سؤال يطرح نفسه وينتظر الإجابة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.. هل سينجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الاستحقاق الرئاسي القادم ضد منافسه الديمقراطي جون بايدن؟
لا يملك أحدٌ الإجابة عن هذا السؤال، ولكن تُعد استطلاعات الرأي الأمريكية التي تُجريها العديد من المؤسسات الإعلامية، وعلى رأسها قنوات فضائية ومؤسسات إعلامية ضخمة مثل "سي إن إن" مؤشراً لتحديد توجهات وآراء الجمهور، على الرغم من الفشل والانتكاسة في مصداقية هذه الاستطلاعات التي أظهرتها نتائج الاستطلاع في الاستحقاق الرئاسي السابق في عام 2016، بين الرئيس الأمريكي الحالي ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، حيث كانت تشير هذه الاستطلاعات حتى قبل بدء الانتخابات بساعات قليلة إلى تقدُّم هيلاري كلينتون، وأتت المفاجأة المدوية مع اللحظات الأولى للفرز، والتي أظهرت تقدم ترامب، ما يعد سقطة مدوية لاستطلاعات الرأي الأمريكية، وخاصة الرئاسية منها.
ولكن ما يجعلنا نشير إليها هو قلق ترامب نفسه وحملته الرئاسية بوضوح من الأرقام التي بدأت تتردد مؤخراً حول الانخفاض الحاد في شعبية دونالد ترامب، بسبب ما قيل عن سوء إدارته لأزمة فيروس كورونا، وكذلك تبعات مقتل الأمريكي الأسمر جورج فلويد، على يد الشرطي ديريك تشوفين، الذي ظهر في إحدى جولات ترامب الانتخابية في الحملة الرئاسية الأولى.
وقد عبّر ترامب عن استيائه من مسار حملته الرئاسية بتصريح واضح قائلاً "أرغب في الخروج.. أنا في البيت الأبيض منذ شهور"، وبالفعل بعد أيام من هذا التصريح ظهر ترامب في حوار تلفزيوني على قناته المفضلة فوكس نيوز، ليبهر المشاهدين بتصريح جديد قائلاً: "أعتقد أني قدَّمت للأمريكان من ذوي الأصول الإفريقية أكثر ما قدَّم رئيس أمريكي آخر"، ثم راجع نفسه سريعاً تاركاً احتمال أن يكون لينكولن قدم شيئاً ما مهماً ومؤثراً قبله، وختم جملته بالشك أنه قد يكن هو الأفضل من لينكولن.
وفي الحوار نفسه دافع ترامب عن الشرطي ديريك مجدداً، وهاجم الحشود والمظاهرات، ووصفها بالهمجية، وقال إن معظم مَن فيها لا يعلمون لماذا يشاركون فيها.
وفي تصريح آخر لترامب في كنيسة بمدينة دالاس، ثالث أكبر مدينة بولاية تكساس، أكد ترامب على أهمية وجود جهاز شرطي قوي، ولكنه أشار أيضاً إلى أهمية التدريب، وأن إدارته ستزيد من مخصصات تدريب قوات الشرطة، وفي السياق نفسه، ذكر أن أمريكا لن تنهض والملايين يتحدثون عن العنصرية.
وفي مؤشر ثالث، أعلن ترامب عن تنظيم أول مهرجان انتخابي له يوم 19 يونيو/حزيران الجاري، في يوم الحرية، بمدينة تولسا بولاية أوكلاهوما، وهو يوم مهم، يحتفل فيه الأمريكيون من أصل إفريقي بذكرى نهاية العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعد أوكلاهوما من أهم المعاقل الانتخابية التي فاز فيها ترامب بفارق 30% في الانتخابات السابقة عن منافسته هيلاري كلينتون في عام 2016.
وفي الوقت نفسه يُعرَف عن مدينة تولسا عنصريتها ضد السود في الحقبة الكونفدرالية، وهو ما أثار حفيظة العديد من السياسيين، الذين سارعوا بانتقاد اختياره لهذه المدينة.
وإذا علمنا أن المؤشر الخاص بتتبّع شعبية الرؤساء أشار إلى تدني شعبية الرئيس ترامب، لتصل إلى 41 خلال الشهر الحالي، وهو أدني تصنيف لشعبية ترامب منذ أن حاول مجلس النواب عزله في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
إذاً الرئيس الأمريكي نفسه هو من يعيد الزخم إلى أرقام استطلاعات الرأي مرة أخرى، حيث إن أرقام استطلاعات الرأي الأخيرة دفعته إلى مرحلة القلق المعلن، وحفّزته إلى مخاطبه جمهوره الأصيل مرة أخرى، دون أي تراجع عن خطابه الشعبوي التقليدي الذي مارسه منذ ظهوره الأول، وهو ما يشير إلى أن ملامح الحملة الرئاسية القادمة ستحتوى على خطاب إعلامي أشرس من الأولى بكثير، وسيتوجه بها إلى جمهوره فقط، بلا أي مبالاة أو التفات إلى الآخرين وانتقاداتهم.
والمعروف أن ترامب حصل على لقب الرئيس الأكثر استقراراً في شعبيته منذ الحرب العالمية الثانية، حيث إنها تتراوح دائماً بين 40% و45%.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ترامب فعلاً قابل للانهيار؟
تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى تقدم بايدن، المنافس الديمقراطي، بنحو 4 لـ6 نقاط، منذ أبريل/نيسان، ومع الاحتجاجات الأخيرة بعد مقتل جورج فلويد، ارتفع تقدم بايدن إلى 8 نقاط.
وفي استطلاع أجرته "سي إن إن" يربط بين نتائج انتخابات الاستحقاق الرئاسي السابق لترامب والقادم، أشار استطلاع رأي أجرته جامعة إيمرسون أن 92% ممن رفضوا ترامب في المرة الأولى لا يزالون يرفضونه بشدة.
وإذا كانت الكتلة التي رفضت ترامب في المرة السابقة لا تزال تتمتع بتماسكها الانتخابي، فستكون رمانة الميزان إذاً كالعادة هي كتلة المستقلين، وهنا يأتي مكمن قلق ترامب، إذ إن معظم استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها مؤسسات كبيرة مثل "إن بي آر" أو "إيكونوميست" تشير إلى تقدم بايدن أيضاً بين المستقلين، وهي إشارة ليست جيدة لحملة ترامب الرئاسية حول إمكانية إعادة انتخابه.
ولكن لا يزال هناك خمسة أشهر أمام ترامب قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، يستطيع فيها الرئيس الحالي أن يُعدّل من مسار شعبيته، خاصة أن قدرته على استشعار الخطاب الإعلامي الذي يتناسب مع جمهوره عالية جداً، ومن الممكن أن نقول إنه يدركها بالفطرة، ويعول الطرف الآخر على أن هذه الفطرة لن تكون إلا سبباً جديداً في تراجع شعبيته، حيث إنه كما ظهر من خلال المؤشرات الثلاثة الأولية السابقة، سليعب على أوتار حساسة جداً تُغازل روح الاندفاع في قطاع عريض من أصوات مؤيديه.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ترامب قابل للانهيار؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.