قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية، في تقرير نشرته الأحد 20 مارس/آذار 2022، إن المدارس الابتدائية في روسيا تدعم الحرب على أوكرانيا من خلال دفع الطلاب لرسم حرف Z، وهو الرمز المكتوب على أغلب المعدات الحربية الروسية الدال على النصر.
ففي أحد الفصول الدراسية المفروشة ببساط مهترئ، اصطف تلاميذ المرحلة الابتدائية في طابور يرسم حرف Z، الذي يظهر في كل مكان، بداية من مواقف الحافلات ومروراً بلاصقات السيارات وانتهاءً بشعارات الشركات، وقد صار جزءاً من الدروس التي تُدرّس في الفصول بينما يوسع الكرملين نطاق حملته الدعائية المناهضة لأوكرانيا، والتي يتعلمها طلاب المدارس بداية من الروضة.
دعاية بوتين تتحول لدروس في المدارس
حيث تُعد هذه جبهة أخرى في حملات الرئيس بوتين القمعية الكاسحة لتجريم أي معارض وفرض اتجاه من الوطنية غير قابل للتشكيك فيه، حتى بينما تزداد روسيا عزلة أكثر فأكثر.
فعلى مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة، نُشرت آلاف الصور على وسائل التواصل الاجتماعي الروسية، تُظهر أطفال المدارس -من الروضة وحتى المدرسة الثانوية- يحضرون حصصاً قومية "خاصة" أو يقفون لالتقاط الصور وهم يرسمون بالطوابير رمزي Z وV الدال على النصر.
حيث يهتف معلم روسي في مقطع فيديو نُشر يوم السبت 19 مارس/آذار 2022، على صفحة رسمية خاصة بمدينة نيجني نوفغورود، التي تبعد عن موسكو نحو 402 كيلومتر شرقاً: "أنا مع الرئيس. أنا مع روسيا".
وخلفه صاحت جوقة الأطفال ممسكين بالبالونات ومرتدين ألوان العلم الروسي الأبيض والأزرق والأحمر: "نحن متحدون إذن نحن لا نُقهر".
استغلال المدارس لدعم بوتين
من جانبه أكد وزير التعليم الروسي، سيرجي كرافتسوف، أهمية المدارس في معركة موسكو من أجل "الفوز في الحرب المعلوماتية والنفسية" ضد الغرب. وفي الوقت نفسه، فرضت روسيا قوانين تكافح الأخبار "الكاذبة" أو "المسيئة" للقوات المسلحة الروسية؛ ما دفع عديداً من الصحفيين والنشطاء إلى مغادرة روسيا.
جدير بالذكر أنه في 3 مارس/آذار 2022، قال كرافتسوف إن 5 ملايين طفل من مختلف أنحاء روسيا شاهدوا درساً بعنوان "المدافعين عن السلام". وهو جزء من سلسلة حكومية على الإنترنت مُخصصة للمدارس أو تُعطى للمعلمين في هيئة شرائح عرض؛ لشرحها بوصفها دروساً إجبارية. وتشمل السلسلة حلقات أخرى، منها حلقة بعنوان "حديث البالغين عن العالم"، وكلها تعرض خطابات بوتين التاريخية الإصلاحية المبررة لغزو أوكرانيا (راجعت صحيفة The Washington Post تسجيلات لتلك الدروس).
كذلك، يُقال للأطفال إن أوكرانيا لم يكن لها وجود قط كبلد مستقل، وإنها في السابق كانت قطعة أرض صغرى تُدعى مالوروسيا (روسيا الصغرى). ثم تظهر خرائط في شرائح العرض توضح أن أوكرانيا الحديثة جزء من الاتحاد السوفييتي، وأن بعض المناطق مثل شبه جزيرة القرم -التي ضمتها روسيا بالقوة عام 2014- وقعت خطأً في يد كييف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
ففي أحد العروض التقديمية المدرسية التي حصل عليها مركز Dossier، وهو وحدة تحقيق استقصائي مقرها لندن ويمولها ميخائيل خودوركوفسكي، المعارض الروسي المنفي، يحاول الروسيون تجنب اللوم في هجومهم على المناطق السكنية بمدينة خاركيف.
جاء في العرض: "كذب: الجيش الروسي يهاجم مناطق سكنية في خاركيف. الحقيقة: الأسلحة الروسية فائقة الدقة لا تضرب إلا الأهداف العسكرية ولا تصيب مدنيين، الأمر الذي كررته وزارة الدفاع مراراً". ويحث العرض الأطفال على عدم الوثوق إلا بالمصادر الرسمية على غرار موقع وزارة الدفاع الروسية أو وسائط الإعلام الحكومية أو بوتين.
سخط وسط أولياء الأمور
من ناحية أخرى أبدى بعض أولياء الأمور سخطهم من ضم الأطفال في ذلك التلقين السياسي، وحاولوا مسح الصور التي تُظهر رمز Z.
حيث طُلب من ابنة إيجور كوستين، التي ترتاد المدرسة الثانوية في مدينة كراسنودار شرق القرم، أن "ترتدي ملابس دافئة وأن تتجمل" استعداداً لفعالية تُقام يوم الجمعة. وقال كوستين في حوار أجراه: "قالت إنهم لن يخبروها ما هي الفعالية إلا يومها. حتى الأطفال لم يعرفوا ما سيشاركون فيه".
كما تواصَل مع المعلم وعرف أن المَدرسة ستشارك في حفل "ربيع القرم"؛ وهو حفل بمناسبة مرور 8 سنوات على ضم روسيا شبه جزيرة القرم، الذي أعقب ثورة أوكرانيا التي أطاحت الرئيس الموالي لروسيا.
في حين أخبر كوستين المَدرسة بأن ابنته لن تشارك في الاحتفال، وتذرع بالقوانين التعليمية التي تمنع الحديث السياسي داخل الفصول الدراسية، وقال: "لم يوافق سوى أولياء أمور 5 أطفال فقط من أصل 22 في الفصل، على حضور أطفالهم هذا اليوم".
لكنه أضاف أنه لم يوجد اعتراض علني من الآباء الآخرين. وقال: "ربما اتفقوا معي بهدوء. لكن الناس مرعوبون. مؤيدو الرئيس يمكنهم قول ذلك بصراحة، لكن الآخرين خائفون".