كاختياره لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، اختار الرئيس التونسي قيس سعيّد أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المفترض أن تجرى في 25 يوليو/تموز، على استفتاء لإصلاحات قانونية ودستورية وانتخابات تشريعية.
واختار الرئيس التونسي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ممن يكنّون العداء لحركة النهضة، كما أن الرئيس سيحتاج لولاء 4 أعضاء من أصل 7 تتكون منهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حتى يتمكن من تمرير ما يُريد من قرارات.
وجرت تسمية فاروق بوعسكر رئيساً للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتسمية أعضاء مجلس الهيئة، وهم: سامي بن سلامة، ومحمد التليلي منصري، والحبيب الربعي، وماهر الجديدي، ومحمود الواعر، ومحمد نوفل الفريخة.
غاضبون وطامحون للرئاسة
الرئيس الجديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الذي عيّنه الرئيس قيس سعيد كما كان متوقّعاً، هو القاضي العدلي فاروق بوعسكر، الذي كان يقف في الجهة المقابلة لرئيس الهيئة السابق نبيل بفون، ولا يُخفي خلافاته معه.
وبعد قرار سعيد بحلّ البرلمان في مارس/آذار 2022، ظهر اسم فاروق بوعسكر لرئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بديلاً عن نبيل بفون، الذي يرى فيه قيس سعيد نتاجاً لعدم استقلالية الهيئة، وامتداداً لحركة النهضة.
وكان المتداول خلال تلك الفترة هو اعتزام الرئيس قيس سعيد حلّ هيئة الانتخابات كليّاً، وتعويضها بهيكل جديد يطَّلع بمهامها بالإشراف على الانتخابات والاستفتاء.
ولكن بعد معارضة من الدول الكبرى وتلويحها بقطع المساعدات عن تونس، وتعطيل تقدّم مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي؛ تراجع سعيد عن حلّ الهيئة، واكتفى بتغيير تركيبتها وقانونها.
وقد كان فاروق بوعكسر أول من علموا بذلك التوجه، خلال لقاء جمعه بقيس سعيد في 1 أبريل/نيسان 2022، والذي أعقبه دفاع مستميت من طرف بوعكسر على فكرة تغيير نظام الاقتراع من الاقتراع على القوائم إلى الاقتراع على الأفراد.
وقد ترشّح فاروق بوعسكر لانتخابات رئاسة هيئة الانتخابات عام 2017 بعد استقالة رئيسها آنذاك شفيق صرصار، ولكنه فشل في الحصول على أغلبية الأصوات المطلوبة داخل البرلمان لتولي المنصب.
وفي وضع مُشابه لوضع رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، عيّن الرئيس قيس سعيد عضو الهيئة السابق والمحامي محمد التليلي المنصري، الذي فاز في انتخابات رئاسة الهيئة خلال جلسة انتخابية عامة عقدها البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بعد تمكنه من إقناع نواب حركة نداء تونس آنذاك بانتخابه.
ولكن لم تدم رئاسة محمد المنصوري للهيئة طويلاً، فمباشرة بعد انتخابه لوح عدد من أعضاء هيئة الانتخابات بالاستقالة، بعد أن رأوا أن اتفاق الأحزاب وكُتلها البرلمانية عليه دليل على عملية تسييس الهيئة المفترض أن تكون مستقلة.
مهاجمة النهضة
أكثر الأعضاء، الذين عيّنهم سعيد في التركيبة الجديدة للهيئة، إثارة للجدل هو سامي بن سلامة، الذي كان عضواً في هيئة الانتخابات الأولى في تونس، التي أشرفت على أول انتخابات تشريعية بعد سقوط نظام بن علي.
وبالإضافة إلى تكوينه القانوني وعمله عدل إشهاد، ينشط سامي بن سلامة في المجتمع المدني، كما أن المعروف عنه تلبيته للدعوات الإعلامية للحضور بوصفه محللاً سياسياً؛ ما جعله وجهاً مألوفاً لدى التونسيين ممن يشتهرون بمعاداة حركة النهضة.
ولا يتوانى عضو هيئة الانتخابات حالياً، في توجيه اتهامات لحركة النهضة بضرب حياد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وبعد إعلان سعيد توجهه لتغيير تركيبة الهيئة أورد ساخراً "إنه سيتمّ طرد حركة النهضة من هيئة الانتخابات".
وعُرف سامي في البداية بانتقاده لقيس سعيد بلغ حدّ وصفه بـ"الغبي" سياسيّاً، بعد حديثه عن تجريم التطبيع وما رأى فيه سامي بن سلامة فتح باب مشكلات لتونس هي في غنى عنها.
وبعد 25 يوليو/تموز، تاريخ إعلان الرئيس سعيد تعليق صلاحيات البرلمان وإقالة الحكومة، تحوّل سامي بن سلامة إلى أحد أكبر مساندي الرئيس وتوجّهاته وقراراته دون تحفّظ، مع إظهار عداء كبير لحركة النهضة، وتوجيه شتى أنواع الاتهامات لها.
قُضاة موظفون ولا تنافس
القضاة الثلاثة في تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الجديدة، هم كلّ من القاضي العدلي الحبيب الربعي، والقاضي الإداري ماهر الجديدي، والقاضي المالي محمود الواعر.
وقد عيّنهم الرئيس قيس سعيد أعضاءً في الهيئة بعد اختيارهم من بين 9 أسماء (3 أسماء عن كل صنف)، قدّمتها له هياكل المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي نصّبه سعيد بعد حلّه المجلس الأعلى السابق للقضاء.
فالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي شكّله سعيد في مارس/آذار 2022، يتركّب من 3 مجالس مؤقتة للقضاء، وهي القضاء العدلي، والقضاء الإداري، والقضاء المالي.
وقد دفع كل مجلس من تلك المجالس بثلاث مرشّحين لعضوية الهيئة المستقلة للانتخابات، اختار منهم سعيد 3 أسماء غريبة عن التونسيين ولم تسمع بها الغالبية العظمى منهم قبل تاريخ صدور تركيبة الهيئة الجديدة في الجريدة الرسمية.
بعض المصادر التي تحدّثت معها "عربي بوست"، أكدت أنه خلافاً لما كان يسود من تنافس، وما يُشبه الحملات الانتخابية بين المرشحين لعضوية الهيئات الدستورية كهيئة الانتخابات ومسانديهم من داخل الهياكل المهنية، كانت عملية الترشيح الأخيرة للقضاة الثلاثة "باردة ولا تنافس فيها".
أشارت المصادر إلى أن التركيبة الجديدة للمجلس الأعلى المؤقّت للقضاء، قطعت مع التنوّع الذي كان يُميّز المجلس الأعلى السابق للقضاء، والاختلافات في وجهات النظر التي كانت تسود في مثل تلك العمليات، والزخم الذي يُصاحب عادة مثل تلك الترشيحات.
ويلتقي جميع أعضاء المجلس الحالي حول مهام تقنية حدّدها لهم قيس سعيد من خلال مرسومه المحدث للمجلس الأعلى المؤقّت للقضاء، وتفاصيل ممارسة "وظيفة القاضي".
فكلّ من القاضي العدلي الحبيب الربعي، والقاضي الإداري ماهر الجديدي بصفة خاصة، معروفان بنبذهما لتداخل السياسي بالقضائي وللاجتهاد القضائي، وتجنّبهما قدر ما يُمكن للجوء إلى فقه القضاء.
ووصفتهما بعض المصادر بأنهما "حرفيان"، بمعنى التزامهما الكلي بالنصّ القانوني بصفة شبه حرفيّة خلال إصدار الأحكام القضائية؛ ما يجعلهما "تقنيّين" أو "موظّفين" أكثر من كونهما قاضيين.
إداري يحظى برضا وزير سعيّد
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الجديدة تضمّ كذلك مهندساً مُختصّاً في مجال المنظومات والسلامة المعلوماتية، يختاره الرئيس قيس سعيد من بين عدد من الترشيحات التي تقدّمها له الهياكل المهنية المعنية والممثلة لتلك الأصناف.
ومنح القانون المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، المركز الوطني للإعلامية صلاحية تقديم 3 ملفات لمرشّحين لعضوية الهيئة عن صنف مهندس مُختصّ في مجال المنظومات والسلامة المعلوماتية.
ويتولى الوزير المشرف على وزارة تكنولوجيات الاتصال، والذي عيّنه الرئيس قيس سعيد بدوره بعد 25 يوليو/تموز 2021، ترشيح مرشحي المركز الوطني للإعلامية، الذي يُعتبر هيكلاً إداريّاً بعيداً كلّ البعد عن أي استقلالية إدارية أو مالية.
ويُعتبر مرشّحوه لعضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات "موظفين محظوظين"، و"يحظون برضا رؤسائهم"، كما كان الحال بالنسبة لعضو الهيئة الحالي محمد نوفل فريخة، وفق توصيف عدد من المصادر التي تحدّثت معها "عربي بوست".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”