أشعلت نتائج الانتخابات البرلمانية في قرغيزستان احتجاجات عارمة في عموم الدولة، والتي أسفر عنها اقتحام أحد السجون وإخراج رئيس البلاد السابق ألمازبيك أتامباييف، الذي كان محكوماً عليه بمدة 11 عاماً بتهم فساد.
أين تقع هذه الدولة، وممَّ يتألف شعبها، ما هو نظام حكمها، وكيف تراها منظمة العفو الدولية؟ إليكم كل ما تودون معرفته عن هذه الدولة السوفييتية السابقة.
أين تقع قرغيزستان؟
تقع جمهورية قرغيزستان في شرق آسيا، متوسطة 4 مناطق ذات غالبية مسلمة، وهي إقليم تركستان التابع للصين من الشرق، وأوزبكستان من الغرب، وكازاخستان من الشمال، وطاجكستان من الجنوب.
تبلغ مساحة الدولة نحو 200 ألف كم مربع، وسكانها يتجاوزن 6 ملايين بقليل، بينما تعد بيشك هي عاصمتها وأكبر مدنها.
ويعود تاريخ الدولة إلى أكثر من ألفي عام، تناوب على حكمها الكثير من الإمبراطوريات مثل الإيغور والمغول، كما كانت جزءاً من طريق الحرير، وحديثاً كانت إحدى دول الاتحاد السوفييتي حتى تفككه في العام 1991.
غالبية مسلمة تتحدث التركية والروسيّة
ينقسم الشعب القرغيزي إلى عدّة مجموعات عرقية، أكبرها القرغيز، الذين ينحدرون من الشعوب التركية ويشكلون نحو 73.3% من السكان، ويتبعهم الأوزبك 14.6%، ثم الروس 5.6%، وبعض الأقليات الصغيرة مثل الدونجان والإيغور والطاجك والكازاخستانيون والأوكران.
وبحسب الــCIA فإن نسبة المسلمين في البلاد تبلغ 90% غالبيتهم من السنة، و 7% من المسيحيين الذين يتبعون للطائفة الأرثوذكسية الروسية، و3% من اليهود والبوذيين والبهائيين.
وتعد قرغيزستان إلى جانب كازاخستان الدولتين الوحيدتين اللتين كانتا تتبعان للجمهورية السوفييتية ولا تزالان إلى الآن تحتفظان باللغة الروسية كلغة رسمية للبلاد.
بينما أضيفت اللغة القرغيزية التي تنتمي إلى اللغة التركية لتصبح لغة رسمية أخرى للبلاد، وذلك عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991.
لكن الروسية هي اللغة الأم لغالبية سكان العاصمة، وأيضاً تستخدم في الأعمال التجارية، بينما يقتصر استخدام القرغيزية في المنازل والاجتماعات العائلية.
الانضمام للاتحاد السوفييتي
طوال أعوام طويلة بقي الوجود الروسي في دولة قرغيزستان محصوراً على منطقة توفا في سيبيريا التي دخلوها في منتصف القرن الخامس عشر، ولكن في العام 1876 تمكنت الإمبراطورية الروسية من احتلال كامل قرغيزستان وضمها إلى نفوذها.
في العام 1918 وبعد عام من نجاح الثورة البلشفية وتأسيس الاتحاد السوفييتي، أصبح اسم قرغيزستان رسمياً الجمهورية القيرغيزية الفيدرالية الاشتراكية، فأصبحت الروسية اللغة الرسمية للبلاد، وتم تغيير خط الكتابة من العربية إلى اللاتينية حتى العام 1941، عندما تم تغيير الأحرف بشكل نهائي إلى الأحرف الروسية.
الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي
في مطلع العام 1990 بدأت بعض التوترات العرقية بين القرغيز والأوزبك بالزهور على خلفية صراع على أراض ومنازل في مدينة أوش جنوب قرغيزستان، فتبع لك إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر للتجول.
لكن الفيزيائي عسكر أكاييف تمكن من تهدئة الأمور عقب توليه رئاسة البلاد في العام ذاته.
في تلك الفترة بدأ ما يسمى بالحركة الديمقراطية في قرغيزستان بالتحرك من أجل الحصول على الاستقلال من الاتحاد السوفييتي، وبات أحد القوى السياسية الكبيرة في البلاد.
بدأت هذه الحركة أولاً بتغيير اسم البلاد من الجمهورية القيرغيزية الفيدرالية الاشتراكية إلى جمهورية قرغيزستان، وذلك بموافقة مجلس السوفييت الأعلى.
أما الخطوة الثانية فكانت بإعادة اسم العاصمة فرونزي إلى ما كان عليه سابقاً "بيشك".
وبعد أن بات واضحاً أنّ الحركة الديمقراطية وبعض الحركات الانفصالية الأخرى تعمل من أجل استقلال البلاد، أقام السوفييت في العام 1991 استفتاء من أجل إبقاء البلاد تحت عهدتها، وقد حصل الاستفتاء على موافقة نحو 88.7 من الناخبين.
لكن هذا الاستفتاء لم يكن كفيلاً بإبقاء البلاد تابعة للسوفييت إذ أعلن عن استقلالها في العام ذاته.
سلسلة انقلابات
بقي عسكر أكاييف رئيساً للبلاد منذ توليه الرئاسة في 1990 حتى العام 2005 عندما تم خلعه فيما يسمى بـ"ثورة الزنبق"، التي اندلعت في 25 مارس/آذار.
بعد خلع أكاييف تم تعيين كرمان بك بكاييف قائماً بأعمال رئيس الجمهورية حتى تم انتخابه رئيساً للبلاد في يوليو/تموز من العام ذاته.
ولكنه لم يستمر طويلاً، إذ تم خلعه هو الآخر في انقلاب العام 2010، فيما أطلق عليه اسم "ثورة الوقود"، عندما سيطرت الشرطة على كامل العاصمة بشيك، وتم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة روزا أوتونبايفا التي حصلت على جائزة أشجع امرأة دولية في العام 2011.
تولى بعد ذلك ألمازبيك أتامباييف حكم البلاد حتى العام 2017، عندما تم خلعه ومحاكمته بتهم فساد، إذ من المفترض أن يقضي 8 أشهر في السجن.
ولكن في الاحتجاجات التي اندلعت مؤخراً قام المتظاهرون بإطلاق سراحه وطالبوا سورونباي جينبيكوف الذي يحكم البلاد منذ 2017 وحتى الآن بالاستقالة.
بلد دكتاتوري
رغم أنّ نظام الحكم في قرغيزستان شبه رئاسي ويقال إنه علماني، إلا أن البلاد تعد من أكثر الدول الآسيوية دكتاتورية.
فبحسب منظمة العفو الدولية، فإن السلطات تفرض قيوداً على الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، ولاسيما في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
كما أنّ الفئات المستضعفة، وضمنها الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، تواجه صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية.
كما أنّ الصحفيين المستقلين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين يعانون من الترهيب والتضييق.
شعبٌ بسيط وعادات مميزة
رغم أن البلاد تحوي الكثير من النفط والغاز والتعدين، فإنها تعتمد على الواردات لتغطية معظم احتياجاتها من الطاقة، كما يعيش كثير من الشعب القرغيزي تحت خط الفقر، إذ تعمل الغالبية في مجالات زراعة القمح والذرة والأرز والقطن والشمندر السكري، بينما يعمل البعض الآخر في رعاية المواشي.
كما أن لهم عادات وتقاليد مميزة، أهمها أنهم يحبون الألوان ويترجمون حبهم هذا عن طريق صناعة السجاد الملون الذي لن تجد له مثيلاً في العالم.
كما أنهم من محبي كتابة الشعر وإلقائه، وتعد قصائد "مناص" خير دليل ذلك، إذ تروي في أبياتها قصة بطلهم الأسطوري الذي يسمى "مناص" خلال حروبهم الطويلة مع قبائل الويغور.
يشربون حليب الأحصنة
يعتبر حليب الأحصنة الذي يسمى "قميز" من المشروبات الأساسية والمفضلة لدى الشعب القرغيزي الذي يرى أنه يشفي كثيراً من الأمراض.
لذلك يزور جبال البلاد كثير من السياح المرضى في الفترة الممتدة من أبريل/نيسان وحتى يوليو/تموز من كل عام؛ لكونها الفترة التي تلد فيها الأحصنة من أجل شرب الحليب والتنعم بفوائده.
ويستعمل القرغيز "قميز" بثلاث طرق، ويعتقدون أن له فوائد علاجية وهي:
الطريقة الأولى: شربه بعد حلبه مباشرة؛ لتنشيط الدورة الدموية والتخلص من آلام المعدة والغازات.
الطريقة الثانية: يُخلط مع حليب الماعز أو البقر.
الطريقة الثالثة: يُسكب الحليب في إناء خشبي مباشرة ومن دون غليه، ويُخفق عدة ساعات.