عندما بدأ الإرهابي المسلح مرتكب مجزرة نيوزيلندا هجومه على مسجد النور، هرع أحمد العايدي قاصداً أقرب مخرجٍ للطوارئ. كان هو أوَّل الواصلين إليه. قال أحمد: "حاولت فتح الباب، لكنَّه لم يُفتح"، وفق ما نقله موقع Stuff النيوزيلندي.
وصف العايدي وغيره من الناجين من هجوم مسجد كرايستشرش، متحدِّثين لوكالة أنباء Associated Press، مشهدَ الارتباك والفزع قبالة الباب الموجود بأحد جانبي المُصلَّى الرئيسي، في أولى الشهادات عن الدور الذي لعبه الباب الموصد بالمذبحة.
قال العايدي إنَّ عدداً مهولاً من الناس حشروه قبالة الباب حتى انكسر أحد ضلوعه. وقال ناجٍ آخر، وهو خالد النوباني، إنَّه يظن أنَّ حوالي 17 شخصاً ماتوا وهم يحاولون الهرب من ذاك الباب.
لا أحد استطاع فتح باب الطوارئ يوم مجزرة نيوزيلندا
والمحتمل أن يكون المحققون بالحادثة قد عاينوا نظام قفلٍ كهربي جديد رُكِّب بالباب قبل أيامٍ من الهجوم على المسجد. تقول إدارة المسجد إنَّ كهربائياً جاء وعطَّل نظام القفل قبل يومٍ من الهجوم، إلَّا أنَّ بعض مَن هربوا من الموت يشكِّكون بهذه الرواية. ما كان جلياً هو أنه لا أحد استطاع أن يفتح الباب ظهيرة يوم الحادثة.
بوقوف المسلَّح في منتصف المسجد، كان ذاك الباب المهرب الوحيد أمام مَن كانوا إلى جانبيه، هذا على الأقل إلى أن بدأ الناس يحطمون النوافذ ليهربوا من خلالها.
قُتل 50 شخصاً برصاص المسلَّح في مسجدين بمدينة كرايستشرش خلال الحادث، من بينهم 42 شخصاً قُتلوا في مسجد النور. يقول العايدي وغيره إنَّه إذا كان الباب الجانبي آنذاك مفتوحاً على مصراعيه كما يكون عادةً أثناء صلاة الجمعة، ربما تمكَّن ناسٌ أكثر من الهرب.
وقال شاغاف خان، وهو رئيس جمعية مسلمي منطقة كانتربوري، التي تُشرف على إدارة المسجد، إنَّ الباب الجانبي كان مغلقاً مثلما يكون الباب الأماميّ لمنزل. ولكنه قال إنَّه لم يكن موصداً، ومع ذلك ربما اعتقد المصلُّون أنَّه كان موصداً في خضم ارتباكهم.
دون أن يعرفوا السبب
وقال خان إنَّ كهربائياً اختبر نظام القفل الكهربي، يوم الخميس 14 مارس/آذار 2019، ثم عطَّل القفل قبل صلاة الجمعة. وقال إنَّه ليُفتَح الباب على الشخص أن يُدير مقبض الباب لا أكثر. وقال إنَّه كان من قبيل المصادفة البحتة، وربما لأنَّ الجو كان بارداً يومها، أن الباب لم يكن مفتوحاً كالعادة.
قال: "في أي يوم جمعةٍ آخر يكون الباب مفتوحاً، لكن في تِلك الجمعة تحديداً، لم يَفتح أحد الباب". وأضاف خان كذلك أنَّه يتَّفق مع افتراض أنَّ عدداً أكبر من المصلين كانوا سيهربون من مجزرة نيوزيلندا إذا ما كان الباب مفتوحاً.
وأوضح قائلاً: "إذا ما كان الباب مفتوحاً كلياً وقتها، كان سيسهل على الناس الخروج ناجين بحياتهم. لكن لا أحد كان مستعداً لما حدث، كنَّا مهيئين لحدوث طارئٍ كنشوب حريقٍ أو هزة أرضية، وفي هذه الحالة كان سيكون أمام المصلين وقتٌ للهرب، لكن ما حدث كان أمراً غير ذلك كلياً، أمراً لا تضعه في خطتك للطوارئ".
وقال العايدي إنَّه في لحظات الارتباك تِلك لا يعرف تحديداً ما إن كان فشل في إدارة المقبض بشكلٍ صحيح لا أكثر، أم منع شيءٌ آخر الباب من أن يُفتَح.
الشرطة النيوزيلندية تُحقق أيضاً في ذلك
قال النوباني إنَّه هو الآخر حاول فتح الباب دون جدوى، وهو يعرف كيف يتعامل مع هذا المقبض. وقال إنَّه يظن أنَّ الباب كان موصداً بالقفل الإلكتروني. وقال إنَّ مجرَّد ضغط الزر الموجود إلى جانب الباب كان ليفتحه، لكن لا أحد كان يعرف بأمر ذاك النظام الجديد.
وقال خان إنَّ المسجد كان يتَّبع القوانين، التي توجِب أن تكون مخارج الطوارئ سالكة، ويكون الوصول إليها سهلاً، وغير موصَدة.
ومن جانبها، قالت الشرطة إنَّ معاينة موقع جادث مجزرة نيوزيلندا هوَ جزءٌ من التحقيق في الهجوم، وإنَّها لن تُعلِّق على هذه الافتراضات ما دام التحقيق جارياً.
وقال روبرت رايت، وهو رئيس قسم تراخيص البناء بمجلس مدينة كرايستشرش، في رسالةٍ إلكترونية، إنَّ المسجد كان ملتزماً بقانون المباني وقت حدوث الهجوم، وإنَّه حاصلٌ على شهادةٍ سارية تُعرَف باسم "شهادة كفاءة مبنى".
وقال العايدي، 30 عاماً، إنَّه كان يستمع يوم الهجوم إلى خطبة الجمعة التي كان يُلقيها الإمام جمال فودة، عندما سمع صوت خمس أو ست طلقاتٍ نارية. ظنَّ بدايةً أنَّه كان صوت خللٍ كهربي، لكنَّه سمع بعد ذلك صوت صراخ وهرع قاصداً الباب.
وأضاف: "أتى الإخوة كلهم واحداً وراء الآخر، وواحداً فوق الآخر".
اللجوء إلى القوة لفتح الباب
قال العايدي إنَّه حينما لم يتمكَّن من فتح الباب حاول عندئذ أن يلكم بيده أقسام الزجاج السداسية في الجزء السفلي من الباب. عندما لم ينجح ذلك أيضاً حطَّم العايدي زجاج الباب بركبته، ثم ركله إلى الخارج. زحف العايدي من أسفل الباب وجرى ناجياً بحياته.
وأوضح العايدي، وهو طاهٍ من الأردن انتقل إلى نيوزيلندا منذ تسعة أعوام، أنَّه فكَّر في عائلته بالمنزل وهو يركض من مجزرة نيوزيلندا . وهم زوجته الحامل، وابنه البالغ من العمر 3 أعوام، والطفلة التي ينتظران قدومها في الأسابيع المقبلة.
وقال العايدي إنَّه بدأ يساعد الناس وراء المسجد على الهرب من فوق حاجزٍ، لكنَّه لم يستطع أن يقفز عابراً إياه بسبب ضلوعه المصابة.
شقّ ناجٍ آخر طريقاً ثانياً للهرب قرب الباب، بأن اندفع محطماً نافذة بجسده وحامياً وجهه بذراعيه. قال طارق شنافة إنَّه سمع صوت تات-تات-تات-تات-تات، وأدرك في التو أنَّه صوت سلاحٍ نصف آلي، نظراً لقضائه عامين في التجنيد العسكري الإجباري بالجيش الجزائري.
وقال النوباني إنَّه عندما دخل المسجد يوم جُمعة مجزرة نيوزيلندا ، كان قد لاحظ أنَّ الباب مغلق، وفكَّر أن يفتحه، لكنَّه رأى مصلِّين كبار السن يحضرون الصلاة. فكَّر النوباني آنذاك أنَّ الجو باردٌ وعاصف قليلاً فتركه موصداً.
ما مكن البعض من النجاة من رصاص إرهابي نيوزيلندا
النوباني كشف أنَّه تمكَّن هو الآخر من الزحف عبر زجاج الباب الجانبي المهشَّم وفرَّ. وقال إنَّه عاد مجدداً ليساعد بإنقاذ طفلٍ دفعه والده عبر فتحة الباب، ثم ساعد الأب ليهرب هو الآخر.
وأضاف: "حاولت إنقاذ الطفل، وفكَّرت أنَّني ربما أفقد حياتي، لكنِّي وحدي. إنَّما الأب لديه ما هو أكثر يخسره".
النوباني استطرد قائلاً، إنَّه عندما حاول مساعدة شخص ثالث للخروج من الفتحة، ضُرِب ذلك الرجل خلال مجزرة نيوزيلندا بالرصاص. وقال إنَّ المسلح كان قد خرج من المسجد ليحضر مسدساً آخر من سيارته، وبدأ يُطلِق عليه النار عندما عاد، لكنَّه تمكَّن من الهرب، ثم أوصَل شخصين مصابين إلى المستشفى.
تصرَّف المسلح سريعاً، مُسقطاً المصلِّين على جانبي المسجد. تمكَّن بعض المصلِّين الموجودين على الجانب المقابل من الباب الجانبي المُغلَق من الهرب، لكنَّ المسلَّح كذلك قتل الكثيرين غيرهم وهم يحاولون الهرب.
وقال الإمام متحدثاً لوكالة Associated Press عقب الهجوم: "كان يقف خلف المصلين، وكان يطلق النار باستمرار، إنها مأساة، مأساة".
يقول شنافة إنَّه مازال حزيناً ومرتبكاً، وإنَّه يجد صعوبةً في النوم. وقال كذلك إنَّه لا يعرف ماذا يعتقد بشأن الباب. وقال: "سننتظر كثيراً حتى نعرف الحقيقة".