انتشرت مشاهد صادمة لهدم منزل ناشطة مسلمة هندية شابة احتجَّت على تصريحات مسؤولة في الحكومة الهندية أساءت فيها للنبي محمد.
في مقابلة خاصة لـ"عربي بوست" مع صديقتها الزعيمة الطلابية المسلمة رانية زليخة، بعد إطلاق سراحها إثر اعتقالها من تظاهرةٍ احتجاجية ضد الإسلاموفوبيا، رَوَت لنا مشاهد عما يحدث فعلاً على الأرض في بلدٍ عانى طويلاً من أحداث العنف التي يرتكبها الهندوس ضد الأقلية المسلمة.
سألناها: لماذا اندلعت موجة الغضب والاحتجاجات في البلاد مؤخراً، والتي راح ضحيتها حتى الآن شابان قاصران ومئات الاعتقالات بعد هدم منزل زميلتها الناشطة الطلابية المسلمة فاطمة عفرين، ولا يبدو أنها ستنتهي في المستقبل القريب.
لم تعد لنا مساحة غير "الشوارع"
السبب الذي دفع زليخة والآلاف غيرها للاحتجاج أن المسلمين في الهند لم يعد لهم مكان للتعبير عن آلامهم سوى الشوارع. هذا عن المسلمين في الهند بشكل عام.
لكنّ ما دفع زليخة أكثر للمشاركة في الاحتجاجات بالشوارع أنّها حضرت مشهد السلطات الهندية وهي تهدم منزل زميلتها التي شاركت في الاحتجاجات واعتُقل والدها. تقول زليخة: "لم يكن أمامنا خيار آخر سوى الاحتجاج وإظهار معارضتنا لسلوك الدولة تجاه المسلمين. فالدولة تنتقم بلا رحمة من المسلمين بعد موقفنا من التصريحات المسيئة للرسول".
لافتة إلى أنّ هذه الإساءة للنبي كانت السبب الذي سلَّط الضوء على ما يحدث فعلياً للمسلمين في هذا البلد من تهميش واضطهاد.
استمرار الاحتجاجات في الشوارع يأتي بعد أن أطلقت الشرطة النار على الناس أثناء احتجاجهم السلمي. فقد كان من الضروري أن تستمر الحركة في الشارع لمحاسبة المسؤولين. وفق زليخة.
أمّا حول رغبتها في تحقيق العدالة للمسلمين في الهند، تقول زليخة: "نحن نعرف جورج فلويد (الأمريكي ذو الأصول الإفريقية الذي كان مقتله على يد الشرطة سبباً في اندلاع حركة "حياة السود مهمة- Black Lives Matter")، ورأينا كيف استجاب العالم للحادث وتفاعل معه. لكن عندما يتعلق الأمر بالمسلمين في الهند، فليس لدينا (امتياز) الرد على العنف".
هدم منازل المسلمين وسيلة للعقاب
قالت رانيا: "لقد فقدنا بالفعل دماء اثنين من الشباب في هذه الاحتجاجات نتيجة عنف الشرطة، وحتى الآن لم تعتقل الحكومة نوبور شارما، المتحدثة باسم الحزب الحاكم التي أدلت بتعليقاتٍ مسيئةٍ للنبي".
استنكرت الناشطة سياسة هدم منازل المعتقلين من المسلمين، مؤكدة: "نريد من الدولة أن تعيد بناء كل بيت هدمته باسم "العدالة". كما حان الوقت لأن تعترف الأمم المتحدة بالجرائم التي تحدث ضد المسلمين في الهند".
إذ هدمت السلطات المحلية منزل القيادية الطلابية فاطمة عفرين "دون سابق إنذار"، مخلفة وراءها الغبار والحطام. وزعموا أنه شيد بشكل غير قانوني ، وهو ادعاء نفته فاطمة وعائلتها.
أثار هذا الهدم غضب منتقدي ومعارضي حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم، الذين يعتبرونها المسؤول المباشر عن سلسلة من الإجراءات التي تستهدف الأقلية المسلمة في الهند.
ترويع باستخدام الجرافات
وهذا الهدم لمنازل المعتقلين المسلمين هو نمط تنفذه الولايات التي يحكُمها حزب بهاراتيا جاناتا في أعقاب أعمال العنف ضد احتجاجات المسلمين.
إذ دمرت السلطات الهندية منزلين آخرين كانا مملوكين لمسلمين اتُّهموا بإلقاء الحجارة بعد صلاة الجمعة، ضمن احتجاجات نهاية الأسبوع الماضي تنديداً بالتصريحات المسيئة للنبي محمد.
وكانت السلطات الحكومية في الهند قد بررت خطوتها تلك بأن "تلك الأبنية كانت غير قانونية، وبالتالي استوجبت الإزالة"، معتبرةً ذلك مسوغاً للقرار المفاجئ، مع نفيها أن يكون الأمر انتقامياً.
لكن خبراء قانونيين شككوا في ذلك، وفقاً لتقرير نشره موقع BBC البريطاني.
قال الخبير السياسي، عاصم علي، للإذاعة البريطانية: "إن عملية هدم المنزل وحشية بشكل خاص، لأن المنازل في الهند هي رمز للأمن – ويستغرق بناؤها عمراً طويلاً".
وأضاف: "باستخدام الجرافات لاستهداف المسلمين، تخبرهم الدولة بضرورة التصرف وإلا يمكن تطبيق وسائل غير دستورية بسهولة لمعاقبتهم. لذلك فإن الدستور أو القضاء لن ينقذهم".
إما الانصياع أو "الجرَّافات"!
يقول جوفيندا مأثور، رئيس المحكمة العليا السابق في "ولاية الله أباد" الهندية المسلمة، إن تصرفات السلطات "غير عادلة تماماً".
وأوضح بحسب BBC: "حتى لو كان هناك خطأ ما في البناء تجاوز الخطة المقررة، كان من الممكن أن تفرض السلطات غرامة بموجب قوانين الولاية".
وبالتالي فإن عمليات الهدم السريعة بالجرافات تهدف إلى بث الخوف في نفوس المسلمين. وقال: "الرسالة موجهة إلى المجتمع المدني الإسلامي في الدولة واضحة، وهي أن يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية".
هل تكون الاحتجاجات سبباً لزيادة العنف؟
بسؤال الناشطة رانية زليخة مجدداً عن وجود مخاوف من تصاعد العنف ضد المسلمين بسبب هذه الاحتجاجات، قالت: "لطالما شاهدنا ما يحدث للفلسطينيين والكشميريين من مسافةٍ بعيدة، لكنه يحدث معنا الآن. لكن لم يتبق لنا الآن أي خيار سوى التعبير عن أنفسنا والمطالبة بحقوقنا بأي ثمن".
فعلى مدى السنوات الماضية، أدركت الأقلية المسلمة في الهند الإجراءات الحكومية المتعمدة ضدهم بشكل يتجاوز مجرد "الكراهية والعنصرية".
"ليس هناك حل سوى الثورة!"
تابعت زليخة حديثها معنا بأن المشكلة في الهند لم تكن أبداً متعلقة بالحجاب أو الطعام الحلال، بل تتعلق "بتشويه وتفكيك الممارسات الدينية التي نمارسها في حياتنا اليومية".
بالنسبة لزليخة فقد حان الوقت لكي يطالب المسلمون بحقوقهم دفعةً واحدة، ولهذا فإنّه "لن يكون هناك أي فرصة لإحداث تغيير سوى بالثورة".
سياسة "متعمَّدة ولها أهداف واضحة"
العنف في الهند ليس حديث عهد أو نتيجة لأحداث مؤسفة وغير مُتعمدة.
بل على العكس، إذ إن الـ"RSS" الحزب الحاكم في الهند له أيديولوجية واضحة في نصوصه ضد المسلمين والمسيحيين والشيوعيين، وكل من يختلف مع الهندوس ومعتقداتهم، وفق ما أخبرتنا زليخة.
فحقيقة سياسات الحزب ترقى لمستوى "الرغبة في الإبادة العرقية للمسلمين، باعتبار أن الديانة الرسمية للدولة هي الهندوسية".
منوهة في الوقت نفسه إلى دور مجتمع الأغلبية باعتبارهم "شركاء صامتين في الجريمة النكراء بعد أن وصلت درجة التصعيد إلى هذه الدرجة. فقد تم غسل أدمغتهم تماماً إلى أن استفادوا اليوم من العنف الذي يتعرض له مجتمع الأقلية".
لماذا تحظى حكومة مودي بالتأييد رغم كل ذلك؟
على الرغم من أن حكومة مودي متهمة بالعنصرية بسبب الواقع السياسي المرير في البلاد، والذي أكدته التقارير الدولية المختلفة، كيف تمكنت من النجاح مرة أخرى في الانتخابات؟
عن أسباب نجاح حكومة مرة أخرى، ترى زليخة أنه قد "تم إخفاء الإخفاقات الاقتصادية والتنموية والدبلوماسية التي تسببت فيها الحكومة بشكل تام، وبدلاً من ذلك تمت تغذية الكراهية تجاه الآخرين بين المجتمع الهندوسي من أجل الحفاظ على السلطة واحتكار القوة".
لذا فإن الغالبية في الهند تدعم الحزب الحاكم رغم جرائمه الواسعة بحق المسلمين، ليس لأنهم لا يهتمون بما يحدث، ولكن لأنهم "استفادوا منه إلى حد بعيد"، حسب تعبيرها.
ما السيناريو الأمثل لتهدئة المشهد في الهند؟
ختاماً، سألنا الناشطة رانية باعتبارها امرأة شابة تطالب بحرية التعبير والاعتقاد وتهتم بمستقبل بلدها.. ما أفضل سيناريو لإنهاء موجة العنف والاحتجاجات؟
أجابتنا أنه يجب على الحكومة إعلان مسؤوليتها عن أحداث العنف الأخيرة، وإعادة بناء منازل النشطاء السلميين التي هدمتها عقاباً لهم على احتجاجهم.
مؤكدة أن المجتمع المسلم يجب أن ينال العدل وأن يُعامَل بكرامة كما يستحق. وحتى ذلك الحين "نحن مستعدون للاحتجاج والبقاء في الشوارع".
ما الذي يحدث للمسلمين في الهند اليوم؟
وخلال الفترة الماضية، شارك آلاف المسلمين في مسيرات احتجاجية بمختلف ولايات الهند منذ مطلع شهر يونيو/تموز، للتنديد بتصريحات مسيئة للإسلام والنبي محمد ﷺ كان قد أدلى بها عضوان في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قبل أن يتم تعليق عضوياتهم في الحزب لتهدئة الرأي العام للمسلمين.
لكن سرعان ما تحولت الاحتجاجات السلمية لاشتباكات بين المسلمين من جهة والهندوس وأفراد من الشرطة في مناطق عدة بعد استخدام العنف المفرط في فض التظاهرات.
على إثر هذا التعامل مع الاحتجاجات، اعتُقل نحو 400 شخص على الأقل كان من بينهم الطالبة رانية زليخة التي أجرينا معها المقابلة، وتم هدم منزل الناشطة المسلمة أفرين فاطمة، عضوة مجلس اتحاد طلاب جامعة جواهر لال نهرو، بالجرافات، واعتقال والدها جاويد محمد، عضو حزب الرفاه الهندي المدعوم من الجماعة الإسلامية الهندية، لمشاركته في الاحتجاجات.
المشهد وصفه النشطاء بسلوك مطابق لممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، عند استخدامها لسياسة "هدم المنازل" كوسيلة عقابية ضد المحتجين. وهو بدوره ما فاقم وتيرة احتجاجات المسلمين في البلاد.
جدير بالذكر أنه منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة في الهند عام 2014، ارتفعت الهجمات وخطاب الكراهية ضد المسلمين بشكل حاد.