وصل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى فيتنام في وقتٍ مبكر، الثلاثاء 26 فبراير/شباط 2019، بينما يستعد للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمناقشة مجموعة من القضايا الدبلوماسية الشائكة، من بينها نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
صحيفة The New York Times الأمريكية قالت إنه بغضِّ النظر عن اجتماع القمة، ستكون زيارة كيم إلى فيتنام رمزيةً بصورٍ أخرى. وأحد أسباب ذلك هو أنَّ فيتنام وكوريا الشمالية بينهما صداقةٌ طويلة تشمل التعاون في أثناء حرب فيتنام، ولديهما كذلك علاقات معقَّدة مع الصين، جارتهما المشتركة.
وكذلك فكوريا الجنوبية والولايات المتحدة تعتبران مصالحة فيتنام مع أعدائها القُدامى بعد الحرب -ونموها الاقتصادي المزدهر في العقود القليلة الماضية- نموذجاً محتملاً قد تتبعه حكومة كيم. وربما ستُقدِّم إيماءاته وتعليقاته في اجتماع القمة لمحةً عمَّا إذا كان سيوافق على ذلك.
وصل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون بالقطار المصفح إلى الحدود الصينية الفيتنامية في نحو الساعة 8:20 صباحاً بتوقيت العاصمة الفيتنامية هانوي، ثم اتجه نحوها في موكب سيارات. نستعرض هنا لمحة موجزة عن الأماكن التي قد يذهب إليها كيم في فيتنام، والرمزية السياسية والتاريخية الكامنة في الزيارة.
ظل الحرب
سافر كيم من كوريا الشمالية إلى الحدود الفيتنامية عبر الصين، في قطارٍ شهير بطيء مضاد للرصاص. ووصل القطار إلى بلدة دونغ دانغ، وهي أحد الأماكن التي عبرت منها القوات الصينية إلى فيتنام في عام 1979، مما أسفر عن اندلاع حربٍ حدودية قصيرة، لكنَّها دموية.
وجاءت تلك الحرب في فترةٍ اتَّسمت فيها العلاقات الفيتنامية الكورية الشمالية بالتوتر.
صحيحٌ أنَّ بيونغ يانغ اعترفت بالنظام الشيوعي الوليد في فيتنام عام 1950، أي قبل أربع سنوات من استقلال البلاد عن فرنسا.
وانضمَّت لاحقاً إلى الصين في توفير العتاد والأفراد لفيتنام الشمالية في حربها ضد الولايات المتحدة، لكنَّ الغزو الفيتنامي لكمبوديا في عام 1978 دفع كوريا الشمالية، التي كانت أحد حلفاء حزب الخمير الحمر، إلى توفير ملاذٍ للأمير الكمبودي نورودوم سيهانوك.
وأمضى الأمير سنواتٍ لاحقاً في العيش في قصورٍ صغيرة في بكين وبيونغ يانغ.
وفي الوقت نفسه، لم تَعُد العلاقات بين فيتنام والصين إلى طبيعتها حتى عام 1991.
زيارة رئيس كوريا الشمالية لمقابر رفاق النضال
من المتوقع أن يسافر كيم انطلاقاً من الحدود عبر عدة مقاطعات في شمالي فيتنام، من بينها مقاطعة باك جيانج، التي نُشِرَ فيها المئات من أفراد سلاح الجو الكوري الشمالي في حرب فيتنام، وهذا رمزٌ للثقة والتعاون بين البلدين.
وعلى غرار الضباط العسكريين الروس الذين أُرسلوا آنذاك لدعم القوات الشيوعية ضد نظام جنوب فيتنام، الذي كان مدعوماً من أمريكا، ارتدى الطيارون الكوريون الشماليون الزي العسكري الفيتنامي، واستخدموا طائراتهم ومرافقهم ومعداتهم. ثم أُعيد رفاتهم من فيتنام إلى كوريا الشمالية في عام 2002، لكنَّ مقابرهم ما زالت موجودة في أحد حقول الأرز في باك جيانغ.
وقال يونغ فان داو، الموظف المسؤول عن العناية بالنصب التذكاري، لوكالة Associated Press متحدثاً عن الجنود الكوريين الشماليين الذين ماتوا في هذه الحرب: "حين ماتوا، عاملهم الفيتناميون كما عاملوا الشهداء الفيتناميين الذين ضحوا من أجل البلاد".
دروسٌ اقتصادية للزعيم كيم جونغ أون
ومن مقاطعة باك جيانغ، يمكن أن يتوجه رئيس كوريا الشمالية إلى الجنوب الغربي عبر مقاطعة باك نينه، حيث يقع مصنع عملاق للهواتف المحمولة تملكه شركة سامسونغ الكورية الجنوبية، التي تُعَد أكبر مستثمر أجنبي في فيتنام.
ويُعَد هذا المصنع رمزاً قوياً لإسهام الاستثمار الأجنبي في إحداث نقلةٍ في اقتصاد فيتنام منذ أواخر الثمانينات، حين بدأ الحزب الشيوعي الحاكم -على عكس القيادة الكورية الشمالية- حملة إصلاحاتٍ اقتصادية سُمِّيَت بالباب المفتوح.
جديرٌ بالذكر أنَّ فيتنام طبَّعت علاقاتها مع كوريا الجنوبية في عام 1992، وهي الآن رابع أكبر شريكٍ تجاري لكوريا الجنوبية، إذ بلغت قيمة التجارة الثنائية بين البلدين في العام الماضي نحو 62.6 مليار دولار.
وقد أجرى وفدٌ كوري شمالي جولةً في مقاطعة باك نينه مؤخراً، مما عزَّز تكهُّناتٍ بأنَّ كيم قد يزور مصنع سامسونغ في الأسبوع الجاري.
أصداء استعمارية
من المتوقع أن يجتمع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون مع دونالد ترامب يومي الأربعاء 27 فبراير/شباط والخميس 28 فبراير/شباط، في واحدٍ من مكانين في وسط هانوي.
أحدهما هو دار ضيافة الحكومة الذي كان مقر إقامة الحاكم الاستعماري لمنطقة تونكين، وهو اسم شمال فيتنام في أثناء فترة الاستعمار الفرنسي. وأصبح المبنى مقراً لحكومةٍ انتقالية قادها الثوري الشيوعي هو تشي منه، الذي أعلن استقلال فيتنام عن فرنسا في عام 1945.
ويقال إنَّ الخيار الآخر هو فندق Sofitel Legend Metropole Hanoi الذي بُنِيَ في الحقبة الاستعمارية، والذي كان السناتور الأمريكي جون ماكين يحب الإقامة فيه والتحدُّث فيه إلى الصحفيين في زياراته إلى فيتنام. (ينبغي عدم الخلط بين اسم هذا الفندق واسم "هانوي هيلتون"، المُستقى من الكوميديا السوداء، الذي يُعبِّر عن سجن هانوي، حيث كان ماكين محتجزاً بصفته سجين حرب من قبل).
يُذكَر أنَّ من بين المشاهير الآخرين الذين نزلوا في هذا الفندق كانت المطربة الشعبية الأمريكية جوان بيز، التي أقامت في مخبأٍ سري تحت الفندق في أثناء تفجير هانوي، في ديسمبر/كانون الأول من عام 1972.
وبقي المكان الدقيق للقبو غامضاً على مرِّ سنواتٍ بعد الحرب حتى عام 2011، حين اكتشفه عمالٌ كانوا يبنون حانةً بجوار حمام السباحة.
زعماء محبوبون
ما زالت بقية تفاصيل مسار زيارة كيم جونغ أون في هانوي محاطةً بالسرية، لكن من المنطقي أنَّه قد يتوقَّف لزيارة ضريح الزعيم الفيتنامي هو تشي منه، الذي يقع على بُعد بضع بنايات من سفارة كوريا الشمالية.
وجديرٌ بالذكر أنَّ هو تشي منه واحدٌ من العديد من الزعماء الشيوعيين الذين حُنِّطوا في العقود الأخيرة، من بينهم كيم جونغ إل والد رئيس كوريا الشمالية ، وجده كيم إيل سونغ. وكان وزير الخارجية الكوري الشمالي ري يونغ هو قد حضر مراسم وضع إكليل من الزهور على الضريح، حين زار هانوي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
أمَّا بالنسبة للعشاء، فإذا قرَّر الوفد الدبلوماسي المرافق لكيم تناول العشاء، ربما سيفكرون في معطم بيونغ يانغ، الذي يعد واحداً من العديد من المطاعم التي تديرها الحكومة الكورية الشمالية في جميع أنحاء العالم، ويقع في هانوي.
وعادةً ما تُساعد تلك المطاعم في حصول النظام الكوري الشمالي على العملة الصعبة، لكنَّ بعض النقاد يقولون إنَّها مواقع لغسيل الأموال، وانشقاق النادلات الكوريات الشماليات عن بلدهن أحياناً.
زيارة خليج هالونغ؟
حين سافر مسؤولٌ كوري شمالي بارز معروف باسم "كبير خَدَم" كيم إلى فيتنام الأسبوع الماضي، توقف في خليج هالونغ، وهو مقصد سياحي شهير يقع بالقرب من مدينة هايفونغ المينائية الشمالية.
وإذا زار رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون أيضاً خليج هالونغ، فإنَّه بذلك سيتبع خطى جده الذي ذهب إلى هناك في عام 1964. وقد يرى كيم، الذي يُقال إنَّه يهتم كثيراً بقطاع السياحة في كوريا الشمالية، خليج هالونغ نموذجاً مفيداً لكيفية اكتساب جاذبيةٍ سياحية شهيرة.
وفي الوقت نفسه، فمصانع هايفونغ القريبة، التي تصنع منتجاتٍ لشركات مثل إل جي إلكترونيكس الكورية الجنوبية، يمكن أن تكون درساً لكيم في كيفية جذب الاستثمار الأجنبي.