على خُطى الجيش المصري الاستثمارية في العديد من المجالات، يسعى مسؤولو وزارة الداخلية في مصر للاستفادة من الأراضي الشاسعة المقام عليها عدد من السجون القديمة التي تقرر إغلاقها مؤخراً، بشكل استثماري، بحسب ما أعلن اللواء طارق مرزوق، مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية، ضمن خطة الوزارة بعدم تحميل الموازنة العامة للدولة أية أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، خصوصاً مجمع السجون الذي تم افتتاحه مؤخراً في وادي النطرون.
ومع بداية العام الجديد بدأ تنفيذ القرار الذي أعلنت وزارة الداخلية عنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بإحالة 12 سجناً قديماً إلى المعاش على أن تتم الاستفادة من الأراضي المقامة عليها تلك السجون، والتي يقع أغلبها في مناطق سكنية مرتفعة القيمة، وتضم قائمة السجون المحالة للمعاش كلاً من: استئناف القاهرة، ليمان طرة، القاهرة بطرة، بنها، الإسكندرية، طنطا العمومي، المنصورة، شبين الكوم، الزقازيق، دمنهور القديم، معسكر العمل بالبحيرة، والمنيا العمومي.
"عربي بوست" تواصل مع مسؤول في قطاع الحماية المجتمعية (الاسم الجديد لقطاع السجون سابقاً) لمعرفة تفاصيل عن السجون التي تقرر إغلاقها، وكيفية التصرف فيها.
توجُّه لتقسيم أراضي السجون القديمة بين الصندوق السيادي ووزارة الداخلية
أشار المسؤول إلى أن الأقرب للتنفيذ وفقاً لمعلوماته أن يجري تقسيم الأراضي الناتجة عن إغلاق السجون القديمة بين الصندوق السيادي وشركة التحسين للاستثمار، خصوصاً في ضوء التوجهات الجديدة للدولة المصرية لمختلف الوزارات بضرورة الاعتماد على نفسها في تدبير نفقاتها، وهي التوجيهات التي دفعت الوزارة لرفع رسوم كل الخدمات التي تقدمها مثل رسوم ترخيص السيارات ورخص القيادة ورسوم استخراج الشهادات المختلفة إلى آخره.
وأضاف أن هناك عدداً من المشروعات العقارية موجودة بالفعل لدى شركة التحسين في انتظار الحصول على الموافقات من السلطات العليا لبدء تنفيذها على الأراضي التي سوف يتم تخصيصها للشركة، مرجحاً أن تقام مشروعات عقارية مماثلة على كل الأراضي التي سوف يجري إخلاء السجون منها، بالنظر إلى مواقعها المتميزة في قلب المناطق العمرانية في المحافظات المختلفة، حيث انتهت الدراسات التي تمت في الوزارة حول الموضوع إلى أن استثمار تلك الأراضي في اقامة مشروعات عمرانية يحقق استفادة مزدوجة، منها المساهمة في حل مشاكل الإسكان في تلك المناطق عبر إقامة أبراج أو مجمعات سكنية مميزة، وكذلك الاستفادة من ارتفاع أسعار الأراضي في هذه المناطق لتحقيق أعلى ربح ممكن لصندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة، باعتبار أنه يتولى تمويل برامج الرعاية للضباط الحاليين والمتقاعدين بجانب المساهمة في توفير دخل لوزارة الداخلية تنفق منه على التزاماتها، ومنها كما قال مدير قطاع الحماية المجتمعية، الإنفاق على مجمعات السجون الجديدة بعيداً عن الموازنة العامة للدولة.
صندوق مصر السيادي وضع خطة للتصرف في أراضي السجون المغلقة بانتظار قرار تخصيصها له
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عقد اجتماعات غير معلنة مع وزير الداخلية محمود توفيق ووزيرة التخطيط هالة السعيد، وعدد من قيادات القوات المسلحة، لبحث طريقة استغلال أراضي ومنشآت السجون المركزية الكبرى التي سيتم إخلاؤها، مشيرة إلى وجود خلاف بين مسؤولي الصندوق من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى لرغبة الأول في الاستحواذ على كل السجون، بينما ترغب وزارة الداخلية في الاحتفاظ ببعضها، سواء لأغراض أمنية أو للاستفادة منها لحسابها الاستثماري الخاص.
مصدر مقرَّب من القائمين على صندوق مصر السيادي كشف في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" أنه قد طلب منهم قبل شهور إعداد تصور عن كيفية الاستفادة من أراضي السجون القديمة في بعض محافظات مصر، بما يتضمنه ذلك من وضع تقييم مالي لقيمة تلك الأراضي، وتصور للقيمة المالية التي يمكن جنيها في حالة البناء عليها وبيع وحدات سكنية سواء شقق أو فيلات.
وبسؤاله عن التقييمات المالية التي تم وضعها لتلك الأراضي رفض المصدر بشدة الإفصاح عنها خوفاً من أن يؤدي ذلك لكشف أمره، مكتفياً بالقول إن قيمة الأراضي التي أعدوا تقييمات لها تفوق الـ30 مليار جنيه مصري إذا تم بيعها كأراضٍ فقط، بينما يمكن الوصول إلى ضعف الرقم في حالة البناء عليها وبيعها كوحدات سكنية.
القيمة السوقية للأراضي المقام عليها السجون القديمة تتجاوز 30 مليار جنيه مصري
باحث اقتصادي في مركز حكومي للدراسات والأبحاث كشف في تصريحات لـ"عربي بوست" أن الخلافات المسربة بين مسؤولي الصندوق ووزارة الداخلية منطقية جداً في ظل القيمة السوقية للأراضي المقام عليها السجون القديمة، والتي قد تتجاوز 30 مليار جنيه مصري، وهي القيمة التقديرية التي وصلنا إليها في المركز، قابلة للزيادة أو النقصان خصوصاً في ضوء عدم إتاحة بعض التفاصيل المهمة في التقييم، مثل المساحة الإجمالية لكل السجون التي سيجري إغلاقها، والمشروعات المنتظر أن تقام عليها.
تتوفر معلومات عن بعض السجون وتغيب عن البعض الآخر، مشيراً إلى معلومة وصلت إلى المركز بأن أرض سجن ليمان طرة التي تطل في جانب منها على النيل في منطقة طرة الواقعة بين المعادي وحلوان على سبيل المثال لن تقل قيمتها السوقية عن 17 مليار جنيه مصري بسبب مساحة السجن التي تناهز 1.7 مليون متر مربع.
وأضاف أن المعلومات التي وصلتهم أن تلك المنطقة سوف تنضم إلى أراضي مصنع أسمنت طرة الذي تمت تصفيته العام قبل الماضي (2020)، بنيةِ استثمار مساحة أرضه قبل أن تؤجل الحكومة الأمر في سبتمبر/أيلول من العام المنقضي بدعوى اعتراض مجلس النواب، لكن هناك مَن سرَّب بأن التأجيل سببه الانتظار لإخلاء سجون ليمان طرة (المجمع يضم 5 سجون) لضم أرضه على أرض مصنع الأسمنت، وبالتالي توفير فرصة لإقامة مجمعات سكنية راقية بمواصفات أوروبية في تلك المساحة الهائلة.