فنّد تحليل أجراه موقع The Intercept الأمريكي، الثلاثاء 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مزاعم الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن أرقام ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث قال الأسبوع الماضي إنه لا يثق في الأرقام التي يعلنها الفلسطينيون".
حين سئل بايدن، الأربعاء 25 أكتوبر/تشرين الأول، عمّا تعتزم حكومته فعله لتقليل عدد الضحايا المدنيين في غزة، رد بالقول: "لا فكرة لدي عن ما إن كان الفلسطينيون صادقين في أعداد القتلى"، وأضاف: "أنا متأكد من أن أناساً أبرياء قُتلوا، وهذا ثمن الحرب. لكنني لا أثق في الأرقام التي يعلنها الفلسطينيون".
تشكيك بايدن في الأرقام سمح للمدافعين عن حملة القصف الإسرائيلية بالتقليل من الأزمة، بحجة أن حماس، التي تحكم غزة، تبالغ في أرقام الضحايا.
وسارعت منظمات حقوقية تنشط في غزة منذ سنوات إلى رفض ادعاء بايدن، إذ أشارت وكالة أسوشيتد برس إلى أن أرقام وزارة الصحة في غزة خلال الحروب السابقة تطابق إلى حد كبير الأرقام التي توصلت إليها الحكومة الإسرائيلية والأمم المتحدة، كما أن وزارة الخارجية الأمريكية نفسها كانت تعتبر هذه الأرقام دقيقة.
عشرات الأسماء من عائلة واحدة
في الوقت نفسه، ردت وزارة الصحة في غزة بنشر قائمة بأسماء 6747 شخصاً استُشهدوا حتى 26 أكتوبر/تشرين الأول منذ بدء حملة القصف، بينهم 2664 طفلاً.
كانت القائمة تضم أسماء 2665 طفلاً، لكن موقع "إنترسبت" وجد أن اسم صبي في الـ14 من عمره تكرر مرتين، وهذا خفض العدد الإجمالي إلى 6746. وعدا ذلك، فالقائمة لا تحوي أي تكرارات، في حين تحقق الموقع من عشرات الأسماء المدرجة في قائمة الوزارة، كلها كانت من عائلة واحدة.
قبل نشر هذه القائمة، تحدث مرام الددا، وهو فلسطيني وُلد ونشأ في غزة، لكنه يعيش الآن في أورلاندو بولاية فلوريدا، مع موقع "إنترسبت" عن وفاة 7 أفراد من عائلته من جانب والده و30 فرداً من جانب والدته في خان يونس وحولها، وبعد أسبوع، ارتفع هذا العدد إلى 46 فرداً.
وقارن الموقع أسماء أقاربه القتلى، التي بدأ تجميعها الأسبوع الماضي– قبل أن يصدر المسؤولون في غزة قائمتهم– بالقائمة التي أعلنتها وزارة الصحة لاحقاً.
وتشمل قائمة القتلى 4 ألقاب مختلفة: 30 فرداً من أحد فروع العائلة، و9 من فرع آخر، و4 من فرع ثالث، و3 من فرع رابع، وقد طلب الددا ووالداه من جانب آخر عدم نشر الألقاب، لأن إسرائيل تستهدف الصحفيين وعائلاتهم، وربما تنتقم أيضاً من المدنيين الذين يتحدثون إلى وسائل الإعلام الغربية.
من بين أفراد عائلة الددا الـ46 الذين فقدوا حياتهم في الحرب، ظهر 43 في القائمة، من الأصغر- طفلة لم تبلغ سنة واحدة بعد- إلى الأكبر، جدة تبلغ من العمر 71 عاماً.
غارات الاحتلال تقتل أجيالاً بأكملها
وحين يُقصف مبنى في غزة، تُقتل أجيال متعددة من عائلة واحدة، وأشار الددا إلى أن "المجتمع في فلسطين يختلف عنه في الولايات المتحدة. فالعائلات لا تغادر أماكنها أبداً، ويقطن أفرادها بجوار بعضهم. فمثلاً، إذا كان لديك ابن، فهو يتزوج ويبني منزلاً خلف منزلك مباشرة، ويستمر الأمر على هذا الحال. ولهذا السبب ستجد أشخاصاً كثر يُقتلون من عائلة واحدة".
وكل اسم في القائمة له قصة مأساوية، فمثلاً، تعرض منزل إحدى الأسر للقصف، ولذلك لجأ الأب وطفلاه إلى منزل أخيه. وكانت زوجة والد الأسرة في السعودية، حين علمت بمقتل زوجها وطفليها في قصف جديد على منزل صهرها.
والإثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول، قُصف المنزل المجاور لجديّ الددا، وقُتل أفراد الأسرة التي كانت تعيش فيه. واخترقت قطعة صغيرة من شظايا الانفجار شبكة فولاذية، وانفجرت في كرسي أبيض كانت جدته، التي لم تصب بأذى، تجلس عليه قبلها بلحظات فقط.
أمريكا تناقض نفسها
ووجد تقرير في موقع HuffPost أيضاً أن وزارة الخارجية الأمريكية استشهدت بأرقام وزارة الصحة في غزة في 20 تقريراً، بل قال أحد التقارير إن وزارة الصحة ربما أخطأت في العدد.
جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية: "الأرقام أعلى بكثير على الأرجح، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية عن الوضع".
وقدم موقع "إنترسبت" للبيت الأبيض هذه التقارير الجديدة، وسأل عما إن كان كيربي وبايدن يدعمان ما جاء فيها، وسأل أيضاً إن كانت الإدارة بذلت أي جهود مستقلة لقياس حجم القتلى لو أن أرقام وزارة الصحة في غزة غير دقيقة، وإن كانت الإدارة، كما صرحت علناً، تشعر بالقلق إزاء الخسائر في صفوف المدنيين.
فيما أحال البيت الأبيض الموقع إلى التصريحات العامة التي أدلى بها كيربي والمتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر، التي اعترفت بوقوع خسائر في صفوف المدنيين.
وقال ميلر للصحفيين: "لا طريقة لدينا لإجراء تقييم دقيق لعدد المدنيين الذين قُتلوا في غزة. لا توجد هيئة مستقلة تعمل في غزة يمكنها تقديم رقم دقيق. ولكن لدينا شكوك في كل ما تقوله حماس، ولكن من البديهي أن عدداً من المدنيين قُتلوا، ولهذا نعمل على بذل كل ما في وسعنا لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين ولإيصال المساعدات الإنسانية إليهم في غزة".