كشفت صحيفة The Guardian البريطانية عن بدء الولايات المتحدة في تصنيع أجزاء من صاروخ كروز أرضي جديد تحسباً لإلغاء المعاهدة التي وُقعت خلال الحرب الباردة، التي كانت تحظر تصنيعه، بحسب ما أكدته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وقالت ميشيل بالدانس، المتحدثة الرسمية باسم البنتاغون، الإثنين 11 مارس/آذار 2019، وفق ما نقلته الصحيفة البريطانية، إن تصنيع مكونات صاروخ كروز الأرضي الجديد بدأ بالفعل، وهو ما ذكرته مجلة Aviation Week الأمريكية مسبقاً.
وهذه هي المرة الأولى التي تصنع فيها الولايات المتحدة مثل هذه الأسلحة منذ الثمانينيات عندما نُشرت صواريخ كروز في أوروبا في مواجهة محتدمة مع صواريخ SS-20 السوفيتية.
إلغاء المعاهدة النووية دفع واشنطن لتطوير صاروخ كروز
وأضافت بالدانس أنه رداً على الانتهاك الروسي للمعاهدة، بدأ البنتاغون"البحث والتطوير المتوافق مع المعاهدة لمفاهيم الصواريخ الأرضية التقليدية في أواخر عام 2017″.
وأكدت أن الصاروخ المشار إليه كان تقليدياً وليس نووياً. وقالت إنه نظراً لأن الولايات المتحدة كانت ملتزمة سابقاً بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى، كان البحث في مراحله الأولى ولكن الآن لم تعد الولايات المتحدة ملتزمة بالمعاهدة، ولذا فإنها تمضي قدماً في جهود التطوير.
وأشارت بالدانس إلى أن العمل قد بدأ في تصنيع "مكونات دعم الاختبارات التطويرية لهذه الأنظمة"، مضيفة أن هذا العمل "لم يكن متوافقاً مع التزاماتنا بموجب المعاهدة".
وتابعت: "إن عملية البحث والتطوير قابلة للإلغاء، إذا عادت روسيا إلى الالتزام التام القابل للإثبات قبل انسحابنا من المعاهدة في أغسطس/آب 2019"
طوال عدة سنوات، كانت روسيا تنكر تطوير صواريخ 9M729 متوسطة المدى، ولكن بعد تحقق المخابرات الأمريكية من وجودها، قالت روسيا إن مداها أقل من 500 كيلومتر المحظور بموجب المعاهدة.
إلا أن حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يقتنعوا برد روسيا، ودعموا إدارة ترامب التي وجهت اللوم لروسيا لتسببها في إلغاء معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.
ما يجعل الوضع مرشحاً ليكون "أكثر خطورة"
وقال توماس كونتريمان، المساعد الأسبق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الدولي وحظر الانتشار النووي، لقد خاب أملنا في الحلفاء الأوروبيين الذين لم يضغطوا على روسيا لعدم تطوير صواريخها قبل انسحاب ترامب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.
وقال كونتريمان، رئيس رابطة الحد من الأسلحة ومقرها واشنطن، "لم يَفت الأوان بالنسبة للأوروبيين لتقديم اقتراحات لسيناريو ما بعد معاهدة القوى النووية متوسطة المدى".
وأضاف أنه يمكن إبرام اتفاقية لحظر نشر الصواريخ الروسية والأمريكية في أوروبا، أو التعهد بعدم جعل أي من الصواريخ متوسطة المدى الجديدة قادرة على حمل رؤوس نووية.
وقال سيرغي روغوف، مدير معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إن عودة صاروخ كروز متوسط المدى إلى أوروبا ستخلق وضعاً أكثر خطورة من المواجهة النووية في الثمانينيات.
وأضاف روغوف، في كلمته خلال مؤتمر كارنيغي الدولي المعني بالسياسة النووية في واشنطن، "إذا نُشرت الصواريخ الأمريكية الجديدة في دول البلطيق أو بولندا فإنها ستكون قادرة على الوصول إلى روسيا في غضون 3 أو 4 دقائق".
فهل تلجأ روسيا إلى النظام الدفاعي "اليد الميتة"
وأضاف أن ذلك سيجعل روسيا تزود عدد أنظمة الإنذار المبكر لديها، ما سيجبرها أيضاً على الاعتماد على شن ضربة استباقية ضد أسلحة الولايات المتحدة أو العودة إلى النظام الدفاعي Perimeter الذي كان يُستخدم خلال الحرب الباردة، والذي كان يُعرف باسم "اليد الميتة" لأنه يُنتج رد فعل نووياً تلقائياً ضد أي هجوم على أنظمة التحكم والمراقبة الروسية.
وقال روغوف إن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قد طمأنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأن الانسحاب الأمريكي من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى لا يحمل أي نية عدائية تجاه روسيا ولكنه لا يضمن عدم نشر الصواريخ الأمريكية بالقرب من الحدود الروسية.
وتابع روغوف: "دُهشت من سرعة قرار البدء في تصنيع صاروخ كروز . وهذا يحدث دون أي معاهدات ملزمة قانوناً لذا سنجد فوضى تامة".
وقالت هيذر ويليامز، المحاضرة بقسم الدراسات الدفاعية بجامعة كينجز كوليدج البريطانية، إن عملية التطوير لا تعني حتمية نشر الصواريخ في أوروبا. وأضافت: "لكن هذه التصورات الخاطئة جزء من المشكلة".