"يُشبه جده كثيراً، وكأنه الحسن الثاني"، هكذا يصف المغاربة ولي عهد المغرب، الذي كبُر فجأة فأصبح رفيق والده الملك، يقف على يمينه في الأنشطة الرسمية، ويجلس وراءه في الخطابات الموجهة للشعب.
هو الحسن الثالث بن محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف، والدته هي سلمى البناني، الزوجة السابقة لمحمد السادس. ولي عهد المغرب الذي يُكمل اليوم 19 سنة، سيخلُف والده ملكاً في يوم من الأيام، لقيادة المملكة المغربية.
مولاي الحسن، هكذا يناديه كل المغاربة، فكلمتا "مولاي" و"لالة" هما أساسٌ ثقافةٍ عريقةٍ، تُقال من باب الاحترام للأشخاص الأكبر سناً أو منصباً، ولا علاقة لها بالمال أو الجاه أو العبودية.
اليوم تمر 19 سنة على إعلان ولادة الابن البكر للملك، الذي اختير له اسم الحسن تيمناً بجده الراحل، واحتُفل بالمولود بعقيقة ذُبح فيها كبشان؛ سيراً على تقاليد الأسرة العلوية التي تحكم المغرب إلى الآن.
المهمة.. إعداد ملك
في تاريخ الأسرة الملكية في المغرب توضع الأولوية الكبرى لإعداد ولي العهد ليكون خلف والده إذا وافته المنية، فالحسن الثاني كان صارماً في تربية وتدريس ولده محمد السادس عندما كان هذا الأخير ولياً للعهد.
ويشرف الملك شخصياً وبشكل مباشر على البرنامج الدراسي، الذي لا تتدخل فيه وزارة التربية الوطنية من قريب أو بعيد، فهو برنامج تضعه لجنة خبراء تربويين، يكون قادراً على تربية وتعليم ملك قادر على ممارسة الحكم مستقبلاً، ويتمتع بالقدرات والمؤهلات المطلوبة.
ولأن التاريخ يعيد نفسه، فما عاشه الأب يعيشه الابن اليوم، فإلى جانب برنامجه الدراسي، يحرص الملك أن يشاركه ابنه مجموعة من الأنشطة الداخلية، وحتى الخارجية، وفي بعض المرات يتكلف مولاي الحسن بتمثيل والده داخل المغرب وخارجه.
وكان أول ظهور لولي عهد المغرب في نشاط رسمي كان سنة 2004 وعمره سنة فقط، عندما رافق الحسن والده في حفل استقبال الفريق الوطني لكرة القدم، الذي كان بلغ نهائيات كأس إفريقيا للأمم بتونس.
ولفت ولي عهد المغرب الأنظار سنة 2017، عندما شارك إلى جانب والده في قمة "كوكب واحد"، التي أقيمت في العاصمة الفرنسية باريس، وحضرها أكبر قادة العالم، وكان الحسن ابنُ الملك أصغرَ الحاضرين.
ولإعداده لمهمة المستقبل يحرص الملك محمد السادس على تكليف ابنه البكر باستقبال رؤساء الحكومات، إذ ظهر ولي العهد رفقة سعد الدين العثماني وعبد الإله بن كيران، هذا الأخير سار بجانبه في موكب صلاة الاستسقاء.
وقاد ولي عهد المغرب لأكثر من مرة صلاة الاستسقاء بتكليف من والده، كما أنه حضر جنازات شخصيات داخل المغرب وخارجه، أبرزها جنازة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك.
دراسة ولي العهد
التحق ولي عهد المغرب بأول صف في المدرسة المولوية سنة 2008 وعمره 5 سنوات فقط، فبدأ التدرج في نظام تعليمي صارم، يحفظ فيه القرآن ويتعلم اللغات، وعلى رأسها العربية، بالإضافة إلى الأدب والتاريخ والعلوم.
وفي العام 1942 قرّر ملك المغرب الأسبق الراحل محمد الخامس تأسيس المدرسة المولوية، لتكون مدرسة للأمراء والملوك، إلى جانب زملائهم ممن يتم إعدادهم ليصيروا نافذين داخل الدولة.
وكانت المدرسة تحتَكِم لقواعد شبه عسكرية، بصرامة وانضباط في التعامل، دون السماح أو التساهل مع أي تجاوزات، وبلغت أعداد طاقمها في العهد الحالي 300، يعملون جميعاً لتربية وتعليم ولي العهد مولاي الحسن وزملائه، وفق برامج مضبوطة بعناية.
وعلى خلاف اختيارات جده ووالده، بعد حصول الحسن، ابن الملك، على شهادة البكالوريا (ثانوية عامة) سنة 2020 في شعبة العلوم الاقتصادية والاجتماعية، اختار الملك القادم أن يُتم دراسته بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية.
وخالف ولي العهد اختيارات والده، الذي درس القانون بكلية العلوم القانونية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، كما أن جده الملك الراحل الحسن الثاني كان قد درس القانون، وأتمَّ تعليمه الجامعي بمدينة بوردو الفرنسية.
يدرس الحسن بن محمد الآن في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، وهي من أرقى الجامعات العمومية في المملكة، يلجها المتفوقون من أبناء الشعب، ويحصلون على تدريب عالٍ ومتميز، ببنية تحتية مطابقة للمعايير الدولية.
وبالتزامن مع كل هذا، ولتقنين موهبته في تخصص الطيران درس ولي عهد المغرب بالمدرسة الملكية الجوية في مراكش، وحصل فيها على دروس نظرية وتطبيقية تُمكنه في قيادة الطائرات مستقبلاً.
وكشفت مجلة "South China Morning Post" الصينية، أن ولي عهد المغرب يملك طائرة خاصة به من نوع "غولف ستريم جي 650″، يستعملها في تنقلاته الدولية بين مناطق العالم، وتبلغ قيمتها المالية حوالي 68 مليون دولار أمريكي.
ولي العهد.. الطفل ابن أمه
لم يكن مولاي الحسن رفيق والده فقط، فلقد كان ابناً لصيقاً لوالدته، الزوجة السابقة للملك محمد السادس كانت حاضرة معه، وظهر معها في مناسبات رسمية وغير رسمية داخل وخارج المغرب.
وظهر الحسن بن محمد أول مرة في صورة رسمية بعد ولادته عام 2003 بين ذراعي والدته سلمى البناني، التي كانت ترتدي قفطاناً مغربياً فاخراً، ويقف إلى جانبها الملك الحالي محمد السادس.
وكانت أم ولي العهد حاضرة في حفلات نهاية السنة الدراسية بالمدرسة المولوية، بالحفل الشهير الذي نُقل على وسائل الإعلام، حيث استظهر مولاي الحسن ما حفظه من آيات القرآن، وقدَّم عروضاً فنية باللغة العربية والفرنسية والإسبانية.
وظهرت الأميرة رفقة ابنها في حفلات أعياد ميلاده وميلاد شقيقته الصغيرة الأميرة خديجة، حيث تم تعميم صور خاصة من احتفال بسيط في حديقة القصر، حضرته الأسرة الصغيرة فقط.
أما رسمياً، فكان ولي عهد المغرب يسير بخطوات ثابتة إلى جانب والدته على السجاد الأحمر في أنشطة رسمية لها منذ سنه الصغيرة، إذ كان إلى جانبها في زيارة رسمية لها إلى دولة الإمارات.
وبعدما اشتد عوده كان ولي العهد رفيقاً دائماً لوالدته في زيارات غير رسمية داخل المغرب، إذ رافقها مرة في رحلة إلى مدينة مراكش، ومرة أخرى إلى قرية صغيرة سياحية تُدعى إمليل في نواحي مراكش.
أما في فصل الصيف فكان ولي العهد يرافق والدته الأميرة سلمى في رحلاتها خارج المغرب، أبرزها رحلة اليونان، حيث تملك الأميرة منزلاً صيفياً خاصاً في جزيرة سيكاتوس اليونانية.
وكانت صحيفة "إلباييس" الإسبانية قد كشفت أن ولي العهد قضى عطلته الصيفية رفقة والدته على يخت يحمل اسم "Serenity"، الذي شُيّد سنة 2004، فيما تم تجديده سنة 2017.
ورغم الانفصال النهائي بين الملك وزوجته فإن هذه الأخيرة حافظت على علاقتها مع طفليها خديجة والحسن، إذ إن ولي العهد هو الذي تقدم جنازة جدة والدته.
التقاليد والعادات
بعد استقلال المغرب أصبحت الثقافة الفرنسية دخيلة على المجتمع المغربي، فكانت المغربيات يحتفلن بزفافهن بارتداء الفستان الأبيض، حتى جاء زفاف أخت الملك، فأمر الحسن الثاني بأن يكون الاحتفال تقليدياً بلباس القفطان والتاج.
هذه القصة الشهيرة تُظهر كمية تشبث الأسرة الملكية في المغرب بالتقاليد المغربية الخالصة، وباللباس التقليدي لدار المخزن (القصر) وأهله، وكل المغاربة يفتخرون بانتمائهم لهذه التقاليد الخاصة.
الحسن لم يكن الاستثناء، فمن شروط تربيته ليكون ملكاً أن يكون مغربياً خالصاً، فتجده يرتدي الجلابة المغربية التقليدية الأصلية من دون أي تحسينات، هذه الأخيرة غير مسموح بها في ثقافة القصر.
ويحضر ولي العهد باللباس التقليدي في أنشطة معينة إلى جانب والده، كإحياء ليلة القدر، أو ذكرى المولد النبوي الشريف، أو صلاة العيدين، والمناسبات السعيدة التي يُحتفل بها داخل القصر الملكي.
ولفت ولي عهد المغرب الأنظار عندما حضر إلى جانب والده مرتدياً السلهام المغربي في قمة المناخ في فرنسا سنة 2017، بالإضافة إلى تمثيل والده وهو يرتدي الجلباب التقليدي في مراسم تشييع جثمان كونت باريس، هنري دورليان، سنة 2019.
والسلهام التقليدي اعتمده ملوك المغرب لباساً رسمياً منذ عقود طويلة، فالملك الراحل الحسن الثاني ارتبط به، وكان يحرص دائماً على ارتدائه في الزيارات الرسمية للدول، وكان يتشبث دائما بمزج الأصالة المغربية بالعصرنة في اختيارات الأزياء.
ولأن التقاليد ضرورية في تربية ملوك المستقبل، حرص الملك محمد السادس أن يحتفل بمناسبة طهور ابنه الحسن وفق التقاليد المغربية، في مدينة فاس، عاصمة الأدارسة، والعاصمة العلمية للمملكة.
وتم الاحتفال بطهور ابن الملك سنة 2005، عندما اصطحب الملك على ظهر حصان ابنه إلى ضريح المولى إدريس الأزهر، مؤسس مدينة فاس، وضريح مؤسس الدولة الإدريسية، وهي عادة وتقليد للأسرة العلوية الشريفة منذ قرون.