كشفت بيانات الأقمار الصناعية أن صفيحة غرينلاند الجليدية في القطب الشمالي فقدت كمية قياسية من الجليد في عام 2019، بما يعادل نحو مليون طن في الدقيقة على مدار العام، إذ تتسبب الأزمة المناخية في تسخين القطب الشمالي بمعدل مضاعف في خطوط العرض المنخفضة، في الوقت الذي يعد فيه الغطاء الجليدي أكبرَ مساهم منفرد في ارتفاع مستوى سطح البحر، وهو التهديد الذي بدأ يمثل خطراً بالفعل على السواحل في جميع أنحاء العالم.
وفق تقرير لصحيفة The Guardian الجمعة 21 أغسطس/آب 2020، فإن البيانات جاءت لتكشف عن تقلص الصفيحة الجليدية بمقدار 532 مليار طن، العام الماضي، مع ذوبان سطحها وسقوط كتل الأنهار الجليدية/المثالج في المحيط، وهي الكمية التي يمكن أن تملأ نحو سبعة أحواض سباحة بالحجم الأولمبي في الثانية الواحدة.
خسائر غير مسبوقة: يُذكر أن بيانات الأقمار الصناعية الخاصة بالذوبان الجليدي قد بدأ جمعها منذ عام 2003. وجاءت خسارة عام 2019 ضعف المتوسط السنوي منذ ذلك الحين، والذي كان يبلغ نحو 255 مليار طن. إذ فقدت الصفيحة الجليدية هذه الكمية تقريباً في شهر يوليو/تموز 2019 وحده.
أدرك العلماء أن معدل فقدان الجليد في غرينلاند قد أخذ يتسارع بحدة خلال العقود الأخيرة، وأن معدلات الذوبان في عام 2019 مرتفعة جداً، غير أن بيانات الأقمار الصناعية تتيح حساب الكميات الجليدية التي تعرضت للذوبان وصافي الخسارة السنوية. ويقول الباحثون إن حجم الخسائر في عام 2019 كان صادماً، ومن المرجح أن يكون الأكبرَ منذ قرون أو حتى آلاف السنين.
فقدت غرينلاند نحو 532 مليار طن من الجليد في عام 2019، وهي الكمية الأكبر منذ بدء تسجيلات الذوبان الجليدي السنوية.
تفسير العلماء: لنتمثل الخطر المحيط بنا هنا، علينا أن ندرك أنه إذا ذابت الصفيحة الجليدية في غرينلاند بأكملها، فسيرتفع مستوى سطح البحر بمقدار ستة أمتار.
مع ذلك فإن الباحثين قالوا إنه ليس من المؤكد أن الغطاء الجليدي تجاوز نقطة اللاعودة، وأنَّ خفض انبعاثات الكربون يبطئ عملية الذوبان، ما يجعل العملية تستغرق قروناً حتى تكتمل.
من جانبهم، أرجع العلماء الفقدَ الشديد للجليد في عام 2019 إلى "الأنماط المعوقة/الحاجبة" للطقس (blocking patterns) التي أبقت الهواء الدافئ فوق غرينلاند فترات أطول.
وقد تكررت هذه الأنماط بدرجة متزايدة مع ارتفاع درجة حرارة العالم. وتعرض ما يقرب من 96 % من الغطاء الجليدي للذوبان في وقت ما في عام 2019، مقارنة بمتوسط يبلغ نحو 64% بين عامي 1981 و2010.
استخدم البحث، الذي نُشر في دورية Communications Earth & Environment، بيانات من القمر الصناعي "غريس" Grace التابع لوكالة "ناسا"، والذي يأخذ قياسات الجاذبية ويحسب بفاعليةٍ كتلة الجليد في غرينلاند.
ويقول الباحث إنغو ساسغين، من "معهد ألفريد فيغنر للأبحاث القطبية والبحرية" في بريمرهافن بألمانيا، والذي قاد التحليل: "كان عام 2019 صادماً ومحبطاً حقاً من حيث الأرقام، إلا أنه لم يكن مفاجئاً، فقد كانت لدينا سنوات ذوبان قوية أخرى في عامي 2010 و2012، وأتوقع أننا سنرى المزيد والمزيد".
وزاد على ذلك أن معدل تساقط الثلوج في غرينلاند كان منخفضاً في عام 2019، أيضاً بسبب أنماط الطقس الحاجبة، وهو ما يعني إضافة القليل نسبياً من كميات الجليد الجديدة. ليشير ساسغين إلى أن "الرسالة الحقيقية هي أن الغطاء الجليدي غير مستقر إلى حد كبير".
رقم قياسي: يُذكر أن بيانات الطقس ونماذج الكمبيوتر تتيح لنا حساب معدل الخسائر المفترض منذ عام 1948، و"إذا نظرنا إلى السنوات التي شهدت معدلات ذوبان قياسية، سيتبين أن أعلى خمس سنوات حدثت في السنوات العشر الماضية، وهذا مثار قلق حقيقي. غير أننا نعرف الآن ما يجب فعله حيال ذلك: تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون".
ويشير الباحث يارا موهاجيراني، من جامعة كاليفورنيا إرفاين في الولايات المتحدة، وهو لم يكن جزءاً من فريق الدراسة: "تأتي هذه النتائج في وقت حرج. فعام 2019 حطم الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2012 بنسبة بلغت 15 %، وهو رقم قياسي لا مثيل له على مدى قرون عديدة ماضية تصل إلى نحو ألفية سنة".
وأضاف موهاجيراني أن الأدهى هو أن معدل ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي من المرجح أن يزداد في السنوات القادمة، "لذلك من الضروري الاستمرار في مراقبة التغييرات في كتلة [الجليد] في الجليدية من كثب. وقد قطع ساسغين وزملاؤه خطوة مهمة في هذا الاتجاه".