اشتكى ممدوح المحارمة من تفاقم أزمة المياه بشكل كبير هذا العام، مشيراً إلى أنّ الأزمة لم تشهدها المنطقة التي يعيشها بالعاصمة الأردنية إطلاقاً ولم يكن يشعر بوجود أزمة في المياه بالأردن.
انضمت العاصمة الأردنية عمّان إلى أزمة المياه التي تضرب البلاد. وخلافاً للأعوام الماضية التي كانت فيها العاصمة الأردنية عمان بمختلف أحيائها، بعيدة نسبياً عن الأزمة، بدأ المواطنون فيها يعانون من نقص مياه الشرب التي تصل للبيوت بشكل غير معهود.
خلال السنوات الماضية، كانت المياه تتوفر بشكل كبير في العاصمة، حيث كان المواطن الأردني لا يشتكي من أزمة المياه المتصاعدة عاماً بعد عام في الأردن، بل كان هناك وفرة وضخ متواصل للمياه على مدار الأسبوع، بواقع ثلاثة أيام أسبوعياً، فلم يكن المواطنون في عمّان يشعرون بأزمة المياه إطلاقاً. لكن الأمر اختلف بوضوح هذا العام الذي شهد نقصاً حاداً في معدلات الضخ للمياه.
أزمة المياه وارتفاع الأسعار
وأكد المحارمة، من لواء سحاب، التابع لمحافظة العاصمة عمَّان، لـ"عربي بوست" أن أزمة المياه في المنطقة بدأت منذ أكثر من شهر ونصف، حيث يلجأ الكثير من سكان الحي الذي يعيش فيه إلى شراء المياه من صهاريج المياه، التي تشهد إرتفاعاً وتلاعباً في الأسعار، مما فاقم معاناة المواطن الأردني.
فبعد أن كان سعر المتر المكعب لا يتجاوز ثلاثة دنانير (4.25 دولار تقريباً)، بات سعره يصل إلى خمسة دنانير (7 دولارات)، مؤكداً أنّه يحتاج ما يقارب 100 دينار (141 دولاراً شهرياً). هذا تكلفة – بحسب المحارمة – تعدّ مرتفعة مقارنة مع سعر المياه المدعوم من سلطة المياه، حيث لا تتجاوز قيمة الفاتورة 30 ديناراً (42 دولاراً) لمدة 3 شهور.
الأمر ذاته يعاني منه الناشط السياسي الأردني، مدالله النوارسة، الذي كشف لـ"عربي بوست" عن وجود انقطاع مستمر لأكثر من شهر في منطقته التي يعيش فيها المعروفة بـ"أم الرصاص" التي تتبع لواء الجيزة التابعة لمحافظة العاصمة.
وأوضح أنه رغم وجود 11 بئراً لتزويد منطقته والمناطق المجاورة التي تتبع لواء الجيزة، فإن ضخ المياه الذي كان يستمر لما يقارب الـ3 أيام تقلص إلى 6 ساعات أسبوعياً فقط. إضافة إلى ذلك، عمدت سلطة المياه على خفض الضخ، الأمر الذي يحرم أكثر من 20 ألفاً من أبناء منطقته، ليصل العدد إلى 85 ألف شخص في المناطق المجاورة التي تعرف جميعاً بـ"البادية الوسطى".
وأوضح النوارسة أنّ مصدر الماء الذي يأتي من الآبار الزراعية التي تزود منطقته والمناطق المجاورة غير صالح للشرب، لارتفاع نسبة الملوحة فيه. الأمر الذي يجعلهم يلجأون إلى استخدامها في غايات الغسل والزراعة، فيما يضطرون إلى شراء المياه الصحية من محطات التحلية لأغراض الشرب.
كما يلجأ النوارسة وأبناء منطقته، في خضم الأزمة المتفاقمة في المياه وانقطاعها، إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة، إذ تصل كلفة حمولة صهريج المياه إلى 22 ديناراً أردنياً. وقال إن أهالي المنطقة قاموا بالاعتراض أكثر من مرة لمعرفة سبب الانقطاع المفاجئ في المياه، لكنّهم لم يحصلوا على إجابات كافية من سلطة المياه المسؤولة عن تزويد منطقته بالماء.
وطالب وزارة المياه والجهات الرسمية باتخاذ الإجراءات الكافية لأجل إيقاف حالة النقص والإنقطاع الحاد في المياه.
الصيف الأكثر قساوة
الصيف الحالي أكثر قساوة من العام الماضي، كانت تلك فحوى تصريحات أدلى بها وزير المياه والري الأردني، محمد النجار، للحديث عن أزمة المياه الحادة والمتراكمة التي يعيشها الأردن منذ عدة سنوات، والتي وصلت لذروتها العام الحالي.
وأكدّ الوزير الأردني أنّ الصيف الحالي توجد فيه ضغوطات كبيرة من حيث كميات المياه، واصفاً إياه بأنه صيف "صعب مائياً". كما أوضح أنّ مقدار نقص المياه مقارنة بالعام الماضي، يعادل نحو 10 ملايين متر مكعب.
وأوضح أنّ معدل هطول المطر هذا العام بلغ نحو 80% مقارنة مع 63% العام الماضي، لكنّ توزيع الهطول المطري كان متفاوتاً، منوهاً إلى أنّ مناطق الجنوب لم تصل نسبة الهطول المطري فيها أكثر من 37%.
ويشهد الأردن تحديات كبيرة لتوفير الماء، حيث يعتبر واحداً من أكثر الدول التي تعاني من شحّ المياه، نتيجة زيادة عدد السكان وتذبذب الهطول المطري إثر التغيرات المناخية، وانخفاض معدلات الحصة السنوية للفرد من المياه.
انقطاعات متواصلة ومستمر في مدينة إربد
إلى الشمال من الأردن، تشهد مدينة إربد وقراها هي الأخرى أزمة حادة في المياه وانقطاعات دائمة ومستمرة في وصول المياه للمنازل، حيث يشتكي سكان المدينة عدم قدرتهم على تعبئة خزاناتهم الخاصة، الأمر الذي يضطرهم إلى شراء المياه بأسعار مرتفعة، فارتفعت حمولة صهريج المياه سعة 3 أمتار في بعض المناطق التي تعاني انقطاع المياه من 12 إلى 15 ديناراً، مقارنة مع 10 دنانير قبل أزمة المياه.
سعيد الروسان، الذي يعيش في الحي الجنوبي، ذكر في حديثه لـ"عربي بوست"، أنّ مشكلة الانقطاع وعدم وصول المياه، بات أمراً معتاداً ومستمراً منذ أسابيع.
وأشار إلى عدم اهتمام الجهات الرسمية، والتي يأتي على رأسها شركة مياه اليرموك التي "لا تكترث لكثرة شكاوى أهل الحي ولا ترغب في إيجاد حلول لمشكلتهم"، على حد تعبيره.
تعطل شبكات التوزيع
من جانبه، قلل الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه، عمر سلامة، في حديثه لـ"عربي بوست"، من أزمة المياه بالأردن، مؤكداً أنّ وزارته عمدت إلى زيادة ضخ المياه وتوزيعها من خلال شبكات المياه المنتشرة في جميع مدن ومناطق الأردن.
وأشار إلى أنّ الأزمة التي حصلت في العاصمة الأردنية سببها تعطل في شبكات وخطوط المياه والذي يحتاج إلى وقت طويل لإصلاحه، مشدداً على أنّ الحصص القادمة للمياه سيكون توزيعها أفضل، على حد وصفه.
لكن سلامة، في نفس السياق، أقرّ بوجود نقص في مصادر المياه بالأردن، والتي يأتي على رأسها السدود المستعملة بغرض احتياجات الشرب، ومنه سدّ الوحدة وسد الموجب وسد الوالة، التي تعاني جميعها من نقص حاد في ملئها.
وتشير البيانات والمصادر الرسمية إلى أنّ نسبة تخزين سد الوحدة بلغت 8% من أصل 120 مليون متر مكعب، فيما بلغت النسبة في سد الموجب أقل من 1% من أصل 29 مليون متر مكعب، أما سد الوالة فقد وصلت نسبة التخزين فيه إلى 2% من أصل 25 مليون متر مكعب.
أزمة المياه.. مشكلة مستمرة
في سياق متصل، قال النائب في مجلس النواب الأردني، موسى هنطش، إنّ أزمة المياه لم تبدأ هذا العام، بل بدأت في العام الماضي، وكان سببها الرئيسي هو نقص معدل الهطول المطري الذي بلغ 30-32%.
كما أنّ مصادر المياه في الأردن تعرضت إلى استنزاف عبر الطبقات الجوفية للماء والسدود، إضافة إلى ذلك فإنّ معدلات سرقات المياه زادت بشكل كبير على كل المستويات في العاصمة عمّان والمدن الأخرى والبادية والقرى، على حد قوله.
وأشار إلى اجتماع مجلس النواب قبل أربعة أيام لبحث هذه الأزمة ولإيجاد حلول لها، موضحاً أن جزءاً منها تتحمله الحكومة التي من واجبها تأمين مصادر المياه، خاصة في الصيف، لأنّ الطلب عليها يكون كبيراً، كما يتحمل المواطن جزءاً آخر نتيجة الإسراف، مشدداً على أهمية البحث عن مصادر بديلة حديثة وتطويلها تحت بند "المياه الإستراتيجية".
ويوضح هنطش في تصريحات لـ"عربي بوست"، أنّ الخلل في السدود وبنيتها التحتية ليس هو السبب المباشر والرئيسي في أزمة المياه، منوهاً إلى أن مجلس النواب عبر لجنة المياه والزراعة أشارت لبدائل كثيرة عبر مد خط "دي سي" آخر، وتحلية مياه الأغوار.
وأشار إلى أن من أهم القضايا التي تسببت في تفاقم أزمات المياه بالأردن هي سرقات كثير من المواطنين للمياه حتى على صعيد الآبار المرخصة، التي يتجاوز فيها كمية سحب المياه الحد المسموح به أضعافاً مضاعفة، مشدداً على أنّه لمكافحة ظاهرة سرقات المياه فسيتم تركيب عدادات إلكترونية تعطي بشكل تلقائي القراءات، ويمكن إقفالها عن بُعد.
واختتم النائب حديثه بعدم موافقته توقيع أي اتفاقية مع إسرائيل سواء فيما يتعلق بأزمة المياه أو أي أزمات أخرى تمر بها البلاد كأزمة الطاقة والوقود.
عجز مائي كبير يحتاج لحلول جذرية
يعدّ الأردن ثاني أكثر البلدان في العالم فقراً بالمياه، وهو ما يؤكد عليه النائب في مجلس النواب الأردني، ورئيس لجنة الزراعة والمياه والبادية النيابية، محمد العلاقمة، مشيراً إلى أنّ العجز المائي وصل إلى 500 مليون متر مكعب ويشمل كافة الاحتياجات المنزلية والزراعية والصناعية.
وذكر أن مشكلة تذبذب الموسم المطري والتغيرات المناخية لن يمكن إيجاد حل أو بدائل لها في القريب العاجل، بل تحتاج إلى حلول جذرية، منوهاً إلى أنّ الحل المتوفر يتمثل عبر مشروع الناقل الوطني لتحلية ونقل مياه البحر الأحمر من العقبة إلى عمّان، والذي سيوفر 350 مليون متر مكعب من المياه.
إلا أنّ هذا المشروع لن يبدأ العمل به إلا في بداية 2023 وينتهي العمل به في 2027، بتكلفة تتراوح بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار، كاشفاً عن أنّ هناك خمس شركات تتنافس لتنفيذ المشروع، وسيتم فتح العطاء مع نهاية العام الحالي 2022، ليكون المشروع بمثابة الحل الحقيقي والجذري لأزمة المياه في الأردن، لكن على المدى الطويل.
ويرى العلاقمة أنّ أزمة المياه ستزداد في ظل دخول فصل الصيف، نظراً لتوافد الوافدين الأردنيين في إجازة الصيف على الأردن، بالإضافة إلى توافد السياح من الخارج، وفي ظل وجود اللاجئين السوريين، وازدياد عدد المقيمين من جنسيات عربية مختلفة (ليبيين، يمنيين، مصريين)، الأمر الذي سيفاقم من أزمة المياه خلال الفترة القادمة، وهذا يحتاج إلى حلول جذرية في ظل تزايد عدد السكان في الأردن.
كما يكشف رئيس لجنة الزراعة والمياه والبادية النيابية عن أحد الأسباب المهمة التي تساهم في أزمة المياه في الأردن، والتي تتمثل في حجم استهلاك الزراعة في الأردن للمياه، والتي تصل إلى 53% من حصة المياه الكاملة بالأردن.
وأكد على ضرورة استحداث طرق وأساليب زراعية حديثة ومتطورة تسهم في تقليل استهلاك المياه، وهذا يستلزم إعادة النظر بطرق الزراعة التقليدية في الأردن، وإدخال معدات وآلات وطرق حديثة في الزراعة، الأمر الذي يستلزم تعاون وتكاتف كل من وزارة المياه والري ووزارة الزراعة والمزارعين لأجل إيجاد حلول حقيقية تسهم في تقليل الاعتماد على الماء وتخفيف نسبة المياه المستخدمة في ري المزروعات.