العمالة الأجنبية تشغل 81.6% من إجمالي قوة العمل بالكويت (البالغة 1.96 مليون عامل آنذاك)، أي أن نسبة العمالة غير الكويتية وصلت إلى 1.6 مليون عامل والباقي للمواطنين الكويتيين.
هل وصلت خطة التكويت إلى أهدافها؟
وفقاً لآخر إحصاءات سوق العمل الصادرة في نهاية شهر مارس/آذار 2022 عن الإدارة المركزية الكويتية للإحصاء، وصل عدد الكويتيين العاملين في الجهات الحكومية إلى أكثر من 362 ألفاً، مقابل قرابة 90 ألفاً للعمالة الوافدة في القطاع الحكومي أيضاً، وتُظهر هذه الأرقام رجحان نسبة الموظفين الحكوميين الكويتيين على غير الكويتيين.
بينما بقيت نسبة العمالة الوافدة أكبر في القطاع الخاص، فقد وصلت إلى مليون و360 ألف، مقابل قرابة 73 ألف للعاملين الكويتيين.
وقد ارتفعت نسبة العمالة الكويتية في القطاع الحكومي بمعدل نمو سنوي 6.9% من بين نهايتي الربع الأول لعام 2021 والربع الأول لعام 2022، وبالتالي فإن النسبة الأكبر من العمالة الكويتية صارت في القطاع الحكومي بنسبة 83.3%، بمقابل 16.7% فقط ضمن القطاع الخاص.
ووفقاً لمتابعة جريدة القبس الكويتية لنسب العاملين الكويتيين وغير الكويتيين في القطاعات الحكومية، فقد استطاعت بعض المجموعات التوظيفية الوصول للنسب المقررة لها، وحتى إن بعض المجموعات تجاوزت نسب التكويت المستهدفة من أول 2021، فيما تزال جهات أخرى تسعى للوصول لنسبة التكويت المقررة مع اقتراب انتهاء مدة الخمس سنين.
تظهر ارتفاع نسب العمالة الكويتية في أغلب الوزارات، باستثناء وزارة الصحة والتربية، وتحيل جريدة القبس ذلك لأن قرار التكويت لم يشمل الوظائف الطبية والصحية وبعض التخصصات للمعلمين، لندرة الكوادر الوطنية في هذه الوظائف.
وتنقل الجريدة عن مصادرها، أن تخفيضاً جديداً متوقع حصوله في نسب الموظفين غير الكويتيين في الجهات الحكومية، وذلك للإجراءات المتخذة في ملف التكويت، وسيتحقق ذلك بتطبيق قرارات مجلس الخدمة المدنية عبر الطلب من الجهات إنهاء خدمات الموظفين غير الكويتيين، بالإضافة لعدم قبول أيّ طلبات تعيين جديدة للموظفين غير الكويتيين في أيّ وظائف يتوفر بها كوادر وطنية.
وتوضّح مصادر الجريدة أن أغلب نسب الموظفين غير الكويتيين الموجودة حالياً في الوزارت تعود إلى قسم وظائف الخدمات، لأن هذا النوع من الوظائف غير جاذب للكوادر الوطنية، ولأن نسب التكويت المطلوبة فيها الأقل مقارنة بغيرها (مطلوب تحقيق نسبة 85% تكويت في هذه الوظائف بسبب طبيعة المهام المدرجة تحت هذه المجموعة).
يُذكر أن معدل الأجر الشهري للكويتيين يبلغ 1504 دينار كويتي (قرابة 4887 دولار)، مقابل 342 دينار كويتي (1111 دولار تقريباً) للموظف غير الكويتي، وذلك باستثناء العمالة المنزلية من الوافدين التي تنخفض معدلات الأجور لديها، وبغضّ النظر عن مخصصات دعم العمالة للكويتيين في القطاع الخاص.
سعي نحو تكويت القطاع الخاص أيضاً وتقنين الوافدين
رغم أن الخطة التي تتداولها وسائل الإعلام حالياً معنيّة بتكويت القطاع الحكومي، إلا أن هناك توجهات نحو رفع نسب التكويت في القطاع الخاص كذلك.
وكانت وزيرة الشؤون الاقتصادية مريم العقيل قد صرّحت في يونيو/حزيران 2020، بأن الحكومة تتجه إلى تغيير سياستها نحو تكويت الوظائف في القطاع الخاص أيضاً.
وجرى رفع الغرامة المالية المفروضة على شركات القطاع الخاص غير الملتزمة بالنسب المقررة للعمالة الوطنية في فبراير/شباط 2020، من 100 دينار إلى 300 دينار، وذلك بهدف المحافظة على دعم العمالة الوطنية ضمن القطاع الخاص.
وتظهر ملامح التوجه الحكومي العام نحو تقنين عدد الوافدين للتحكم بالتركيبة السكانية بالمجمل، وقد أعلن مجلس الأمة الكويتي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عن موافقته على مشروع قانونٍ جديد مخصص لتنظيم التركيبة السكانية.
وللقانون علاقة وثيقة بالقطاع الخاص وفقاً لغرفة التجارة والصناعة الكويتية؛ لأن التحكم بالتركيبة السكانية معنيّ بالدرجة الأولى بتوطين العمالة في القطاع الخاص واستقبال العمالة الوافدة.
وكان رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، قد صرّح سابقاً بأن بلاده تعاني من خلل في التركيبة السكانية، وأن الحكومة تعتزم خفض العمالة الوافدة على مراحل بأكثر من النصف، كما اقترح النائب بدر الملا في السابق أن يوضع لكل جنسية من الوافدين عدد محدد غير مسموح بتجاوزه، مقترحاً أن تُقلّص الجالية الهندية إلى 15%، والمصرية إلى 10% مقارنة بعدد الكويتيين.