أعلنت رئيسة البنك المركزي التركي، حفيظة غاي إركان، في أول مؤتمر صحفي لها، عُقد الخميس 27 يوليو/تموز 2023، بدء تطبيق سياسة نقدية مشددة، مؤكدة أنّ البنك المركزي سيستخدم جميع الوسائل لمكافحة التضخم التي بدأت البلاد تعاني منها قبل عدة سنوات.
فما هي سياسة التشديد النقدي، ما الهدف منها، وما الدول التي استخدمت هذه السياسة من قبل؟
سياسة نقدية مشددة
سياسة نقدية مشددة أو كما يطلق عليها أيضاً سياسة التشديد النقدي، هي سياسة يعمل من خلالها البنك المركزي للدول على رفع أسعار الفائدة ونسب الودائع، من أجل جعل الائتمان أقل سهولة، وفقاً لما أكده موقع BabyPips المتخصص بالأمور الاقتصادية.
تحدث السياسة النقدية المتشددة عندما يشعر البنك المركزي بالقلق من ارتفاع التضخم والإنهاك الاقتصادي، وبالتالي يسعى البنك المركزي إلى إبطاء النمو الاقتصادي المحموم، فيما يُعتبر التشديد النقدي سياسة نقدية انكماشيةـ
ففي الوقت الذي تنخرط فيه البنوك المركزية في سياسة نقدية صارمة، عندما يتسارع الاقتصاد بسرعة كبيرة، أو عندما يرتفع التضخم بشكل كبير، يقوم البنك المركزي بتشديد السياسة النقدية أو عن طريق رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، كما أنّ رفع أسعار الفائدة يزيد من تكلفة الاقتراض، ويقلل بشكل فعال من جاذبيته.
عادة ما تحدث السياسة النقدية المتشددة، أو السياسة النقدية الانكماشية، عندما يريد البنك المركزي إبقاء التضخم تحت السيطرة.
إذا كان هناك الكثير من الإنفاق والاقتراض من قبل المستهلكين والشركات، يمكن أن يصبح الاقتصاد محموماً، وقد يؤدي ذلك إلى رفع مستوى أسعار السلع والخدمات بشكل كبير.
يمكن أيضاً تنفيذ سياسة نقدية مشددة من خلال بيع الأصول في الميزانية العمومية للبنك المركزي إلى السوق، من خلال عمليات السوق المفتوحة، من أجل امتصاص بعض رأس المال الإضافي خلال بيئة السياسة النقدية المشددة، ويؤدي هذا بشكل فعال إلى إخراج رأس المال من الأسواق المفتوحة، حيث يأخذ الاحتياطي المركزي الأموال من البيع، مع وعد بدفع المبلغ مرة أخرى مع الفائدة.
ويمكن أن يؤثر التشديد النقدي سلباً على أسعار الأوراق المالية، ويجعل من الصعب الحصول على قرض لمنزل أو شركة.
إلامَ تؤدي سياسة التشديد النقدي؟
من الناحية النظرية، فإن تشديد السياسة النقدية يجعل الائتمان أكثر تكلفة، ما يقلل من الاستهلاك والاستثمار في آنٍ معاً، كما يؤدي تشديد السياسة النقدية إلى تراجع وانخفاض مستوى الأسعار.
ووفقاً لتحليل نشره البنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، في ولاية ميسوري، وهو واحد من 12 بنكاً احتياطياً إقليمياً في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أكد أنّ سياسة التشديد النقدي التي اتّبعت سابقاً في الولايات المتحدة، وتحديداً من عام 1990، أظهرت بعض الأدلة على أنّ الاستهلاك الشخصي للأفراد ينخفض، بينما ارتفعت نسبة الاستهلاك قليلاً في عام 2022، وذلك نتيجة لتحسن الظروف المالية.
في حين أكد موقع Economics Help الاقتصادي، أنّ سياسة التشديد النقدي، ورفع أسعار الفائدة، تؤدي إلى تغيير في الأمور التالية:
الاقتراض: يصبح الاقتراض أكثر تكلفة، لذلك لا يتم تشجيع الشركات والمستهلكين على الاستثمار والإنفاق.
يصبح الادخار أكثر جاذبية: لذلك من المرجح أن تستمر الشركات والمستهلكون في ادخار الأموال في البنك بدلاً من الإنفاق.
انخفاض الدخل المتاح: سيشهد المستهلكون الذين لديهم رهن عقاري متغير ارتفاعاً في مدفوعات فوائد الرهن العقاري الشهرية، لذلك سيكون لديهم دخل أقل للإنفاق.
تأثير سعر الصرف: من خلال رفع أسعار الفائدة، يميل سعر الصرف إلى الارتفاع بسبب تدفقات الأموال الساخنة، التي تستفيد من معدلات الادخار الأفضل في ذلك البلد.
في حين أن ارتفاع سعر الصرف سيساعد أيضاً في تقليل الضغط التضخمي، الواردات ستكون أرخص، وأيضاً سيكون هناك طلب أقل على الصادرات، ما يؤدي إلى انخفاض إجمالي الطلب.
في الوقت ذاته، فإنّ فاعلية السياسة النقدية المتشددة قد لا تكون مضمونة النتائج.
1– قد لا تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة دائماً إلى السيطرة على التضخم.
2- قد يكون هناك تأخر زمني حتى تؤثر أسعار الفائدة على بقية الاقتصاد.
3- إذا كانت الثقة عالية جداً فقد يستمر الناس في الاقتراض والإنفاق، رغم ارتفاع أسعار الفائدة.
4- إذا كان هناك تضخم يدفع التكلفة (مثل ارتفاع أسعار النفط)، فقد تؤدي السياسة النقدية المتشددة إلى انخفاض النمو الاقتصادي.
5- كما تتعارض السياسة النقدية المتشددة مع أهداف الاقتصاد الكلي الأخرى، لأن تكلفة أسعار الفائدة المرتفعة هي انخفاض في النمو الاقتصادي واحتمال البطالة.
دول طبّقت سياسة التشديد النقدي قبل تركيا
تعتبر سياسة التشديد النقدي من السياسات التي انتهجتها العديد من الدول قبل تركيا، بهدف استهداف التضخم وخفضه، ومن بين هذه الدول:
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بريطانيا
- نيوزيلندا
- أستراليا
- البرازيل
- كندا
- تشيلي
- كولومبيا
- جمهورية التشيك
- المجر
- النرويج
- أيسلندا
- الهند
- الفلبين
- بولندا
- السويد
- جنوب إفريقيا
السياسة النقدية المتشددة بدأت منذ عام 1990، عندما تحول عدد متزايد من البلدان إلى استهداف التضخم كإطار للسياسة النقدية، ومع ذلك يؤكد النقاد أن هناك عواقب غير مقصودة لهذا النهج، مثل تأجيج الزيادة في أسعار المساكن والمساهمة في عدم المساواة في الثروة من خلال دعم ارتفاع قيم الأسهم.
ويذكر أنّ الصحيفة الرسمية في تركيا أعلنت، قبل نحو أسبوعين، زيادة ضريبة القيمة المضافة نقطتين مئويتين في فئتين، كما زادت الضريبة المفروضة على القروض المصرفية الشخصية.
كما أن ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات زادت إلى 20% من 18%، كما ارتفعت الضريبة على سلع أساسية مثل المناشف الورقية والمنظفات والحفاضات إلى 10% من 8%.
جاء ذلك في الوقت الذي سجلت فيه الليرة التركية هبوطاً جديداً في سوق العملات الأجنبية، إذ كسرت حاجز 26 ليرة أمام الدولار الأمريكي الواحد.