ارتبط المغرب وإسرائيل بعلاقةٍ امتدّت لعقود، وصفتها مجلة إيكونوميست البريطانية بـ"الصداقة السرية"، مع لجوء الدولتين لإجراء أعمالهما التجارية عبر شبكات من الوسطاء، أغلبهم من اليهود المغاربة في المنفى أو عملاء المخابرات.
وشملت العلاقة بين البلدين تبادلات تجارية وتعاوناً متبادلاً على أصعدةٍ عدّة، لكن لم تعد هناك حاجة الآن إلى هذه التدبيرات، مع استئناف المغرب وإسرائيل تواصلهما الرسمي والدبلوماسي في العلن، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.
ويفترض في ظل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل وتحول التبادلات السرية من السر إلى العلن، أن يزداد حجم التبادل التجاري بينهما، لكن يبدو أن الأرقام تظهر تفاوتاً في حجم الصادرات والواردات.
لذلك سعينا في هذا التقرير للوصول إلى أرقام تكشف كيف أثّر التطبيع العلني للمغرب مع إسرائيل على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين؟ وما الفارق في الأرقام ما قبل وما بعد التطبيع؟
عودة العلاقات لمجاريها بوتيرة سريعة
بعد أن استضاف المغرب أول وفدٍ رسمي إسرائيلي أمريكي، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، وتوقيع الحكومة المغربية إعلاناً مشتركاً مع إسرائيل والولايات المتحدة، تتابعت اتفاقيات التطبيع واحدة تلو الأخرى بعد توقّف العلاقات لعشرين عاماً بين البلدين (على إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية).
ومن أبرز ملامح مسار العلاقات الجديد توقيع الحكومة المغربيّة على اتفاقيتين مع إسرائيل، في مجالات الخدمات الجوية والثقافية والرياضية، في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ومن ثم زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى المغرب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، التي أفضت إلى توقيع اتفاقية تعاون أمنيّ يُفترض لها أن تنظّم التعاون الاستخباري بين البلدين، وتعزيز التخطيط العملياتي المشترك والبحث والتطوير وتطوير الصناعات الدفاعية.
وفي فبراير/شباط 2022، وقّع المغرب وإسرائيل اتفاقية جديدة في المجال الاقتصادي، لتعزيز التعاون التجاري الثنائي والاستثمارات.
وشهد شهر مارس/آذار 2022، تدشين أول خط جوي مباشر من المغرب لإسرائيل، ووصول أول طائرة مغربية لمطار بن غوريون، بركّابها من الفنانين والصحفيين والسياح ورجال الأعمال المغاربة.
وفي الشهر نفسه وصل أول وفد أعمال مغربي بزيارة رسمية إلى إسرائيل، بفريقٍ يضمّ نحو 80 من رؤساء الشركات الرائدة في الاقتصاد المغربي، ويهدف لبحث سبل تعميق التعاون التجاري والاقتصادي مع إسرائيل.
تجارة مزدهرة باستمرار بين المغرب وإسرائيل
من أجل معرفة أثر عودة العلاقات الفعلي على حجم التجارة بين البلدين، عاد عربي بوست إلى قاعدة بيانات الأمم المتحدة الإحصائية، وآخر ما نُشِر من بيانات متعلقة بالتجارة الدولية بين المغرب وإسرائيل في ربع القرن الأخير.
يُلاحظ من البيانات عدم انقطاع التجارة بين المغرب وإسرائيل نهائياً منذ 1995 حتى الآن، وجميع الأرقام آتية من بيانات التجارة التي تبلغ عنها إسرائيل للمنظمة، لعدم توفر البيانات التجارية من المغرب.
بعد انقطاع العلاقات في عام 2000، سجّلت الواردات من المغرب لإسرائيل أكبر انخفاضٍ لها على الإطلاق في العام التالي للانقطاع، إذ انخفضت من 1,745,000 دولار في 2000 إلى 885 ألف دولار في 2001، لكنها عادت لترتفع عن المليون في السنوات التالية.
لا يبدو أيّ أثر لانقطاع العلاقات على صادرات إسرائيل للمغرب، فمع تباين الصادرات من عام إلى عام، إلا أنها استمرّت على منوال ثابت، وكانت الصادرات في عامي 2000 و2001 أعلى مما هي بـ1999.
أما بعد استئناف العلاقات في 2020، فقد سجّل عام 2021 ارتفاعاً ملحوظاً عن الأعوام التي سبقته، على صعيد الصادرات والواردات على حدٍّ سواء.
ووفقاً للبيانات، ضرب عام 2021 رقماً قياسياً من جهة واردات المغرب من إسرائيل، إذ تجاوز الـ117 مليون دولار، وهو رقم لم يسبق له مثيل في ربع القرن الفائت.
لكن هناك سنوات سابقة للتطبيع سجّلت فيها إسرائيل مستويات أعلى من التصدير للمغرب، فقد تجاوزت صادرات إسرائيل للمغرب الـ30 مليون دولار في 2021، لكنها وصلت إلى أكثر من 54 مليون دولار في 2013، وقاربت الأربعين مليون دولار في 2016.
وهذه أرقام الصادرات والواردات المسجلة في قاعدة بيانات الأمم المتحدة التجارية للسنوات العشر الأخيرة:
صادرات إسرائيل للمغرب (بالدولار):
- 2021: 30,722,000
- 2020: 12,241,000
- 2019: 3,883,000
- 2018: 4,895,000
- 2017: 21,949,000
- 2016: 39,621,000
- 2015: 22,853,000
- 2014: 10,546,000
- 2013: 54,472,000
- 2012: 22,946,000
- 2011: 21,621,000
واردات إسرائيل من المغرب (بالدولار):
- 2021: 117,113,000
- 2020: 10,150,000
- 2019: 66,846,000
- 2018: 64,248,000
- 2017: 15,508,000
- 2016: 16,532,000
- 2015: 15,522,000
- 2014: 6,571,000
- 2013: 6,337,000
- 2012: 6,039,000
- 2011: 3,884,000
ووفقاً لما نقلته وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلي عن معهد التصدير، فقد تنوعت صادرات إسرائيل إلى المغرب في 2021، وجاءت أغلب الصادرات من المنتجات الصناعية والتقنية العالية.
وتوزعت الصادرات الإسرائيلية بنسبة 67% مركبات وطائرات وزوارق ومعدات نقل، و20% بلاستيك ومطاط ومنتجاتها، و8% من المنتجات الكيماوية الصناعية، وأخيراً 2% ضمن خانة الآلات والمعدات الكهربائية وتكنولوجيا الصوت والفيديو.
فيما كانت النسبة الأكبر من واردات المغرب لإسرائيل من المنسوجات ومنتجاتها (63%)، ومن ثم 15% لإكسسوارات السيارات، و7% زيتون، و4% أسماك معلبة، و2% من الباستا (أو المعكرونة).
ولا يزال مُبكّراً الحكم على أثر التطبيع على العلاقات التجارية بين المغرب وإسرائيل، لحداثة أغلبية الاتفاقيات والصفقات المعقودة بين البلدين.
إلا أن إسرائيل تطمح لإيصال حجم التجارة المتبادلة إلى 500 مليون دولار "بسرعة" بين البلدين، وذلك وفقاً لتصريحات وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي في زيارتها للمغرب، في فبراير/شباط 2022.
ويسعى مدير جمعية التجارة الخارجية الإسرائيلية أوهاد كوهين للوصول إلى هذا الرقم في خمس سنين، لتحقيق الهدف الذي حدّدته الوزيرة في الإطار الزمني المطلوب.