دفع غزو روسيا لأوكرانيا خلال الأشهر الأخيرة الكثيرين إلى توجيه أعينهم إلى الصين وطموحاتها في تايوان، ولكن لماذا تعلق الصين مثل هذه الأهمية على تلك الجزيرة لدرجة دفعت أمريكا إلى أن تعلن استعدادها للتصدي لأي مطامع محتملة على الدولة الآسيوية؟ وما أهمية تايوان بالنسبة للعالم؟
الصين وطموحها بضم تايوان إلى "الدولة الأم"
مع دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وسط تصريحات متجددة من فلاديمير بوتين حول مطامع وطموحات روسيا التاريخية بشأن تلك الدولة الأوروبية، أصبح من الصعب عدم إجراء مقارنات مع العلاقة المثيرة للجدل المماثلة بين الصين وتايوان.
في الواقع، أفادت وزارة الدفاع التايوانية أن التوغلات الصينية لمنطقة الدفاع الجوي عبر مضيق تايوان وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 40 عاماً في عام 2021. ومع ذلك، يُعد الخطاب الأكثر وضوحاً وكشفاً لما تضمره الصين لجزيرة تايوان هو المؤتمر الصحفي الذي أُجري خلال المؤتمر الوطني الثالث عشر لمجلس نواب الشعب في الصين.
ففي 7 مارس/آذار من العام 2021، ورد أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي قال: "ستعود تايوان في النهاية إلى أحضان الوطن الأم".
وكما هو الحال بين روسيا وأوكرانيا، فإن ديناميكية القوة الجيوسياسية بين الصين وتايوان أكثر تعقيداً مما يمكن أن تفسره المقاييس الاقتصادية وحدها.
وتشترك كل من أوكرانيا وتايوان في البُعد التاريخي لدولة قومية ديمقراطية صُغرى أمام سيادة قوة عظمى قمعية مكونة من الحزب الواحد من خلال التوافق مع قيم السوق الحرة الغربية.
قيمة تايوان الاقتصادية كقوة "شبه غربية"
تطورت تايوان، منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى بؤرة استيطانية (شبه غربية تتشابه مع هونغ كونغ) في جذب استثمارات أجنبية بلغت 7.6 مليار دولار في ذروتها خلال العام 2018.
وبشكل خاص، يستقطب قطاع الإلكترونيات في تايوان الحصة الأكبر من هذا الاستثمار الأجنبي. في الواقع، لا يمكن التقليل من أهمية تايوان بالنسبة لصناعة "أشباه الموصلات" أو (semiconductor industry) الإلكترونية العالمية.
مثلاً، تُعد شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) هي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، وأهم شركة مدرجة في آسيا بقيمة 600 مليار دولار. ويعتمد جزء كبير من سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات على تايوان.
كذلك يُظهر الفحص الدقيق لمشاريع الاستثمار الأجنبي التأسيسية في تايوان أن قطاع الإلكترونيات اجتذب حصة الأسد من الاستثمار الداخلي في عامي 2019 و2020، بحسب مكتب تايوان للتجارة الخارجية.
وتحتل تايوان مركز الاقتصاد الـ21 على مستوى العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 662.1 مليار دولار. إذ نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 44% بين عامي 2010 و2021.
ومن المتوقع أن يتواصل نمو تايوان بنسبة 19% إضافية بحلول عام 2025، وفقاً لشركة Global Data للإحصاءات الدولية.
علاقات اقتصادية ضخمة مع الصين والعالم
يأتي ذلك في الوقت الذي ترتبط اقتصادات الصين وتايوان ارتباطاً وثيقاً.
إذ تُعد الصين أكبر شريك تصدير لتايوان، حيث بلغت قيمة صادراتها 515 مليار دولار من يناير/كانون الثاني 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2022، أي أكثر من ضعف حجم التجارة مع الولايات المتحدة، التي تأتي كثاني أكبر شريك اقتصادي لتايوان، بإجمالي 245 مليار دولار في الفترة ذاتها.
وكانت الصادرات التايوانية للصين عند أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2021، ولكن ربما الأهم من ذلك أن الجزيرة الصغيرة لديها سطوة كبيرة على السوق الصيني بسبب أشباه الموصلات.
ففي عام 2020، أنفقت الصين على استيراد الرقائق أكثر مما أنفقته على النفط. وبحسب Investment Monitor، يعتقد الكثيرون أن الصين تقوم بتخزين الرقائق لاحتكارها بعد تصاعد الضغط العالمي عليها.
وقد تأسس النجاح الاقتصادي السريع لتايوان على مبدأ اقتصاد السوق الحر، والحكومة الخاصة، والعملة الخاصة، والجيش القوي.
يقول ألفريد تساي، مدير الحكومة والشؤون العامة في غرفة التجارة الأمريكية في العاصمة التايوانية تايبيه: "تعمل تايوان كدولة ذات سيادة على الرغم من قدرها الدبلوماسي المحدود".
وتابع: "الموقع الاستراتيجي لتايوان وبيئة الشفافية والديمقراطية النسبية في الدولة الجزيرة تعني أن الشركات الأجنبية قادرة على التمتع بسوق تنظيمي حر وبيئة أعمال مماثلة لما هو موجود في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة".
أهمية استراتيجية قد تحكم الخناق على "بحر الصين"
في الوقت الذي قد يبدو فيه أن تايوان مجرد جزيرة صغيرة، فإن حجم سكانها (23.6 مليون نسمة وفق آخر مسح في 2020)، واقتصادها يحملان أهمية كبيرة في الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، فإن أهمية تايوان تتجاوز اقتصادها أيضاً. وبالنسبة للصين، فإن أهمية تايوان تتجاوز الخطاب القومي المعتاد، وتُعد بمثابة استراتيجية.
إذ يمنع موقع تايوان الصين من المطالبة بالسيطرة الكاملة على بحر الصين الشرقي والجنوبي وتوسيع قوتها البحرية شرقاً للتنافس ضد الولايات المتحدة.
وبالتالي، إذا سيطرت الصين على تايوان، ستهيمن الصين على الممرات الرئيسية للسفن التي تدخل وتخرج من بحر الصين الشرقي والجنوبي، وسيتم عزل حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين مثل اليابان عن التجارة والإمدادات، بحسب تقرير مدير المعهد الأمريكي السابق في تايوان ويليام ستانتون، لموقع Medium.
وبطبيعة الحال، كلاهما له تأثير ضار على اقتصاد الولايات المتحدة الأهم عالمياً، وحجم التجارة والوظائف فيها، وعلى أمن الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.
بالطبع قد تتجاوز أهمية تايوان كل ذلك بكثير إذا ما حققت المزيد من النمو الاستثنائي في مختلف جوانب اقتصادها خلال السنوات المقبلة.
لكن يظل الوقت هو الحَكَم فيما إذا كانت تايوان ستظل الدولة الجزيرة التي تدخر للعالم ثقلاً اقتصادياً واستراتيجياً كبيراً، أم ستكون قريباً بوابة لدولة "الصين العظمى"؟