منذ أيام، قامت عاصفة في مصر على رجل الأعمال نجيب ساويرس ولم تهدأ، بسبب انتقاده تدخل الجيش في المنافسة على تنفيذ المشروعات التي يراها ساويرس غير عادلة، كون الجيش لا يدفع ضرائب ولا جمارك بعكس القطاع الخاص.
أكد ساويرس في تصريحاته أنه يتجنب الدخول في تلك المشروعات لأنه لا يستطيع منافسة هذه الشركات، ليظهر هاشتاغ ضد رجل الأعمال المصري لتسجيل كل مساوئه ومخالفاته من وجهة نظر المشاركين.
وشنّت كثير من المنابر الإعلامية التي تمتلكها الشركة المتحدة للإعلام المملوكة لجهاز المخابرات المصري، هجوماً عنيفاً ضد رجل الأعمال، وبدأت في فتح بعض ملفات الفساد التي ارتكبها، بحسب ما ذكره إعلاميون معروفون بولائهم للأجهزة الأمنية في مصر.
وشنّ الإعلامي والنائب البرلماني مصطفى بكري حملة بدأها بعدة تغريدات طالب فيها ساويرس بالتوقف عن التشكيك والتحريض ضد الدولة وتعمد الإساءة إلى دور القوات المسلحة في التنمية، لأن الجيش ينتج ويصنع لصالح الشعب المصري، أما الآخرون -ومنهم ساويرس- فلا هَم لهم إلا "التكويش" على كل شيء، حسب وصفه.
ثم تطورت الحملة إلى تحريض الجهات الرسمية في الدولة على ساويرس، زاعماً أنه لا يحاسب على مخالفاته، وأنه بهذا الشكل يكون فوق القانون.
وبالمثل قام أحمد موسى ونشأت الديهي بإحياء ملف مشروع "زد" في مدينة الشيخ زايد وضاحية التجمع الخامس الذي تشوبه المخالفات.
الهجوم الإعلامي للضغط على رجال الأعمال
عضو سابق في حزب المصريين الأحرار التابع لنجيب ساويرس، علّق على حملة الانتقاد المتبادلة بين ساويرس والنظام المصري قائلاً لـ"عربي بوست" إن توجيه الإعلاميين المقربين من الأجهزة الأمنية للهجوم على رجل أعمال في وقت ما، أصبحت حيلة مكشوفة من النظام حين يريد الضغط على رجل الأعمال للتبرع لصندوق تحيا مصر، أو التخلي عن بعض أصوله لصالح الدولة، أو الامتناع عن انتقاد الدولة، سواء بشكل شخصي أو من خلال المنابر الإعلامية التي يمتلكها.
وقال إن هذا التعامل تكرّر من قبل مع رجال أعمال مختلفين منهم صلاح دياب، الذي تعرّض للسجن أكثر من مرة لأسباب واهية، حسب وجهة نظره، كان آخرها الاستيلاء على أراضٍ ملك الدولة، وبناء مصانع عليها بدون ترخيص، وكأنه كان يبني مصنعه دون أن تراه وتوافق عليه الأجهزة المعنية، وكان الهدف وقتها أن يتنازل عن ملكية جريدة المصري اليوم التي رأت الأجهزة الأمنية أنها تشكل إزعاجاً لها.
كما أن نجيب ساويرس نفسه تعرض لموقف مشابه قبل 5 سنوات تقريباً حين أرادت المخابرات شراء قناة OTV التي كان يملكها في ذلك الوقت، وكانت تقدم برامج لمذيعين على غير هوى النظام، مثل يسري فودة وليليان داود.
فقامت الأجهزة بتسجيل بعض جلسات الملياردير الخاصة مع ليليان داوود في منزلها (كانا صديقين مقربين وكان يزورها للدردشة)، وواجهته الأجهزة بما قاله في تلك الجلسات عن الدولة والسيسي، مما يمكن أن يعرضه للسجن والتضييق على أعماله، ثم عرضت عليه شراء القناة فوافق وتم البيع بالفعل.
وعن تفسيره لخضوع ساويرس في تلك المرة لإرادة الدولة واضطراره لبيع القناة رغم تباهيه المستمر بأن "أحداً في مصر لا يقدر عليه"، قال العضو السابق بالحزب إن ضباط الأجهزة الأمنية ظنوا أنهم تلاعبوا بساويرس وقتها وأجبروه على بيع القناة.
وأضاف "لكن في حقيقة الأمر -وكنت قريباً منه وقتها- كان البيع يعكس دهاء الملياردير لأنه كان ينوي بيع القناة بالفعل، وحاول عرضها، لكنه لم يحصل على المقابل المناسب، ورأى في مجموعة الضباط الذين فاوضوه سذاجة تفاوضية جعلته يحصل على نصف مليار جنيه سعراً للقناة، بينما كان أعلى سعر تلقاه قبل ذلك لم يتجاوز 135 مليوناً".
نجيب ساويرس وعلاقاته مع أمريكا
إعلامي مصري عمل مستشاراً إعلامياً لحزب المصريين الأحرار الذي أسسه نجيب ساويرس، عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وعمل بالقرب من الملياردير المصري شخصياً لفترة، قال لـ"عربي بوست" إن من لا يتابعون مسيرة ساويرس المهندس في الإلكترونيات ورجل الأعمال الباحث -بعكس باقي أشقائه- عن دور سياسي وثقافي يتجاوز حدود رجال الأعمال، ربما لن يلاحظوا حالة الشد والجذب المستمرة في علاقته مع كل الأنظمة التي توالت على حكم مصر، بداية من الرئيس الراحل حسني مبارك، وصولاً إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وأوضح أنها حالة يرى متابعون أنها متعمدة من جانب ساويرس، الذي يتعامل مع الحكومات والأنظمة المصرية بـ"قلب جامد"، كونه مستنداً على دعم أمريكي غير محدود.
عائلة ساويرس منذ عهد الأب أنسي، الذي أسس شركة للمقاولات في خمسينيات القرن الماضي أممها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ارتبطت بعلاقات مميزة وغير واضحة المعالم مع جهات أمريكية، أبرزها وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، عبر شركة أوراسكوم، التي أسسها أنسي في منتصف السبعينات من القرن الماضي، عقب عودته إلى مصر بعد وفاة عبد الناصر، وترحيب سلفه أنور السادات بتوسيع أنشطة القطاع الخاص فيما عرف بسياسة الانفتاح الاقتصادي.
وتعد شركة "كونتراك" التي أسسها نجيب في أمريكا عام 2005، واحدة من شركات قليلة جداً لها الحق في تنفيذ مشروعات ذات طابع "عسكري"، عبارة عن مهابط للطائرات، ومراكز للجنود وتوزيع الذخيرة، ونقاط لتوزيع الوقود، ومراكز لخدمات الطائرات وصيانتها، وتوسعة مركز القيادة البحرية، في الكثير من الدول كأفغانستان والبحرين وبلجيكا لصالح وزارة الدفاع الأمريكية، وهي أعمال لا تُسند في العادة لشركات يملكها أشخاص مجنسون مثل نجيب، الذي حصل على الجنسية الأمريكية بعد تأسيسه شركة كونتراك بفترة بسيطة.
يُذكر أن ساويرس كوّن ثروته من الاستثمار في مجال الاتصالات تحديداً، حيث كان يملك شبكات للهواتف الجوالة عبر شركته أوراسكوم تيليكوم هولدينغ في دول مثل بنغلاديش والعراق وباكستان، وحصل على رخصة الاتصالات العاملة الوحيدة في كوريا الشمالية، وقد أمن له الاستثمار في مجال الاتصالات -بحسب ما قال الإعلامي- علاقات قوية ومتشعبة مع جهات سيادية ومسؤولين وبرلمانيين في كل الدول التي عمل بها، بحكم حساسية مجال الاتصالات وما يؤمنه للقائمين عليه من معلومات، بعضها يرقى إلى مستوى "عالي السرية"، رافضاً أن يقدم المزيد من التفاصيل حول ذلك الأمر.
علاقة نجيب المتناقضة مع النظام المصري تعكس شخصيته الحقيقية
باحث سياسي بأحد مراكز الأبحاث الاستراتيجية في مصر علق على علاقة نجيب ساويرس المرتبكة مع السلطة المصرية، معتبراً أنها انعكاس لشخصية الملياردير نفسه المتناقضة، فهو من سفراء مبادرة حياة كريمة، ويعلن حرصه على حقوق العمال والفقراء، بينما أثار الدنيا ضده عندما دعا في تصريحات متلفزة بعودة العمال والموظفين إلى أعمالهم في ذروة تفشي فيروس كورونا، معتبراً أن رجال الأعمال "حالهم واقف" وأن الأعمار بيد الله.
وساويرس ليس معارضاً، لكنه في نفس الوقت لا ينضم إلى الحزب الحاكم، يرفض الحكم العسكري، لكنه يرحب بوجود "المشير" عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، ينتمي إلى أسرة تمثل اليمين المحافظ دينياً واقتصادياً وسياسياً، لكنه يحرص على التقرب من اليسار المصري، مؤخراً عاد ساويرس المولود عام 1955 والذي يعد أحد أكبر أغنياء القارة الإفريقية وثاني أثرياء مصر بعد شقيقه ناصف، بثروة تبلغ حوالي 3.2 مليار دولار لانتقاد النظام المصري علناً، بحسب ما جاء في تصريحاته لوكالة فرانس برس الفرنسية للأنباء التي قال فيها إن "الشركات المملوكة من طرف الدولة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو رسوماً جمركية، عكس الشركات الخاصة، وهذا ما يجعل الفرص غير متكافئة بين القطاعين، مؤكداً أنه لا يدخل في عروض تشارك فيها شركات حكومية "إذ إن ساحة اللعب لا تكون متكافئة".
في تفسيره لسر الانقلاب المفاجئ بعد فترة من التقارب الظاهري بين ساويرس ونظام السيسي، قال الباحث إن من يظن أن علاقة نجيب مع النظام يمكن أن تكون ودية في أي فترة لا يعرف أصول اللعبة السياسية في مصر، فشعار النظام السياسي القائم حالياً هو "لا أمان دائماً لأحد"، وإنما تتحدد العلاقات بين النظام ورجال الأعمال بحسب مجموعة من الاعتبارات، منها الدعم الذي يقدمه رجل الأعمال للنظام، سواء كان مادياً في صورة تبرعات لصندوق تحيا مصر الذي يشرف عليه السيسي شخصياً ولا يعرف أحد إلا قلة من المحيطين به تفاصيل عنه، أو إعلامياً في شكل تمجيد إنجازات الرئيس والدفاع عن أجهزته مثلما يفعل رجل الأعمال محمد أبو العينين، صاحب مجموعة سيراميكا كليوباترا في قناته "صدى البلد".
أقصى ما يستطيعه النظام "قرص أذنيه"!
مصدر أمني كشف لـ"عربي بوست" أن مشكلة ساويرس الرئيسية مع النظام الحالي أنه يريد اللعب مع النظام بشروطه هو، وهو أمر غير مقبول، لا من نظام السيسي ولا كان مقبولاً من نظام مبارك، رغم أن نجيب كان أحد المقربين منه وأحد كبار المستفيدين في عصره، لذلك تتسم علاقة النظام معه بالشد والجذب، مضيفاً أن الفرق بين أيام مبارك والآن أن في السابق كان يدير المشهد سياسيون محنكون يعرفون كيفية إدارة الأزمات والعلاقات مع رجال الأعمال، خصوصاً ممن لديهم ارتباطات بالخارج مثل ساويرس، أما الآن فالمشهد كله يدار من خلال مجموعة من الهواة، ولذلك تكثر الصدامات.
وحول احتمالات تعرض نجيب لمصير صلاح دياب، رجل الأعمال الذي يملك علاقات قوية مع جهات أمريكية مثل ساويرس، استبعد المصدر احتمالات القبض على الملياردير أو محاكمته لأكثر من سبب، أن نجيب لديه شراكات تجارية مع مؤسسات سيادية في الدولة، بعكس صلاح دياب، كما أن علاقاته مع الأمريكان أقوى وأعمق وأكثر تشابكاً من دياب، وهو ما يجعله بعيداً نهائياً عن احتمالات المساءلة القانونية مثلما كان بعيداً طوال السنوات الماضية.
وأضاف قائلاً إن أقصى ما يستطيعه النظام هو "قرص أذنه" مثلما حدث قبل شهور، عندما أسند مناقصة دولية للتعدين لشركة Barrick Gold الكنديّة، التي تعد الأكبر من نوعها عالمياً في إنتاج الذهب، حيث تستثمر الشركة الكندية للمرة الأولى في مصر في البحث عن الذهب في 19 قطاعاً جديداً بالصحراء الشرقية بإجمالي استثمارات يقدر بنحو 8.8 مليون دولار، وفقاً لموقع الهيئة المصريّة العامة للثروة المعدنية.
ويعد الاتفاق مع الشركة الكندية ضربة موجعة لساويرس، الذي راهن على التنقيب عن الذهب في مصر من خلال شركة AKH Gold، التابعة لشركة Altus Strategies، التي يمتلك ساويرس معظم أسهمها، وبعدما كان قريباً من الاستحواذ على حصة كبيرة في شركة شلاتين الحكومية للتعدين والتنقيب عن الذهب، قبل أن يعلن المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية في مصر وقف المحادثات، دون إبداء أسباب، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020.
وأرجع الباحث عمق الضربة التي وجهها النظام لساويرس إلى أن نجيب رفع استثماراته في الذهب، الذي يعتبره ملاذاً آمناً للمستثمرين في أوقات اضطرابات السوق، ليستثمر فيه ثروته الكاملة تقريباً، خصوصاً بعد أن تم وعده بالحصول على عقود بإجمالي استثمارات بنحو 4.1 مليون دولار للتنقيب عن الذهب في 9 قطاعات في الصحراء الشرقية المصرية، قبل أن يتخلى عنه النظام ويعلن تمديد المناقصة لمدة 60 يوماً إضافية، أسفرت عن دخول الشركة الكندية للمناقصة والفوز بها.
إعلاميو الجهات الأمنية في مصر يبدأون حملة للتحريض على ساويرس
المفارقة، بحسب تصريح مستشار سابق بمجلس الدولة من سكان مدينة زايد، هي فتح النار عليه بسبب مشروع زد تحديداً، ومخالفاته تمت برعاية كاملة من الدولة وأجهزتها المعنية، التي تجاهلت كل الشكاوى لوقف المشروع، بسبب مخالفته لقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، حيث قام ساويرس من خلال شركته أورا للتطوير العقاري بتشييد أبراج تصل ارتفاعاتها إلى 20 طابقاً، بالمخالفة للقانون الذي يمنع منح تصاريح للبناء أعلى من 4 أدوار.
وتجاهلت الشرطة وجهاز مدينة الشيخ زايد وحتى رئاسة الجمهورية الشكاوى التي قدمها الآلاف من سكان زايد، فضلاً عن تحرير محاضر رسمية في أقسام الشرطة ضد المشروع، كما تجاهل البرلمان المصري طلبات الإحاطة التي قدمها عدد من النواب لوقف تنفيذ المشروع، لأنه سيؤثر بالسلب على البنية التحتية للمدينة وما سوف يسببه من اختناقات مرورية وتكدس للسيارات.
لكن فجأة دبّ الحماس في أطراف الإعلاميين المحسوبين على الأجهزة الأمنية، فقال أحمد موسى إنه تلقى شكاوى عديدة من سكان مدينة الشيخ زايد، التابعة لمحافظة الجيزة جنوب العاصمة المصرية، من تغيير أبراج زد الشيخ زايد لطبيعة المنطقة الهادئة، وعدم تجاوب سلطات المدينة مع شكواهم المتكررة من تأثير مشروع ساويرس السلبي على المدينة، علماً أن الحملة الجماهيرية ضد بناء الأبراج بدأت قبل حوالي 4 سنوات، وقبل البدء في المشروع نفسه، لكن أُذن أحمد موسى ونشأت الديهي وغيرهما من الإعلاميين الأمنيين لم تكن تصغي وقتها إلى تلك الشكاوى.