كانت مفاجأة حينما أعلن اللواء طارق مرزوق، مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية، أن الوزارة تسعى للاستفادة من أراضي السجون التي أغلقتها مصر، في أواخر ديسمبر/كانون الأول المنصرم.
قال مرزوق إن القرار يأتي ضمن خطة الوزارة للاستفادة من الأراضي الشاسعة المقام عليها السجون بعد إغلاقها، لاسيما أن الحكومة تسعى
إلى عدم تحميل الموازنة العامة للدولة أية أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، خصوصاً مجمع السجون الذي تم افتتاحه مؤخراً في وادي النطرون.
ومع بداية العام الجديد بدأ تنفيذ القرار بشكل فعلي، وكنا قد نشرنا تقريراً عن النزاع الحاصل بين وزارة الداخلية المصرية والصندوق السيادي المصري على ملكية الأراضي، التي تبلغ قيمتها ما يتجاوز الـ30 مليار جنيه.
قام "عربي بوست" في هذا التقرير بحصر لأهم السجون التي يجري إغلاقها ورصد التقييم المالي لها.
سجن استئناف القاهرة
يقع السجن في "درب سعادة" بميدان باب الخلق في نطاق القاهرة التاريخية، على مدخل منطقة تحت الربع، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عصر المماليك، كما توجد على بُعد خطوات منطقة الأزهر التجارية والتاريخية، وتُعد منطقة باب الخلق منطقة سكنية وتجارية جاذبة، ويمكن أن يصل سعر متر الأرض في تلك المنطقة -إذا وُجد- إلى 50 ألف جنيه، ورغم عدم توفر أي بيانات موثقة عن مساحة السجن فإن البعض رجَّح أن يتجاوز سعر بيع الأرض المقام عليها حاجز الملياري جنيه.
مساحة السجن الذي أنشئ عام 1901 ضيقة بشكل واضح، ربما لأنه كما ذكرت بعض الروايات كان مجرد إسطبل للخيول أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، ولهذا تمت الاستفادة منه طولياً، فأقيمت مكاتب إدارة السجن بالدور الأول، بينما يُخصص الدور الثاني للمحكوم عليهم بالإعدام، والثالث للصادر بحقهم حكم قضائي، والرابع لمن هم رهن الحبس الاحتياطي، حيث يستعمل كسجن "ترانزيت" يُنقل إليه السجناء المحتجزون في سجون خارج القاهرة لحضور جلسات محاكمتهم، ويبقون بسجن الاستئناف إلى حين انقضاء جلساتهم وصدور أمر بإعادة ترحيلهم إلى السجون التي أتوا منها، وعادة ما يتأخر ترحيل السجين لحين تجمع عدد كبير من السجناء ليتم ترحيلهم دفعة واحدة.
وعرف السجن نهاية حياة بعض الشخصيات المثيرة للجدل في أوقات متباينة، تم تنفيذ حكم الإعدام فيها داخل السجن، منهم عادل حبارة الذي أدين بقتل 25 جندياً مصرياً فى رفح بشمال سيناء، وقتلة الرئيس الراحل أنور السادات.
سجن ليمان طرة
يقع على ضفاف النيل، جنوب القاهرة، في منطقة طرة، الواقعة بين منطقتي المعادي وحلوان، وهو عبارة عن مجمع سجون يضم سجن المزرعة، وليمان طرة، وسجن استقبال طرة، ومحكوم طرة، وسجن طرة شديد الحراسة (المعروف باسم سجن العقرب)، الذي توفي فيه الرئيس الراحل محمد مرسي.
تبلغ المساحة الإجمالية للمجمع الذي أنشأه مصطفى النحاس باشا عندما كان وزيراً للداخلية سنة 1928، حوالي 1.7 مليون متر مربع وتصل قيمته السوقية إلى 17 مليار جنيه، ويتكون من 7 عنابر مقسمة بطريقة تصنيفية طبقاً لنوع القضية والاتهام، ويطلق على العنبر الخامس بالسجن "عنبر ضباط الشرطة والقضاة"، إذ تفيد بعض التقارير أنه "مخصص لاستقبال الضباط والقضاة المتهمين في قضايا الرشوة"، وهو ما يجعل المعاملة في هذا العنبر مميزة بعض الشيء.
ويعد طرة أشهر سجون مصر بفضل شهرة نزلائه، ومنهم علاء وجمال ابنا الرئيس الراحل مبارك، وصفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق، وزكريا عزمي الرئيس الأسبق لديوان رئيس الجمهورية، ورجل الأعمال أحمد عز، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، والوزراء أحمد المغربي، وزهير جرانة، وأنس الفقي، وحبيب العادلي، بخلاف الداعية عبد الحميد كشك، والكاتب الصحفي مصطفى أمين، ورجلي الأعمال هشام طلعت مصطفى، وحسام أبو الفتوح، والمهندس خيرت الشاطر، أحد قياديي جماعة الإخوان المسلمين.
سجن بنها العمومي
يقع سجن بنها العمومي في شارع ماهر محرم بمنطقة المنشية في قلب المنطقة السكنية بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، واشتهر باستضافة المسجونين السياسيين المنتمين للجماعات الدينية، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، ويبلغ سعر المتر في المنطقة التي يوجد بها السجن حوالي 20 ألف جنيه، لكن لا توجد بيانات رسمية أو موثقة عن مساحة السجن.
سجن الحضرة بالإسكندرية
سجن الحضرة تم بناؤه في بدايات القرن الماضي، في منطقة "محرم بك" بالإسكندرية، وتصل طاقته الاستيعابية إلى نحو 1800 سجين، ويقع وسط الأحياء السكنية بمنطقة محرم بك المكتظة بالسكان، ولذلك بات مألوفاً أن يقوم سكان الأدوار العليا الملاصقون للسجن بتأجير شبابيك منازلهم التي تطل على السجن، لأهالي المساجين الذين يريدون الحصول على أوقات أكثر من وقت الزيارة للاطمئنان على ذويهم! ويكون الحساب بالساعة.
ويصل سعر المتر المربع في المنطقة إلى 8 آلاف جنيه، بينما تتجاوز القيمة السوقية لمساحة السجن ملياري جنيه.
وسجن الحضرة عمومي مختلط ما بين سياسي وجنائي، إلا أن السجن يستقبل المحكوم عليهم بأحكام بسيطة، وارتبط اسمه بأول عملية إعدام امرأة في مصر، عندما تم بين جنباته تنفيذ حكم إعدام الأختين ريّا وسكينة، كما اشتهر السجن بأنه صاحب أول الإعدامات التي تمت عقب ثورة 1952، حيث شهد إعدام العاملين الشهيرين "مصطفى خميس ومحمد البقري"، في قضية تمرد عمال كفر الدوار، في سبتمبر/أيلول من نفس العام.
سجن طنطا العمومي
يقع سجن طنطا العمومي بشارع الإسكندرية، المتفرع من ميدان الإسكندرية بمدينة طنطا، التابعة لمحافظة الغربية، وسط المنطقة السكنية في طنطا، ولا تتوفر أي معلومات عن مساحة السجن الإجمالية، لكن قال سماسرة عقارات تواصل معهم "عربي بوست"، يبلغ سعر المتر في المنطقة المحيطة بالسجن حوالي 7000 جنيه للمتر المربع.
وتصل القيمة السوقية للأرض المقام عليها السجن بحسب السماسرة إلى نصف مليار جنيه، ويعد السجن واحداً من السجون سيئة السمعة في مصر من حيث معاملة المسجونين، وأغلبهم من الجنائيين، لكنه اشتهر قبل عام تقريباً عندما هرب منه 3 مدانين محكوم عليهم بالإعدام، قبل أن تتم استعادتهم بعد ساعات من هروبهم.
سجن المنصورة
يقع السجن في منطقة سكنية وتجارية على ناصية شارعي الجيش وعبد السلام عارف، بحي شرق المنصورة، التابع لمدينة المنصورة، عاصمة محافظة الدقهلية، على بعد مسافة بسيطة من نهر النيل، ولا يقل سعر متر الأرض في تلك المنطقة عن 20 ألف جنيه إذا وُجد، بينما تتخطى القيمة السوقية لأرض السجن الملياري جنيه.
وقد أعلنت محافظة الدقهلية بالفعل استغلال أرض سجن المنصورة العمومي لإنشاء 11 برجاً سكنياً بعدد 520 وحدة سكنية، ضمن أعمال التطوير الجارية بمشروع عواصم المحافظات، وخصصت المحافظة 22 فداناً بمنطقة قلابشو، بمركز بلقاس، لمصلحة السجون، لإنشاء سجن بديل عليها.
سجن شبين الكوم
يقع سجن شبين الكوم العمومي في عمق مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، وتحيط به منشآت حكومية حيوية، مثل مديرية الشؤون الصحية، ومديرية الزراعة، ومصلحة الطب الشرعي، كما تحيط به منطقة سكنية مزدحمة، وهو قريب من بحر شبين الكوم، الذي يعد أحد فروع نهر النيل، ويمر من وسط الدلتا ويمتد إلى مدينة طنطا شمالاً، ويصل سعر متر الأرض في تلك المنطقة إلى 15 ألف جنيه، بينما تُقدر القيمة السوقية للأرض المقام عليها السجن بحوالي مليار ونصف المليار جنيه.
سجن الزقازيق
يقع بجانب مستشفى الزقازيق العمومي، وسط منطقة سكنية عامرة، وسبق أن تقدمت نائبة برلمانية سابقة عن محافظة الشرقية في عام 2016 بطلب لنقل مقر السجن لخطورته على الأهالي المقيمين حوله، خصوصاً أنه لم يشهد أي صيانة منذ أكثر من 20 عاماً، ما أدى إلى انهيار أجزاء من المبنى.
ويصل سعر المتر المربع للأرض في المنطقة التي يقع فيها السجن إلى 20 ألف جنيه، وتقدر قيمته السوقية بما يفوق المليار و200 مليون جنيه.
سجن دمنهور القديم
يقع سجن دمنهور العمومي، الذي اشتهر باسم سجن الأبعادية، لكونه في منطقة الأبعادية، التابعة لمركز دمنهور بمحافظة البحيرة، ويعتبر من أكبر السجون المصرية، حيث تبلغ مساحته حوالي 43 ألف متر، ويصل سعر المتر في المنطقة المحيطة به إلى 3 آلاف جنيه، وتُقدّر القيمة السوقية للمكان بحوالي 130 مليون جنيه.
يضمّ السجن 12 عنبراً كبيراً (5 منها للمساجين السياسيين، و3 للسجناء الجنائيين، وعنبر للتأديب، و3 عنابر للنساء).
وكان السجن أحد محطات تجميع الشيوعيين في فترة حكم جمال عبد الناصر، كما استعملت وزارة الداخلية سجن دمنهور كمحطة لتجميع معتقلي الإخوان عام 1954، وظل السجن مقراً لأغلب قيادات الصفين الثاني والثالث بالجماعة الإسلامية منذ أواخر الثمانينات، ويعد عبود الزمر، وطارق الزمر، اللذان أُدينا بالضلوع في اغتيال السادات من أشهر نزلاء سجن دمنهور.
سجن المنيا العمومي
يقع سجن ليمان المنيا وهو سجن عمومي (شديد الحراسة) وسجن النساء، في دائرة قسم المنيا بالمنطقة المركزية بمركز المنيا، على مساحة تبلغ حوالي 126 ألف متر مربع، وتبلغ الطاقة الاستيعابية له نحو 15 ألف نزيل.
تقدر قيمة المتر الواحد في تلك المنطقة بحوالي 7 آلاف جنيه، بينما تصل القيمة السوقية للمكان كله إلى حوالي 900 مليون جنيه.
ومن الغريب قرار إغلاق السجن، رغم أنه حديث الإنشاء، حيث تم بناؤه عام 2014، بقرار وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، على الطراز الأمريكي الحديث، يتكون السجن الواحد من 9 عنابر، 8 للاحتجاز الجماعي، وعنبر للتأديب، كما توجد غرفة للمسجونين السياسيين، ويتراوح عددهم من 15 إلى 20 فرداً، وفي حالة التكدس يصل عددهم إلى 30 فرداً.
وحتى الآن لم يُقرَّر بشكل نهائي كيفية التصرف في تلك السجون، وهل ستتبع وزارة الداخلية وشركة التحسين للتنمية والاستثمارات التي وافق مجلس الوزراء على إنشائها، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي كشركة مساهمة تابعة لصندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة وأسرهم.
أم سوف تنتقل ملكيتها إلى صندوق مصر السيادي، مثل مبنى وزارة الداخلية القديم في منطقة لاظوغلي، القريبة من ميدان التحرير، وهناك مفاوضات تجري على أعلى المستويات لحسم الأمور بشكل نهائي.