للسنة الثالثة على التوالي في المغرب، تغيب الاستعدادات المكثفة عشية "حفل الولاء"، الذي يقام بمناسبة ذكرى اعتلاء العاهل المغربي، الملك محمد السادس، عرش أسلافه في 30 يوليو/تموز الجاري.
وحال الوضع الوبائي دون إقامة كل مظاهر الاحتفال بعيد العرش؛ ومنها أساساً حفل الولاء، الذي ينال مكانة رمزية مهمة في المملكة، إذ أُقيم للمرة الأولى في الثلاثينيات من القرن الماضي في عهد السلطان محمد الخامس؛ للتعبير عن تشبث الشعب المغربي بالعرش العلوي في ظل الاستعمارين الفرنسي والإسباني.
لكن هذا لم يمنع نشطاء مغاربة من إطلاق هاشتاغ "الشعب يبايع ملكه" على منصات التواصل الاجتماعي في المملكة، عقب صدور بيان القصر الملكي الذي يعلن فيه تأجيل تاريخ حفل البيعة هذه السنة بمناسبة عيد العرش، إذ لقي استحساناً واسعاً تعبيراً منهم عن تجديد البيعة للملك، واحتفالاً مسبقاً بعيد العرش على طريقتهم الخاصة.
وقد ترسخ عيد العرش كواحد من الأعياد الوطنية ضمن الفترة الزمنية السياسية للدولة العصرية بالمغرب، وإن كان لم يمنع من احتدام السجال بين مكونات النخب السياسية المغربية حول طبيعة طقوسه؛ إذ يدافع عنها البعض باعتبارها بروتوكولاً يحتفظ بتقاليد البلاد، فيما يعتبرها آخرون أنها مغرقة في الماضي المخزني.
بيعة وإظهار للسيطرة
عادة ما يكون حفل الولاء تتويجاً لاحتفالات عيد العرش في المغرب، إذ يرتدي الملك، بصفته أميراً للمؤمنين عند المغاربة، اللباس المغربي التقليدي، ويمتطي صهوة حصان عربي أصيل أسود، ويلتفّ حوله العاملون في القصر.
في المقابل ينحني المسؤولون أمام الملك خمس مرات، مرددين عبارات تمجده. وتقام هذه الطقوس في باحة ساحة المشور بأحد القصور الملكية، في حين يستمر الحفل ما يقارب 20 دقيقة.
وأفاد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد شقير، بأن "حفل الولاء يعتبر تجديداً لنظام البيعة الذي يقوم عليه نظام الحكم الملكي بالمغرب منذ أكثر من أربعة قرون".
لذلك يعد "استقدام وزير الداخلية محاطاً بممثلي السلطة المحلية لمختلف أقاليم المملكة، لتقديم فروض الطاعة والولاء؛ نوعاً من إظهار سيطرة السلطان على مجموع تراب المملكة"، يضيف شقير في تصريحه لـ"عربي بوست".
استمرارية حكم سلطاني
وأشار المصدر نفسه، إلى أنه "رغم مطالب بعض الأوساط الحقوقية والسياسية بضرورة إلغاء حفل الولاء، لما في طقوسه من تأثير على السمعة السياسية للمغرب على الصعيد الإقليمي والدولي، فقد بقيت هذه المظاهر متواصلة، بل انخرط فيها حتى أطر أحزاب كانت تنتقدها عندما شاركت في الحكومة كحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عندما ترأس الحكومة في شخص اليوسفي، أو حزب العدالة والتنمية في شخص رئيس الحكومة بن كيران".
ما يعني، وفق صاحب كتاب "تطور الدولة في المغرب"، أن "استمرارية هذه الطقوس، بالإضافة إلى تقبيل يد الملك، ترتبط بعدم تغير في جوهر الحكم السلطاني الذي يقوم على السلطة الوراثية والمحلية للملك، والتي لم يقيدها الدستور، لا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أو في عهد الملك الحالي محمد السادس".
تشبث بنظام تقليداني
ليس بعيداً عن هذا الرأي، يعتقد الفاعل الحقوقي، خالد البكاري، أن "تلك البروتوكولات المرافقة لحفل الولاء تعبر عن تشبّث الملكية المغربية بتقليدانيتها، وبأن الوجه السلطاني هو المعتمد في بناء الشرعية، وليس أي ادعاءات تحديثية".
لهذا "فتلك البروتوكولات هي موروثة من الفقه والآداب السلطانية، والتي إن كانت في الماضي تعبيراً عن ولاء القبائل للسلطة المركزية، يوضح البكاري لـ"عربي بوست".
وتابع المتحدث نفسه، أن هذه البروتوكولات "لا تقوم بأي وظيفة سوى إعادة إنتاج وتوسعة مجال تحرك الشرعيات التاريخية والتقليدانية، للتهرب من استحقاقات الشرعية الديمقراطية وحتى شرعية الإنجاز"، معتبراً أنها "في المحصلة؛ تعبير عن تفضيل الملكية لدولة الرعايا عوض دولة المواطنين".
وأبرز الفاعل الحقوقي، أن "الغريب أن المدافعين عن هذه المظاهر المرافقة للحفل، هم خليط من الذين يرفعون شعار الحداثة ومن الاتجاهات المحافظة كذلك، حداثيو المخزن ينطلقون من أن كل دولة لها بروتوكولات تبين إرثها التاريخي (اليابان، إنجلترا،…)، والمحافظون يعتبرون تلك المظاهر ترجمة لعقد البيعة الشرعي، وإبراز للوجه الإسلامي للملكية المغربية".
وأشار البكاري إلى أنه "سبق كذلك لنشطاء مدنيين أن نظموا وقفة ضد المظاهر المرافقة لحفل الولاء سنة 2012، تزامناً مع عيد العرش، وأطلقوا على وقفتهم اسم: حفل الولاء للحرية والكرامة، وقد تم منع هذه الوقفة بالاستعمال المفرط للقوة والعنف"، على حد وصفه.
البيعة ورابطة الطاعة
على النقيض من ذلك، يرى الأستاذ الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة (شرق)، جمال حدادي، أنه "مما يميز الشعب المغربي وملوك المغرب، الأواصر الرابطة بينهم عبر التاريخ، الممتد إلى ما يفوق الاثني عشر قرناً، وما يميز هذه الأواصر هو الحفاظ على التقاليد والعادات كما يميزها التجديد مع المحافظة على ما هو عريق وعتيق".
وقال حدادي لـ"عربي بوست": "حفل الولاء فرصة سنوية من خلالها يجدد الشعب، مُمَثّلا في من ينوب عنه من الوافدين من جهات المملكة الشريفة و مدنها و قراها من كل ناحية، البيعة ورابطة الطاعة التي انعقدت بين الشعب و ملكه في استمرارية غير منقطعة، وبرضا الطرفين، مع التزام كل طرف بواجباته وحقوقه".
وذكر المصدر نفسه أن "حفل الولاء يكون في أبهى حلله وازدهارها مع توافد ممثلين عن باقي المواطنين؛ إذ يتجلى هنا عنصر التمثيلية، والذي شكل منذ القديم أسس الحكم في دولة مغربية استطاعت الحفاظ على جزء كبير من عراقتها، وأعملت عنصر التجديد بالإنصات إلى التحولات الداخلية والخارجية".
وخلص الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، إلى أن "المغرب يساير التقدم في نظم الحكم وأساليبه، مع التشبث بأشكال الحكم ذي الطابع العريق والمتجذر في التاريخ، على غرار باقي الديمقراطيات في الدول المتقدمة التي حافظت على العديد من تقاليد الحكم الممثلة لشخصيتها والمعبرة عن تميزها، مع إعمال عنصر التجديد الدائم إنصاتاً لنبض الشعوب، واستلهاماً من نماذج الحكم الناجعة والناجحة".