تمضي اليوم الذكرى الرابعة للانقلاب الفاشل في تركيا، تلك الذكرى التي ستبقى خالدة في تاريخ انتفاضات وثورات الشعوب من أجل الحرية. في الخامس عشر من يوليو/تموز، قدَّم الشعب التركي درساً في فنون الصمود والدفاع عن الديمقراطية، وأذهل العالم بهزيمته للانقلابيين هزيمة ساحقة.
وقع ذلك في يوم راقبه العالم أجمع بعين الاحترام والتقدير، حتى الأعداء أنفسهم ومن خططوا للمؤامرة ضد تركيا أذهلهم المشهد الذي لن يُمحى من ذاكرتهم. دحر الانقلاب قصة تستحق أن تُكتب لها ألف رواية، وأن تخلَّد في كتب التاريخ كلحظة مفصلية في تاريخ الأمة التركية.
الشعب الحر والزعيم الذي جاء بالديمقراطية، وقدَّم لبلاده كل ما يستطيع وما يملك، فملك قلوب مُحبيه وحاز رضاهم، وحصل على احترام معارضيه، معاً استطاعوا إفشال محاولة انقلاب خطرة.
دفاعاً عن الديمقراطية
لماذا نزلت الجموع مُخاطِرةً بحياتها لتحمي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان؟ ما الذي أجبرهم على ترك منازلهم ساعة الخوف لمواجهة الآلة العسكرية المتعجرفة؟
إنهم يرون فيه نموذجاً للقائد النادر المخلص الذي انتشل بلاده من القاع ليوصلها إلى القمة، معتمداً على سواعد أبنائها. أردوغان وحزب العدالة والتنمية، والتجربة التركية برمَّتها، والحياة والأحزاب السياسية هي قصة نجاح لا ينكرها أحد. أردوغان شخصية لها وزنها بالعالم، ولها مَحبتها في قلوب أبناء تركيا وخارج تركيا. كما أظهر الانقلاب الفاشل مدى الحب الذي يكنُّه العالم الإسلامي لذلك الرجل، فقد تعاطف كثير من العرب والمسلمين مع الرجل في محنته، وكانت الدعوات والقلوب كلها متجهة إلى تركيا، متمنيةً فشل مساعي المتآمرين في انقلابهم.
كان مناصرو الحرية والديمقراطية يومها يهتفون باسم أردوغان، حتى الذين لا يهتمون بالسياسة والإعلام صاروا لحظتها من أكثر المتابعين؛ فالجميع يسأل: هل نجت تركيا من العسكر؟
في عالمنا العربي نعرف أن العساكر إذا حكموا بلداً أفسدوها، وجعلوا شعبه ذليلاً.. أيامهم تبدأ بوعود وتنتهي بديون وسجون.
كانت الألسنة تهتف لحظتها باسم تركيا المدنية المتقدمة كأنهم يهتفون ويتمنّون لأنفسهم مستقبلاً بلا عسكر، مستقبلاً صار في قيد الإمكان بعدما أعطى شعب تركيا درساً غالياً للعرب في تلقين المتآمرين درساً قاسياً لكن ثمنه باهظ.
عندما انطلقت القوات الانقلابية في الشوارع، كان الجميع يراقب تلك الساعات، هناك من يراقب بحذر وهناك من يراقب برجاء وتعاطف وأمل، وهناك من يراقب بشماتة، أمانيه أن تعود تركيا ألف سنة إلى الوراء وأن يُحكم شعبها بالحديد والنار، لأنه اعتاد على السياط العسكرية فتعوَّد العبودية والاستعباد. ويتمنى أن يصبح الجميع مثله، ولكن الله خيَّب رجاءه فخرج الشعب التركي من أجل تركيا المدنية أولاً والديمقراطية ثانياً، ورداً لجميل نظام رأوا على يده الازدهار الاقتصادي والتطور العسكري والاجتماعي. وهو النظام الذي أراحهم من الحكم العسكري الذي أذاقهم من جحيمه ويلات وويلات، ومن المستحيل أن يسمحوا له بالعودة. أربع ساعات مشوقة تدرَّس، ينبغي أن تحفظها الشعوب العربية عن بكرة أبيها، وأن تعرف أن ثمن الحرية والديمقراطية غالٍ.
السر وراء تعاطف الشعوب العربية مع تركيا، إلى جانب الدِّين الذي يجمعهم مع معها والعلاقات التاريخية والاجتماعية، كان أيضاً مقاساة العرب مُرَّ وعلقم الحكم العسكري لعقود ومعاناتهم المستمرة معه. إن العرب يفتقدون أوطانهم رغم أنهم يعيشون فيها ولكنهم لا يحسُّون لا بِحرية ولا يتمتعون بحقوق، فيهجرونها بحثاً عن الأمان الذين يفتقدونه… فماذا يعني الوطن إذا افتقد المواطن الأمان فيه.
إن العرب يفتقدون الزعيم الذي يقودهم وينتشلهم من القاع إلى القمة، وإنها لَأمنية أن يمتلك كل بلد من بلدانهم أمثال أردوغان وحكومته وقَبلهم النظام الديمقراطي المدني ومناخ الحرية. يفتقد العرب المعارضة الوطنية، والإعلام الوطني، والفنانين الوطنيين، والأدباء والمثقفين الذين يلتفون حول الوطن قبل كل شيء، ولا مكان لهؤلاء في ظل الحكم العسكري، وتلك بلدان العرب شاهدة.
لقد كان العرب يتعاطفون مع أنفسهم أولاً عندما وقفوا ضد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وعندما تمنَّوا فشله واندحاره كانوا يتمنون أن تتنحى جيوشهم من الحكم وأن تُسلَّم البلاد إلى يدٍ أمينة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.