“لا نقابة تحمينا ولا نقاتل كورونا”.. كيف أصبح المعلمون فريسة سهلة للحكومة المصرية؟

عدد القراءات
786
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/14 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/14 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش

التعليم والصحة ترسان رئيسان في عجلة التنمية بأي دولة. هكذا يقول "كتالوج" التقدم في كل دول العالم المتقدم، وهو ما يبدو جلياً في دساتير وقوانين وممارسات الحكومات بهذه الدول. ولكن المفارقة في مصر هي أن تجد هذا الاهتمام موثقاً في الدستور لكن ممارسات الحكومة تناقضه، فلا مستشفيات حكومية تشفي ولا مدارس حكومية تُعلِّم، فضلاً عن أن تربي. التعليم والصحة مهملان، وميزانيتهما ضعيفة، وتُنفق في الأغلب الأعم على أمور إدارية مثل تكلفة إدارة المستشفيات والمدارس وليس على تجديد أو إحلال أجهزة أو رفع كفاءة العاملين أو تحسين دخولهم. وهذه النقطة الأخيرة هي "مربط الفرس" في رفع كفاءة أي هيئة. 

وفي تطور أخير، قررت الحكومة المصرية مواجهة الدروس الخصوصية ومطاردة المعلمين الذين "يتاجرون" بتلك الدروس وإغلاق المراكز التعليمية التي تنظمها، كأن هذه الدروس هي الخطر الأكبر على مسيرة وجودة التعليم في المحروسة! لكن الشيء ذاته لمَّا يحدث في القطاع الطبي، إذ ما زالت العيادات الخاصة تمارس عملها "على عينك يا تاجر" تحت سمع وبصر الأجهزة الحكومية رغم أن الأطباء لا يذهبون بانتظام للمستشفيات الحكومية إلا من رحم ربي؛ وإذا ذهبوا، فقد يفعلون ذلك لا لأداء مهمة إنسانية أو القيام بعملهم فقط، وإنما للدعاية لعياداتهم ومراكزهم الطبية الخاصة كذلك.

والسؤال: لماذا المعلمون لا الأطباء؟

لا أحد يرغب في الدروس الخصوصية، لكن -ورغم هذا- يُضطر الكل إليها؛ ذلك لأن كثافة الفصول الدراسية يستحيل معها أن يستطيع المعلم شرح درس شرحاً وافياً، ولأن المنهج والامتحان مبنيّان على حفظ المعلومات لا فهمها أو تطبيقها، مما يستلزم إعادة الدرس مرات ومرات حتى يُحفَظ، ولأن المرتب الشهري للمعلم لا يكفيه أسبوعاً واحداً. هذه ثلاثة أسباب من بين عشرات الأسباب التي تجعل الدروس الخصوصية ضرورة مجتمعية، والغريب أنها جميعاً بسبب الحكومة المسؤولة عن زيادة عدد ونوع المدارس بما يتناسب مع الزيادة السكانية، والمسؤولة عن تخطيط المناهج ووضع الامتحانات، والتي تقرر وحدها متى وكيف تزيد من مرتبات المعلمين بما يتلاءم مع ظروف الحياة اليومية، ومواجهة التضخم الذي نتج عن سياساتها المختلفة عبر سنوات وسنوات.  

هناك أسباب تتشابه كثيراً وتختلف قليلاً عن تلك الأسباب أعلاه، أدت بالمصريين إلى هجر المستشفيات الحكومية والذهاب للعيادات والمراكز الطبية؛ سعياً للعلاج على أيدي أطباء يعملون في مستشفيات حكومية. ومع ذلك، قررت الحكومة استثناء الأطباء من المطاردة. لماذا؟ يُخيَّل إليَّ أن أحد الأسباب يكمن في أن الحكومة تعنيها صحة المواطن محدود الدخل والقدرات العقلية، لأنها في حاجة له عاملاً بمصنع، ومزارعاً بمزرعة، وحرفياً في مشروعات بناء الكومباوندات الجديدة في حفنة أحياء سكنية ليس لها من المصرية إلا الأرض فقط، وزبالاً يرفع الزبالة من هذه الأماكن الراقية، إلخ. ولو اختفى هؤلاء، أو لو بالأحرى أخفاهم المرض أو غيَّبهم الموت لاضطربت الحياة، وهو ما لا يحدث في حال سوء التعليم أو عدم تفوُّق التلاميذ دراسياً أو عدم حصول مصر على مركز متقدم في جودة التعليم. 

سبب آخر في مطاردة المعلمين لا الأطباء، قد يكمن في الظروف الراهنة وملابسات كورونا، الضيف الثقيل الذي لا يواجهه إلا الأطباء؛ فمن باب أَولى ترك بعضهم وضيفهم الثقيل يجاهدونه قدر استطاعتهم، وترك بعضهم الآخر يكافحون أمراضاً قي عياداتهم ومراكزهم الطبية لا قِبل للحكومة بصدِّها، في ظل انشغال مستشفيات الحكومة بضحايا كورونا وامتلائها عن بكرة أبيها. 

والسبب الأخير، كما يخيَّل إلي، قد يكون في الفرق بين نقابة الأطباء ونقابة المعلمين. فرغم أن الأخيرة أكبر عدداً من حيث عدد الأعضاء، فإنها نقابة مدجَّنة شاهدت -وما زالت- منذ سبعينيات القرن الماضي التهاون في حق المعلمين مالياً، وتشويه صورهم بأعمال فنية رخيصة ولم تحرك ساكناً، عكس نقابة الأطباء التي ناهضت إلى حد كبيرٍ تغوُّل الحكومة في شؤونها، وتحاول قدر استطاعتها الدفاع عن المنتسبين إليها وقت الأزمات، فضلاً عن توفير خدمات تليق بهم مثل بناء مساكن ونوادٍ للأطباء، مما يرفع صورة الطبيب الاجتماعية ويُبقيها في عيون الناس كما ينبغي أن تكون. 

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، هناك أسئلة أخرى تلحُّ عليَّ في هذا الصدد: لماذا لا تكافح الحكومة البرامج الموازية في الجامعات الحكومية التي يدفع الطلاب مبالغ كبيرة للالتحاق بها والبرامج المشابهة بالجامعات الخاصة رغم أنها دروس خصوصية "على كبير"؟ ولو دفع المعلمون ضرائب بانتظام، فهل يتوقعون من الحكومة قانون "تصالح" يقنن الدروس الخصوصية على غرار قانون التصالح الخاص بالمباني المخالفة؟ الإجابة عن هذين السؤالين متروكة للحكومة، التي يعرف الكل أنها لن تجيب. أما "متى تقف نقابة المعلمين مع المعلمين؟ ومتى يقف المعلمون صفاً واحداً يدافعون عن مهنتهم وحقوقهم؟"، فهذا سؤال متروك للنقابة ومعلميها الإجابة عنه، وعلينا الانتظار…

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سعودي صادق
كاتب ومترجم مصري
كاتب ومترجم مصري
تحميل المزيد