ظهر رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بتصريحات غاضبة، توضح مدى استيائه من الضغوط الأخيرة التى يتعرض لها، ففي الأيام القليلة الماضية، وبعد أن استهدفت الولايات المتحدة أماكن وحدات الحشد الشعبي على طول حدود العراق مع سوريا، بعد الهجوم الكبير على القوات الامريكية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، الشهر الماضي، صرح الكاظمي قائلاً إنه "لن يقبل الإملاءات من أي لاعب إقليمي بخصوص وجود القوات الأمريكية في العراق".
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول مسؤول حكومي بارز بالحكومة العراقية، ومقرب من رئيس الوزراء، إن"الكاظمي محاصَر الآن، إيران والقادة الموالون لها في العراق يساومونه، إما أن يطلب خروج القوات الأمريكية من البلاد، وإما أنهم يسعون لإنهاء مستقبله السياسي".
كان الكاظمي قد أكد في بيان له، بخصوص الأمر نفسه، أن وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية وبغض النظر عن هويتها، شأن خاص بالحكومة العراقية فقط.
جاء بيان الكاظمي السابق ذكره، رداً على التحركات البرلمانية الأخيرة، وبالتحديد من قِبل الكتلة البرلمانية "فتح" التي تعتبر الذراع السياسية للفصائل المسلحة العراقية المدعومة إيرانياً، للضغط على رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لإنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق.
يقول المسؤول الحكومي العراقي، لـ"عربي بوست": "فتح وسائرون يعملان بشكل مكثف داخل البرلمان العراقي، لإجبار الكاظمي على إرسال طلب إلى مجلس الأمن الدولي، يطالب فيه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من العراق، في أسرع وقت".
وأضاف المسؤول الحكومي قائلاً: "كما أن طهران أرسلت رسائل شديدة اللهجة إلى السيد الكاظمي من خلال وزير الخارجية العراقي، لتأكيد المطلب نفسه".
كان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قد زار طهران في بداية الشهر الحالي، للمرة الثانية خلال شهرين، وقال مصدر مطلع على هذه الزيارة من الجانب الإيراني، لـ"عربي بوست": "اجتمع السيد فؤاد مع علي شمخاني، الذي أكد مطلب طهران طرد القوات الأمريكية من العراق، بأي شكل، وبأسرع وقت".
وبحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فقد التقى وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، السكرتير العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في طهران، كما اجتمع مع عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين؛ لمناقشة السيطرة على الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من إيران.
يقول المصدر الإيراني، المطلع على هذه الاجتماعات، إن وزير الخارجية العراقي جاء برسالة من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بهدف تهدئة الأمور في العراق، والعمل على منع الفصائل المسلحة العراقية من التمادي في استهداف المصالح الأمريكية، لكن وبحسب المصدر جاء الرد بضرورة تحرك حكومة الكاظمي لإنهاء الوجود الأمريكي في البلاد.
موقف الكاظمي ضعيف
في غضون ذلك، أصدرت كتلة فتح البرلمانية بياناً موجهاً إلى وزارة الخارجية العراقية، وحثت الكتلة الوزارة على إرسال رسالة واضحة إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بضرورة إنهاء مهمة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق.
محمد البلداوي، النائب في كتلة فتح البرلمانية، يقول لـ"عربي بوست": "تحرُّكنا جاء نتيحة ضعف موقف الكاظمي من استمرار واشنطن لاستهداف الحشد الشعبي، سنحاول بشتي الطرق، إصدار قرار برلماني يجبر حكومة الكاظمي على طلب إنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق".
سياسي عراقي شيعي، مقرب من الفصائل المسلحة العراقية وطهران، تحدث لـ"عربي بوست"، عن هذا الأمر قائلاً: "في الوقت الذي يحاول فيه عمار الحكيم أن يقود تحالفاً برلمانياً ليكون داعماً للكاظمي، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، تُساوم الكتل البرلمانية الموالية لإيران، الكاظمي، إما أن يطلب طرد القوات الأمريكية، وإما أنه لن تتم الموافقة على تنصيبه مرة أخرى، كرئيس للحكومة".
من المقرر أن تقام الانتخابات البرلمانية العراقية، في أكتوبر/تشرين الأول القادم، بعد أن تأجَّل موعد إجرائها في يونيو/حزيران المقبل، ويعمل عمار الحكيم، السياسي العراقي البارز، بالتعاون مع عدد من السياسيين العراقيين، على تكوين ظهير سياسي قوي لدعم مصطفى الكاظمي، حتى بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول.
هدنة وهمية
بعد الصراع بين كتلة فتح البرلمانية ورئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، حول أمر إنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق، زار عدد من القادة السياسيين وقادة الفصائل شبه العسكرية العراقية، طهران، والتقوا مسؤولين أمنيين وسياسيين في إيران.
كانت نتيجة هذه الاجتماعات، بحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، الإعلان عن هدنة غير رسمية بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية.
الجدير بالذكر، أنه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، أعلنت الفصائل المسلحة العراقية المدعومة إيرانياً، هدنة من شأنها توقُّف استهدافها للقوات الأمريكية في العراق، لكن لم تمنع هذه الهدنة التي جاءت بأوامر مباشرة من المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، من بعض الانتهاكات.
يقول قائد فصيل مسلح عراقي، كان حاضراً هذه الاجتماعات في بغداد وطهران، لـ"عربي بوست": "طلب الكاظمي من الرئيس العراقي، التوسط لدى الحشد الشعبي، لإعطائه مهلة، لتقديم طلب إنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق إلى مجلس الأمن، وبعد العديد من المشاورات والاجتماعات بين القادة هنا وفي إيران، وافقنا على الأمر".
لكن لم تستمر الهدنة أكثر من أسبوع واحد، ففي الأيام القليلة الماضية، تم استهداف قاعدة بلد الجوية التي تستضيف القوات الأمريكية، دون سقوط ضحايا، كما استهدفت الفصائل المسلحة العراقية قبل الهجوم الأخير بأيام قليلة، قاعدة عين الأسد، في محافظة الأنبار العراقية، التي تستضيف أكبر عدد من القوات الأمريكية.
فما الذي دفع إلى انتهاك الهدنة المعلنة بين الفصائل المسلحة وحكومة الكاظمي لمنع استهداف القوات الأمريكية؟
لا نية لدى الكاظمي لإنهاء الوجود الأمريكي
يقول قائد شبه عسكري لـ"عربي بوست": "لا يمتلك الكاظمي نية قوية لطرد القوات الأمريكية من العراق، ولا يريد إنهاء مهمة الناتو من البلاد، لم يقدم أي ضمانات إلى الآن على استعداده لإرسال طلب إنهاء مهمة الناتو إلى مجلس الأمن الدولي".
كما تحدث مسؤول حكومي مقرب من الكاظمي لـ"عربي بوست"، عن المخاوف المتزايدة لدى رئيس الوزراء العراقي من إنهاء مهمة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق، فيقول: "إنهاء وجد القوات الأجنبية سيكون له كثير من العواقب السيئة، التى يخشاها الكاظمي، مثل عودة ظهور داعش بقوة، وسيطرة الفصائل المسلحة الموالية لإيران على كثير من الأمور داخل العراق، وزيادة النفوذ الإيراني".
تكثيف المعارضة البرلمانية
بجانب وجود نية لدى الفصائل المسلحة العراقية المدعومة إيرانياً، لاستمرار استهداف القوات الأمريكية في العراق، تسعى كتلة فتح البرلمانية لتكثيف المعارضة داخل البرلمان، لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق.
يقول أحد نواب الكتلة لـ"عربي بوست"، مُفضِّلاً عدم الكشف عن هويته: "في الأيام القادمة، سيكون هناك قرار برلماني واضح ولا رجعة فيه، يمنع حكومة الكاظمي من توسيع مهمة الناتو في العراق، بجانب إلزامه بطرد القوات الأمريكية بحلول نهاية العام الجاري".
من جانبه يصف السياسي الشيعي، في حزب الدعوة العراقي، هذا الصراع بين كتلة فتح والفصائل المسلحة والكاظمي، بأنه صراع سيؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار على الساحة السياسية الداخلية في العراق، فيقول: "أمام البرلمان والحكومة أزمتان: التصديق على قانون الموازنة لعام 2021، وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر، ومن الممكن أن يؤثر الصراع على طرد القوات الأمريكية، في هذه الأمور".