يوآف غالانت.. شبيه شارون الذي صعد على دماء الفلسطينيين، أراد إبادة غزة فسقط

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/03 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/03 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
يوآف غالانت - shutterstock

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لم يظهر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل إقالته، يوآف غالانت، إلا بزيٍّ واحد يعكس سوداوية روحه وهزيمته. قميص أسود بأزرار سوداء، مفتوح بما يكفي ليكشف عن قميص داخلي من ذات اللون، سروال عسكري داكن مشدود بحزام نايلون أسود، وحذاء رسمي. فرغم جرائم جيشه التي قتلت أكثر من 50 ألف مدني في غزة وتدمير المدينة التي لطالما تاق لمحوها من الوجود، لم يحقق غالانت ما أراد. من هو يوآف غالانت؟ وكيف صعد ليصبح من أبرز وجوه السياسة والعسكرة الإسرائيلية؟ وما الأهداف التي سعى لتحقيقها بإبادة غزة؟

يوآف غالانت 

"إنه صهيوني للغاية. عندما يكتب شيئاً ما، يكون هناك دائماً علم إسرائيل في النهاية. دائماً – دائماً"، هكذا وصف أحد أصدقائه يوآف غالانت، الاسم الذي يحمل إرثاً دموياً مرتبطاً بـ"عملية يوآف"، التي نفذتها القوات الصهيونية في صحراء النقب عام 1948.

كان والده، مايكل، أحد المشاركين في تلك العملية، ومن هنا يبدأ خيط الرواية الذي شكّل مسيرة حياة غالانت، وجعله رمزاً للحروب الإسرائيلية.

ولد غالانت عام 1958 في يافا، لأب وأم بولنديين نجوا من الهولوكوست. والدته، فروما، كانت واحدة من اللاجئين على متن سفينة "إكسدوس"، بينما أصبح والده مايكل قناصاً في جيش الاحتلال الإسرائيلي وأحد الحائزين على شهادة تفوق عسكرية.

مسار غالانت العسكري 

تخرج غالانت في جامعة حيفا بشهادة في الاقتصاد وإدارة الأعمال، لكنه سرعان ما تحول إلى المسار العسكري. التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية عام 1976 في وحدة الكوماندوز "الأسطول-13" التابعة للبحرية الإسرائيلية، وهي الوحدة التي نفذت عدداً من العمليات العسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.

وبعد تسريحه من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد أن قضى فيها 6 سنوات، اتجه إلى ألاسكا حيث عمل حطّاباً (قاطع أخشاب) لمدة عامين قبل أن يعود ليكمل مسيرته العسكرية.

في عام 1986، عُيّن غالانت قائد سرية، ورُقّي إلى رتبة مقدم، ثم تدرج بعد ذلك سريعاً في المناصب العسكرية. في أوائل التسعينيات، صار قائداً لواء جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين بالضفة الغربية، قبل أن يصبح القائد الأعلى لوحدة الكوماندوز البحرية "شيطت 13" في عام 1992، وفي العام التالي انتقل إلى القوات البرية. وفي عام 1997 تولى قيادة قطاع غزة، وتدرجت مسؤولياته صعوداً فيما بعد حتى حصل على رتبة جنرال عام 2002.

وفي العام نفسه أصبح السكرتير العسكري لرئيس الوزراء أرئيل شارون. ربطته علاقة قوية بشارون، حيث وصفه أحد العاملين معه: "كان غالانت يشبه شارون في عناده. كلاهما مزارعان، وكلاهما لا يتراجع عن إيمانه بما يراه صواباً".

ووفقاً لمجلة تابلت اليهودية، لم يكن يرى غالانت أن أوسلو بمثابة مقدمة لحل نهائي، وعندما تولى قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي عام 2005، كان واضحاً أنه لا يؤمن بالسلام. إذ رفض التصورات التي كانت تعتقد أن انسحاب الاحتلال من غزة قد يحوّل القطاع إلى "سنغافورة الشرق الأوسط". ويتذكر هاريل كنافو، الذي كان رئيس أركان غالانت أثناء توليه منصب رئيس القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك: "قال غالانت: لا. نحن ذاهبون إلى زمن الحرب".

وبالفعل قاد غالانت عملية "الرصاص المصبوب" بين ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، التي مثلت أول مواجهة له مع حركة "حماس". استهدفت العملية المرافق الحيوية في غزة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات وحتى مراكز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا). وكان أحد أبشع الجرائم في هذه الحرب قصف مدرسة الفاخورة في جباليا بقنابل الفوسفور الأبيض، مما أدى إلى استشهاد 41 مدنياً، بينهم أطفال.

وبحسب تقارير لهيومن رايتس ووتش، استخدم جيش الاحتلال أسلحة محرمة دولياً، منها الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب. تُركت أجساد الضحايا شاهداً على حجم الجرائم التي قادها غالانت. رشحه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، لتولي منصب رئيس "هيئة أركان الجيش الإسرائيلي"، لكن منظمة "يش جفول" الإسرائيلية رفعت دعوى قضائية ضد تعيينه في منصب قائد القيادة الجنوبية، متهمة إياه بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي. ومع ذلك، لم يكن هذا هو السبب الذي حال دون توليه المنصب، بل بسبب اتهامه بالاستيلاء على أراضٍ عامة، وهي التهمة التي لم تثبت وأسقطت لاحقاً عنه. من ثم تقاعد من الجيش عام 2011 برتبة لواء.

دخول غالانت السياسة

جاء التحاق غالانت بالعمل السياسي بعد فترة أمضاها مديراً لشركة حفريات مملوكة لرجل أعمال فرنسي-إسرائيلي، قبل أن يستقيل منها عام 2014، ليترشح عام 2015 للكنيست مع حزب "كولانو"، وهو حزب صغير من يمين الوسط انشق عن حزب "الليكود" بقيادة نتنياهو. احتل المركز الثاني في قائمة الحزب لانتخابات عام 2015، وانتخب عضواً في الكنيست عندما فاز الحزب بعشرة مقاعد. خلال الحملة الانتخابية، انتقد حكومة نتنياهو لعدم معالجتها تهديد الأنفاق التي بنتها "حماس" في غزة.

ورغم هذا الانتقاد، انضم حزب "كولانو" إلى ائتلاف نتنياهو بعد أن منحت الانتخابات الأخير ولاية ثالثة على التوالي. عُيّن غالانت وزيراً للبناء والإسكان في تلك الحكومة. وفي عام 2019، ترك غالانت حزبه لينضم إلى حليفه القديم نتنياهو في حزب "الليكود"، ليخوض معه انتخابات 2022 التي قادته أخيراً إلى تولّي حقيبة الدفاع، في واحدة من أكثر الحكومات اليمنية المتطرفة التي تولت السلطة في إسرائيل.

سرعان ما انهار التحالف بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، عندما أعلن نتنياهو في 26 مارس/آذار 2023 إقالة غالانت من منصبه. جاء ذلك بعد أن أصبح غالانت أبرز أعضاء الائتلاف الحكومي الذين عارضوا "التعديلات القضائية" علناً، محذراً من أن ذلك سيضر بأمن الاحتلال. لكنه تراجع عن قرار الإقالة بعد اندلاع احتجاجات جماهيرية واسعة دعماً لغالانت.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش السابق يوآف غالانت – رويترز

حرب الإبادة على غزة

ومع بدء حرب الإبادة على غزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي سمّاها الاحتلال "السيوف الحديدية"، أعلن يوآف غالانت أنها "يجب أن تكون الأخيرة"، زاعماً أنه لن يكون هناك وجود للمقاومة بعد هذه الحرب. وأضاف أن العمليات العسكرية ستستمر لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر، قائلاً: "في نهاية المطاف، لن يكون هناك وجود لحماس". ثم توجه بخطابه إلى جنوده قائلاً: "أنتم تعرفون كيف تفعلون ذلك بطريقة فتّاكة".

في 9 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن غالانت حصاراً شاملاً على قطاع غزة بوحشية عكست رؤيته لغزة وأهلها كـ"جنس أقل من البشر". صرّح قائلاً: "لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق… نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف وفقاً لذلك". هذه النظرة العدائية لغزة ليست جديدة، فقد ظل غالانت ينظر إليها كتهديد وجودي متصاعد منذ توليه قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، خاصة مع تداعيات الربيع العربي.

فلسطينيون ينزحون عن منازلهم بعد تدميرها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة/ رويترز

فخلال فترة تقاعده وتحديداً في عام 2012، ألقى محاضرة في معهد واشنطن بعنوان "الأمن في الشرق الأوسط"، وصف غالانت الربيع العربي بأنه "شتاء طويل وبارد على إسرائيل". وأشار إلى أن صعود الإسلاميين، وتصاعد توجه الشعوب ضد الاحتلال، إلى جانب التغير الديمغرافي لصالح العرب بين نهر الأردن والبحر المتوسط، يشكل خطراً استراتيجياً على مستقبلهم.

لماذا أقال نتنياهو غالانت؟

عرف غالانت بتبنيه سياسات داعمة للاستيطان وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، مما جعله محل ترحيب من قادة المستوطنين. شلومو نئمان، أحد قادة المستوطنين، قال عنه في تصريح: "غالانت فعل كثيراً من أجل الاستيطان في الضفة الغربية". كما أكد مقربون مثل هاريل كنافو رفض غالانت لحل الدولتين بقوله: "لم ينخدع باتفاقات أوسلو. إنه لا ينتمي إلى وجهة النظر الأمريكية. إن حل الدولتين هو وجهة النظر الأمريكية. إنه ليس وجهة النظر الإسرائيلية".

ووفقاً لمجلة تابلت اليهودية، أثناء قيادته للمنطقة الجنوبية بين عامي 2005 و2010، دعا غالانت إلى سياسة عسكرية صارمة تجاه غزة، عُرفت بـ"سحابة ثقيلة"، والتي تضمنت غزواً واسع النطاق بهدف هزيمة حماس تماماً وإعادة احتلال القطاع لفترة طويلة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش السابق يوآف غالانت – رويترز

ومع ذلك، برزت تصريحات ربما تبدو متناقضة مع رؤيته خلال حرب الإبادة الحالية، حيث صرح غالانت بأن "الإنجازات الكبرى قد تحققت"، وأنه يسعى لإبرام صفقة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. وقال غالانت إن هذه الصفقة قد تتطلب "تنازلات بعضها مؤلم".

لكن بالنظر بتمعن، يلاحظ أن الخلافات بين غالانت ونتنياهو جزء من علاقة متوترة امتدت لسنوات، وليست محصورة في القضايا الظاهرة مثل تجنيد الحريديم أو قضية الأسرى. وبينما كانت هذه الملفات أدوات بارزة في النزاع، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن ذروة الخلافات تعود إلى معارضة غالانت العلنية للتعديلات القضائية التي تدعمها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. هذا الموقف وضعه في مواجهة مباشرة مع نتنياهو، الذي يسعى لتثبيت سلطته المطلقة وإضعاف معارضيه داخل الحزب وخارجه. وفي الوقت نفسه، أشارت مجلة تابلت إلى أن غالانت يرى نفسه منافساً سياسياً محتملاً لنتنياهو في المستقبل، مستثمراً الدعم الشعبي لوضع نفسه كبديل محتمل.

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن نتنياهو إقالة غالانت من منصبه، وتعيين يسرائيل كاتس بدلاً منه. تأتي هذه الإقالة في سياق تصعيد الخلافات بينهما. وفي تطور آخر، وافقت المحكمة الجنائية الدولية على طلب المدعي العام كريم خان، المقدم منذ مايو/أيار الماضي، لإصدار مذكرات اعتقال بحق يوآف غالانت وبنيامين نتنياهو.

تحميل المزيد