إذا كنت تملك المال ولديك الطموح لدخول مجال رجال الأعمال في مصر، فعليك أن تبحث عن علاقة مع أحد كبار أو صغار المسؤولين في جهاز سيادي، أو وزارة الإنتاج الحربي، التي يفترض أنها وزارة مدنية، لكن تحمل صبغة عسكرية، حيث يتناوب على حقيبتها لواءات سابقون، آخرهم الراحل محمد العصار، الذي خرج من المجلس العسكري ليتولى حقيبة الإنتاج الحربي، حيث ظل بها حتى وفاته.
بدون دعم من أحد تلك الأجهزة المشار إليها، سيظل حلم أي رجل أعمال صغير أو كبير في الاستثمار في مصر مجرد حلم، لن يكتب له رؤية النور في المستقبل القريب على أقل تقدير، لأن الأجهزة السيادية باتت تتحكم في الاقتصاد والأعمال في مصر، مثلما تتحكم في العديد من المجالات الأخرى.
أثارت الصفقة التي لم تتم حتى كتابة هذه السطور حول استحواذ حديد عز، المملوكة لرجل الأعمال أحمد عز، المحسوب على جهاز أمن الدولة منذ أيام حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة المحسوب على المخابرات العامة في شركة حديد المصريين، الكثير من الجدل حول طبيعة علاقات رجال الأعمال في مصر بالأجهزة السيادية، وهو وصف اعتاد المصريون إطلاقه على 3 أجهزة أمنية ومخابراتية، هي (المخابرات العامة- المخابرات الحربية- جهاز الأمن الوطني).
مصدر أمني مصري كشف لـ"عربي بوست" أن ما يحدث في صفقة عز/أبو هشيمة يعكس صراع الأجهزة السيادية في مصر على السيطرة على رجال الأعمال الكبار والصغار، وهو صراع بلغ ذروته في السنوات الأخيرة.
فمع إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي أيدي الأجهزة السيادية والجيش في الاقتصاد، واحتكار المشروعات الكبرى، لم يعد بإمكان أي رجل أعمال مهما كان حجمه الحصول على حصة أو نصيب من تلك المشروعات إلا من خلال جهاز سيادي.
أحمد عز نقل ولاءه من الأمن الوطني إلى المخابرات
الإعلان عن الصفقة عز وهشيمة، وفق مصادر عربي بوست، تم بإشراف من المخابرات العامة، التي نقل أحمد عز ولاءه لها عقب الإفراج عنه عام 2014 بكفالة.
ومنذ نجح أبو هشيمة في كسب ثقة بعض مسؤولي الجهاز بالهدايا السخية، وكانوا هم من نصحوه بتمويل حملة إعلانية في نيويورك عام 2015، حملت عنوان "مصر الجديدة"، تزامناً مع وجود السيسي هناك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الخطوة التي نالت رضا السيسي نفسه وقتها، خصوصاً أنه قوبل وقتها بمظاهرات احتجاج متعددة، بسبب دوره في إزاحة الراحل محمد مرسي، الرئيس المنتخب بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وذلك بحسب ما كشف إعلامي اقتصادي مقرب من أبو هشيمة نفسه.
وعقب ذلك طلبت الأجهزة منه إنشاء شركة إعلامية تستحوذ على ملكية قناة أون تي في، من مالكها السابق نجيب ساويرس، وقامت المخابرات بتأمين نصف رأسمال الشركة التي أطلق عليها أبو هشيمة إعلام المصريين، تيمناً باسم شركة الحديد، التي كان يملكها، على أمل أن تكون الشركتان نواة لإمبراطوريته الاقتصادية التي ينوي إنشاءها، والتي كان قد بدأ قبل اندلاع ثورة يناير 2011 التخطيط لها بالفعل، بمباركة من أمن الدولة، الذي كان أبو هشيمة يتعاون معه بتوصية من والده لواء الشرطة السابق حمدي أبو هشيمة.
لسوء حظ أبو هشيمة تم تغيير أغلب قيادات المخابرات العامة في بداية عام 2018، مع إحالة رئيس الجهاز وقتها خالد فوزي للتقاعد، وسط شائعات انتشرت في أوساط رجال الأعمال والسياسة عن تورطه في تسهيل أعمال رجل أعمال سعودي (مثير للجدل) داخل مصر، وهذا السعودي تباهى في جلسات خاصة مع عدد من الإعلاميين المصريين أنه يدفع راتباً شهرياً ضخماً لفوزي، وهو ما عجّل بإحالته للتقاعد.
أبو هشيمة والمخابرات
وأضاف الإعلامي أن المسؤولين الجدد الذين جاءوا مع اللواء عباس كامل، المكلف من الرئيس بتسيير أعمال جهاز المخابرات، لم يكونوا على علاقة ودية مع أبو هشيمة، ربما لأنهم جاءوا من المخابرات الحربية التي يثق فيها السيسي ومن ثَم كامل ثقةً مفرطة، وهناك حساسية شديدة بين المخابرات العامة والحربية، وتنافس محموم قد يكون أبو هشيمة تورط فيه بشكل ما قبل تولي كامل رئاسة المخابرات العامة، ولذلك كان إقصاء أبو هشيمة على رأس جدول أعمال المسؤولين الجدد، فتم إجباره على التنازل عن حصته في إعلام المصريين، وظل في حالة بيات استثماري طوال 5 سنوات، لا يسمع عنه أحد إلا مرتين، الأولى عندما تزوج من الفنانة ياسمين صبري، والثانية عندما تم تسريب أخبار عن نية أحمد عز الاستحواذ على حصته في شركة حديد المصريين، لتكون تلك نهاية حقبة أبو هشيمة في الاقتصاد المصري، لكن من غير المرجح خروجه من المشهد كلياً، لأن هناك داخل الجهاز من لا يزال يراهن عليه ويستفيد منه بأشكال مختلفة، ولهذا هناك توقعات بأن يعود الحب من جديد بين أبو هشيمة والمخابرات العامة في المستقبل القريب.
رئيس جهاز أمن الدولة السابق شريك لرجل الأعمال السيد البدوي
مسؤول سابق بجهاز سيادي مصري كشف في اتصال مع "عربي بوست" بعض ملامح علاقة الأجهزة السيادية مع رجال الأعمال الكبار والصغار، فقال إنه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011، كان الجهاز السيادي الوحيد المتحكم في المشهد الاقتصادي هو الأمن الوطني، الذي كان يسمى في ذلك الوقت أمن الدولة، وكان أغلب رجال الأعمال الكبار في تلك الفترة يملكون صلات متشعبة مع مسؤولين في الجهاز، منها علاقات عمل وشراكة، مثلما حدث مع آخر رئيس لأمن الدولة في عهد مبارك (اللواء حسن عبد الرحمن)، الذي تم الكشف عقب ثورة يناير عن دخوله في شراكة استثمارية مع رجل الأعمال "السيد البدوي"، في مجال تصنيع وتوزيع الأدوية التي تخصص فيها البدوي، ومقابل تلك الشراكة تم التغاضي عن تقارير أمنية متعددة حول فساد رجال الأعمال وبعضها، يشير إلى أن صيدليات ومصانع البدوي تخصصت في ترويج مخدر الترامادول في السوق المصرية، وطبعاً لم يتم اتخاذ أي إجراء للتأكد من جدية تلك التقارير من عدمه، لأنها في الغالب كانت ستقود إلى رئيس أمن الدولة نفسه.
ويضيف: لكن الوضع وطبيعة العلاقات بين أمن الدولة ورجال الأعمال في عصر مبارك كان مختلفاً عن الوضع السائد حالياً، ففي ذلك الوقت كان أمن الدولة يراقب ويبارك تحركات رجال الأعمال أو يتحفظ على أنشطتهم، وكان ذلك في الغالب له مقابل.
كما كان بعض رجال الأعمال الكبار مثل نجيب ساويرس ومحمد أبو العينين وأحمد عز قبل تحول ولائه إلى المخابرات العامة، وشفيق جبر، لهم نفوذ داخل الجهاز من خلال مسؤولين وضباط من أصحاب الرتب المتوسطة، يسيطر عليهم رجال الأعمال بالرواتب والهدايا الثمينة، بحيث كان الضباط الموالون لهم لا ينقلون فقط أخبار الجهاز وتحركاته فيما يخصهم، بل كانوا أحياناً يعدون تقارير موجهة تصب في صالح رجل الأعمال هذا أو ذاك، لحث الحكومة على اتخاذ قرارات بتسهيل عمل رجل الأعمال أو وضع عراقيل أمام عمل رجل أعمال منافس وهكذا.
أما الآن -يكمل- فقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً، حيث تسيطر الأجهزة السيادية على المشروعات الكبرى ومفاتيح الاقتصاد في البلاد، وتمنح من تشاء من رجال الأعمال انصبة متباينة من تلك المشروعات بنظام "مقاول الباطن".
ويفسر الرجل في هذا الإطار عمليات الإطاحة بعدد من رجال الأعمال البارزين في السنوات الأخيرة، خارج المشهد الاقتصادي بالكامل، وأحياناً يصل الأمر إلى القبض على بعضهم والتشهير بهم إعلامياً بشكل علني، حيث يقول إن ما يحدث هو انعكاس لانتصار جهاز سيادي على آخر يتبع له رجل الأعمال المقبوض عليه.
المخابرات الحربية تعيد هشام طلعت مصطفى إلى المشهد وتستعرض عضلاتها بالتضييق على صلاح دياب
من هؤلاء صلاح دياب، صاحب المشروعات المتنوعة، مثل مدينة نيو جيزة، وشركة بيكو للاستصلاح الزراعي، وعشرات المشروعات الأخرى، ومنها جريدة المصري اليوم، التي تم إجباره على التنازل عنها قبل شهور قليلة، بعد سلسلة من الملاحقات الأمنية لأسباب متباينة، مشيراً إلى أن تقلص إمبراطورية صلاح دياب وراءها المخابرات الحربية، التي أرادت استعراض عضلاتها على جهاز أمن الدولة، الذي كان يحمي دياب منذ عقود، وفي نفس الوقت إرسال رسالة لباقي رجال الأعمال المستمرين من عصر مبارك، بأن التحالفات الجديدة والولاء الجديد يجب أن يكون للمخابرات وليس لأمن الدولة.
في المقابل، يرى المصدر أن نفس المنهج يفسر عودة رجال أعمال عصر مبارك إلى المشهد من جديد، رغم تورطهم في قضايا متنوعة تمس الشرف والنزاهة، ومنهم بجانب أحمد عز، رجل المقاولات هشام طلعت مصطفى، صاحب المشروعات السكنية الشهيرة، مثل الرحاب ومدينتي، والذي تم الحكم عليه بالإعدام بعد إدانته في التحريض على مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم عام 2008، ثم تم تخفيف الحكم إلى الحبس 15 عاماً، قبل العفو عنه عام 2020، دون أن يكمل مدة العقوبة.
وفي هذا الصدد، يقول المصدر إن جهاز المخابرات الحربية هو من يقف وراء الإفراج عن هشام طلعت مصطفى، بعد مفاوضات طويلة قام بها أحد محاميه المعروفين بعلاقتهم مع الأجهزة السيادية، ويرجع سبب الإفراج عنه إلى اقتناع مسؤولي المخابرات بأن هشام هو الوحيد الذي يستطيع إنجاز الأعمال الإنشائية في العاصمة الإدارية بالكفاءة التي يطمح إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي المواعيد المحددة، أو على الأقل في مواعيد قريبة منها، بعد أن كادت الأمور تخرج عن السيطرة نتيجة عجز الهيئة الهندسية التي تشرف على أغلب المشروعات الإنشائية في العاصمة الإدارية عن إنجاز الأعمال المطلوبة في أوقاتها المحددة، بجانب كثير الملاحظات السلبية التي أبداها السيسي على ما تم إنجازه في زياراته المتكررة للعاصمة الإدارية لمتابعة أعمال الإنشاءات.
وكان التفاوض يجري على أساس الإفراج مقابل الإنشاءات، أي أن يدعم جهاز المخابرات الحربية صدور عفو عن هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري، المتهم بتنفيذ عملية القتل عام 2020، مقابل أن تتولى شركته بعض أعمال الإنشاءات في العاصمة الإدارية، دون أن يكلف ذلك الدولة تكاليف مالية إضافية، وهو ما تم التوافق عليه بالفعل، وخرج هشام ونجح في تنفيذ مراحل متقدمة من المشروعات في العاصمة الإدارية دون أن يتقاضى أتعاباً على ما قامت به شركته، وكوفئ على إنجازه بالحصول على أرض مشروع نور، على مساحة 5000 فدان بمدينة حدائق العاصمة، أمام العاصمة الإدارية، وسط توقعات بأن تصل المبيعات الإجمالية لمدينة نور لنحو 800 مليار جنيه، كما جرت حملة إعلامية لتلميع صورته أمام الرأي العام، من خلال الظهور في أكثر من برنامج جماهيري، أبرزها مع عمرو أديب، المعروف بعلاقاته القوية مع الأجهزة السيادية.
المخابرات الحربية ترسل رجل أعمال للسجن لرفضه التعاون استجابة لنصيحة من المخابرات العامة
المشكلة التي تربك أغلب رجال الأعمال في الوقت الحالي هي الصراع الشرس بين الأجهزة السيادية، التي تجعل ولاء رجل أعمال لجهاز منها كأنه يحمل قنبلة منزوعة الفتيل، ويروي رجل أعمال من الفئة المتوسطة في هذا الشأن قصة غريبة، أنه كان يتعاون مع المخابرات العامة في أنشطتها، وحدث أن تلقى قبل فترة استدعاء من المخابرات الحربية، حيث أبلغه أحد المسؤولين هناك بأنهم يريدون تعاونه معهم في مشروعات تنفذها المخابرات الحربية، فما كان منه سوى أن طلب يوماً واحداً لتدبر الأمر، قبل أن يرد عليهم، وبمجرد خروجه من مكتب المسؤول اتصل بضابط المخابرات العامة الذي يتعاون معه، فنصحه الأخير بالاعتذار، لأن ذلك سيغضب كبار المسؤولين في المخابرات العامة، ونفذ رجل الأعمال الشاب النصيحة بالفعل، لكنه دفع ثمناً غالياً، حيث قام مسؤول المخابرات الحربية بتوريطه في قضية فساد مالي ملفقة (على حد تعبيره)، ودخل السجن عدة شهور قبل أن يخرج بعفو، ويقول إنه منذ خروجه من السجن لا يعمل تقريباً، وهو يفكر بجدية الآن في تصفية كل ما يملكه داخل مصر والهجرة إلى أي بلد أوروبي للعيش هناك، بعيداً عن "لعب الأجهزة السيادية" بمصائر رجال الأعمال حسب وصفه.
توسعات عائلة السويدي خارج مصر مهّدت لعلاقة منفعة متبادلة مع المخابرات العامة
باحث اقتصادي كشف لـ"عربي بوست" أن من بين رجال الأعمال الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة مع المخابرات العامة المصرية، اثنان من عائلة السويدي، التي تملك شركة السويدي إليكتريك، التي تعد أكبر وأهم شركة مجال صناعة المعدات الكهربائية والإلكترونية في مصر، وهما الشقيقان صادق وأحمد أحمد صادق السويدي، اللذان يتشاركان مع بقية أشقائه وعدد من أفراد العائلة الآخرين في ملكية شركة السويدي إليكتريك، لكنهما يحتفظان بمفردهما بأكثر من 50% من أسهم الشركة بواقع 25.02% لصادق و25.01% لأحمد.
وعن طبيعة تلك العلاقة وكيفية تكونها وتأثيرها على أعمال الشركة، قال المصدر أن العلاقة تكونت بحكم الظروف، حيث لم يسع إليها الشقيقان، ولكن بحكم توسع أعمال الشركة في العقد الأول من القرن الحالي وامتلاك مصانع في عدد من الدول، مثل الجزائر وإثيوبيا وغانا وإيطاليا ونيجيريا وقطر وإسبانيا واليمن والسودان وزامبيا، كان على المخابرات العامة التواصل مع الشقيقين السويدي، والاحتفاظ بعلاقات ودية معهما، وهو إجراء روتيني متبع في المخابرات منذ ستينات القرن الماضي، مع كل الشركات التي لديها أعمال ومصالح في دول أجنبية، حيث كان للجهاز علاقات قوية مع شركة المقاولون العرب للإنشاءات وشركة النصر للاستيراد والتصدير.
وأضاف المصدر أن علاقة مالكي شركة السويدي مع المخابرات يمكن وصفها بشكل مختصر بأنها علاقة "منفعة متبادلة"، وقد أمّنت للشقيقين النجاة من كل العقبات والمشاكل التي سعى البعض، سواء من المنافسين أو أجهزة أمنية لوضعها في طريقهما، كما حافظت للشقيقين على حصة معقولة في سوق العمل المحلية، حيث حصلت شركة السويدي للإليكترونيات على بعض العقود المربحة في المشروعات التي يشرف عليها الجيش المصري في العاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها في السنوات الخمس الأخيرة، وهي واحدة من شركات عملاقة قليلة مستمرة من عصر الرئيس الراحل حسني مبارك، حافظت على تواجدها في السوق، بعد تولي السيسي مهام الرئاسة.
ويختتم المصدر بقوله إنه على الرغم من أن إحدى المزايا التي حصل عليها الشقيقان السويدي من علاقتهما مع المخابرات هي الاستمرار في السوق المحلي بنفس القوة بعد ثورة يناير 2011، إلا أنهما فيما يبدو أدركا أن الأمر يحتاج منهما لقدر من التأمين الاستثماري، فقاما بتوسيع محافظهما الاستثمارية في الخارج على حساب الاستثمار في الداخل، فمثلاً في العام 2006 كان 80% من أصول الشركة موجودة في مصر و20% في الخارج، لكن في عام 2015 تغير الأمر ليصبح 56% فقط من أصولها في مصر و44% في بلدان أخرى.
ساويرس والأمن الوطني يلعبان معاً لعبة "غرام الأفاعي"!
جهاز الأمن الوطني الذي اعتاد أن يلعب مع ساويرس لعبة "غرام الأفاعي" حين تسعى كل أفعى للسع الأخرى، ليس لقتلها، ولكن لشلّ حركتها لفترة من الوقت.
إعلامي مصري عمل مسؤولاً إعلامياً لساويرس قبل فترة، قال لـ"عربي بوست"، إن أبرز ما في علاقة ساويرس والأمن الوطني أو أمن الدولة سابقاً أن كلا الطرفين لا يحبان بعضهما، ويعرف كل طرف أن الآخر لا يريده على وجه الأرض، ومع ذلك فإن أي من الطرفين لا يستطيع ولا يريد محو الآخر رغم الفرص العديدة التي أتيحت لكليهما لفعل ذلك.
وأضاف أن الأمن الوطني يعرف أن لساويرس فوائد عديدة، يمكن جنيها من ورائه، مثلما حدث وقت حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، حين شكّل ساويرس رأس الحربة في الجبهة المناوئة للرئيس، فكان يجاهر بانتقاداته لجماعة الإخوان المسلمين، والمعسكر الإسلامي عموماً، خصوصاً بعد الإعلان الدستوري المُثير للجدل، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، حيث أعرب ساويرس عن معارضته في أجهزة الأعلام التي يملك، ومن خلال حزبه السياسي "المصريون الأحرار"، الذي كانت تموّله أوراسكوم، وهي معارضة كان لها صدى واسع في الخارج، بحكم علاقات ساويرس المتعددة.
هذه العلاقة كان يجب أن تكون لها منافع يجنيها ساويرس في المقابل حتى يكون لديه الحافز للحفاظ عليها، وقد أمنت له العلاقات مع أمن الدولة عقوداً ضخمة في المشروعات التي يشرف عليها الجيش، بتوصية مشددة من الأمن الوطني، وتزكية من المخابرات التي تملك علاقات تواصل مع ساويرس بحكم امتلاكه شركات خارج مصر، فتم التعاقد مع شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، في عام 2014، لبناء المقر الجديد لوزارة الداخلية في العاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة مليار جنيه مصري، وأيضاً لحفر ستة أنفاق في أسفل قناة السويس، وهنا تجدر ملاحظة السمة الأمنية الواضحة في تلك المشروعات، والتي تدل على الثقة المفرطة من الدولة في نجيب ساويرس، رغم التوتر الذي يشوب العلاقة بين النظام وعائلة ساويرس.
هذا التوتر يظهر في مناطق أخرى، منها مثلاً إبعاد نجيب ساويرس عن حزب المصريين الأحرار، الذي أسّسه وموّله حين ألغى الحزب مجلس الأمناء الذي كان ساويرس عضواً فيه، وعلمت (الكلام للإعلامي) أن الأمن الوطني كان هو من دبر هذا الانقلاب الداخلي على نجيب، للحد من نفوذه السياسي و"قرص أذنه"، بسبب عناده في عدم التقارب مع السلطة، وتفضيل البقاء كقوة معارضة في البرلمان، خصوصاً أن الحزب كان يملك 10% من المقاعد في انتخابات 2015، وقيل وقتها إن ساويرس كان يحاول إغراء بعض النواب بالمال للانضمام للحزب، من أجل الحصول على أغلبية برلمانية تتيح له تشكيل الحكومة.
كما انعكس التوتر في إجبار ساويرس على بيع قناة أون تي في، التي كان يملكها، ويمنح المجال فيها لعدد من المذيعين المغضوب عليهم أمنياً، مثل يسري فودة، وليليان داوود، لانتقاد الحكومة والنظام، حيث تم نقل ملكية القناة إلى شركة إعلام المصريين كما يعلم الجميع.