لم تكن تمر مناسبة عاشوراء على المغاربة دون أن يقفوا بالطوابير أمام محلات بيع الفواكه الجافة، باعتبارها الطبق المهم والرئيسي في هذه المناسبة الذي يُشرب مع كأس شاي مغربي ساخن ليلة العاشر من محرم.
لكن هذه السنة كان كل شيء مختلفاً، فالإقبال على محلات بيع الفواكه الجافة تراجع بشكل يمكن لأي شخص يعيش في الأحياء المغربية أن يكتشفه، لأن الأسعار ارتفعت بشكل مبالغ فيه مقارنة بالسنوات الماضية.
ولم تعد فئة من المغاربة قادرة على مسايرة الارتفاع الكبير في الأسعار، الذي ترجعه الحكومة إلى عوامل خارجية، في المقابل خرجت أرقام رسمية مخيفة تؤكد تراجع المستوى المعيشي للمغاربة، خلال السنة الأخيرة بالتحديد.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط، الجهة الرسمية المكلفة بالإحصاء في المغرب أن 82 في المائة من الأسر المغربية تدهورت معيشتها خلال السنة الأخيرة، في حين أن 4 في المائة فقط تحسنت معيشتها.
أرقام "منطقية"
توقع تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن 56.9 بالمئة من الأسر المغربية سيتدهور مستواها المعيشي خلال الـــ12 شهرًا المقبلة، و33.5 بالمئة سيستقر في حين ترجح 9.6 بالمئة أن يتحسن مستواها المعيشي.
وحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط فإن نسبة 96.9 بالمئة من الأسر المغربية صرحت بأن أسعار المواد الغذائية قد عرفت ارتفاعًا خلال الـــ12 شهرًا الأخيرة.
هذه الأرقام يمكن ترجمتها على أرض الواقع بارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية، كالسكر والدقيق وإن كانت أقل حدة بالمقارنة مع اللحوم، حيث تجاوز الكيلوغرام من اللحم 100 درهمًا بعدما كان سعره بين 60 و70 درهمًا.
فيما تراوحت أسعار الأسماك بين 20 و25 درهمًا لكيلو السردين الذي لم يكن ثمنه يتجاوز 10 إلى 13 درهمًا، في حين بلغت أسعار بعض أنواع السمك الأبيض ضعف ثمنها، رغم أن المغرب يتوفر على واجهتين بحريتين.
كما عرفت أسعار غاز البوتان الخاص بالطبخ ارتفاعًا، بعدما أعلنت الحكومة المغربية عن خفض الدعم المالي الموجه لأثمنة قنينات غاز البوتان بعشرة دراهم (حوالي دولار واحد)، ومن المتوقع أن يتم رفع جزء آخر من الدعم.
ولا تتوقع الأسر المغربية أن تتراجع أسعار المواد الغذائية في الفترات القادمة، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط، والذي أكد أن 76.3 بالمئة من الأسر استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال الـــ12 شهرًا المقبلة.
وعن هذه الأرقام يقول مدير مرصد مراقبة العمل الحكومي، محمد جدري، إنها "أرقام منطقية، بعدما فقدت مجموعة من المواطنين المغاربة وظائفهم إبان جائحة كورونا، وسنوات جفاف متعاقبة، بالإضافة إلى موجة تضخمية لم يعرفها المغرب من قبل".
وأوضح محدث "عربي بوست" أن "ارتفاع أسعار المنتجات الضرورية التي تحتاجها الأسر المغربية، جعل هذه الأخيرة لا تستطيع مجاراة هذا الارتفاع والحصول على جميع مستلزماتها، وبالتالي تدهورت معيشتها".
الادخار لمن استطاع إليه سبيلا
وحسب التقرير نفسه للمندوبية السامية للتخطيط فقد صرحت 90.7 بالمئة من الأسر المغربية بعدم قدرتها على الادخار خلال الـــ12 شهرًا المقبلة مقابل 9.3 بالمئة فقط صرحت بالعكس، وهو تفاوت غير مسبوق بين هاتين الفئتين.
وأكد محلل اقتصادي لـ"عربي بوست"، فضل عدم ذكر اسمه، أن تفاقم المديونية لدى الأسر المغربية، جعلها تعيد النظر في ميزانيتها وإعادة النظر في جدولتها، وبالتالي اكتفت بالإنفاق على الحاجيات الأساسية والمهمة دون القدرة على الادخار".
واعتبر المحلل في حديثه لـ"عربي بوست" أن الأرقام التي جاءت بها المندوبية السامية للتخطيط بمثابة "ناقوس خطر على التدهور الكبير الذي تعرفه القدرة الشرائية للمغاربة في الفترة الأخيرة، والتي يمكن أن تتطور مستقبلاً".
ورغم أن هذه الأرقام "تصدر في ظروف وطنية ودولية تتسم بالأزمة، إلا أنها تبقى أرقامًا كبيرة وجب الوقوف عندها"، يقول الخبير الاقتصادي لـ"عربي بوست".
ولا يعتقد الخبير الاقتصادي أن الحل لهذه المشاكل "يكمن في السياسات العمومية الآنية، اللهم ضبط الأسعار وزجر الغش والمضاربين"، معتبرًا أن الحل الأنجع "يكمن في رفع منسوب الثقة لدى المواطن المغربي عبر مجموعة الإجراءات الداعمة له".
ويمكن للسياسات العمومية على المدى القريب والمتوسط "تغيير النسيج الاقتصادي والاجتماعي، والرفع من القيمة المضافة وخلق الثروة، والتوزيع المتوازن على جميع الطبقات الاجتماعية، ما من شأنه أن يرفع المستوى المعيشي للأسر المغربية"، يختم محدثنا.
وترى 80.7 بالمئة من الأسر أن الظروف غير ملائمة للقيام بشراء سلع مستديمة، في حين رأت 7.8 بالمئة فقط عكس ذلك، ليسجل المؤشر مستوى سلبي بلغ ناقص 72.9 نقطة.
وفي هذا الصدد يوضح جدري، بما أنه أكثر من 80 بالمئة من الأسر المغربية لا تستطيع شراء ثلاجة أو تلفاز أو تغيير سيارة بسبب ظروفها الاقتصادية، لا يمكنها أن تجد ما تدخره.
وفي الأخير أكد مدير مرصد مراقبة العمل الحكومي، أنه لاسترجاع ثقة المواطن المغربي "لابد من تسجيل نسب نمو تتراوح ما بين 4 و5 بالمئة، وتضخم في مستوى 1 أو 2 بالمئة، وكذلك العمل على تقليص نسب البطالة، وأن يمن علينا الله بسنوات ماطرة في المستقبل".