اعترف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بوجود "انهيار واضح في المساواة" بالضواحي ذات البنايات الشاهقة والعقارات الواقعة على أطراف المدن الرئيسة، وذلك خلال جولته بفرنسا، في محاولة تهدف إلى التصدي للاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي تقودها حركة السترات الصفراء.
وقال ماكرون إن الدولة يجب عليها أن "تكفل العدالة الاجتماعية"، وأن تحول دون أن يصير الأشخاص الذين يعيشون في الضواحي المحرومة محاصَرين "تحت نوع من الإقامة الجبرية الاجتماعية"، حسبما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية.
وألقى ماكرون حديثه، الإثنين 4 فبراير/شباط 2019، خلال ظهوره بمبنى بلديةٍ يقع جنوب العاصمة الفرنسية باريس، في أثناء لقاء استمر ساعات مع رؤساء البلديات ونشطاء المجتمع. لكنه لمح إلى احتمالية تنفيذ مزيد من خفض الإنفاق العام. وناقش ماكرون هذه المسألة، قائلاً: "يمكننا أن نؤدي بشكل أفضل في ظل خفض الإنفاق، إذا وجَّهنا الإنفاق بالأماكن الصحيحة".
التظاهرات أوقفت برنامج ماكرون الداعم لإصلاح قانون العمل
تأجلت في الواقع العملي رئاسة ماكرون الداعمة للأعمال التجارية أكثر من شهرين، فضلاً عن أن برنامجه من أجل إصلاح قانون العمل ودولة الرفاه توقف؛ في ظل كفاحه لاحتواء احتجاجات الشوارع المناهضة له والتي تقودها حركة السترات الصفراء.
ويحاول الرئيس الفرنسي الآن بدء "تغيير" فرنسا، الذي وعد به من خلال "حوار وطني كبير"، يتضمن اجتماعات في مباني البلديات بفرنسا، حيث بإمكان المواطنين التعبير عن رؤاهم حول الضرائب والديمقراطية والبيئة والطريقة التي تُدار بها فرنسا.
وخرج ماكرون بتأنٍّ في زيارات رفيعة المستوى، لحضور مناقشات تُعقد بمباني البلديات بفرنسا وفي حضور رؤساء البلديات، إذ يمسك بالميكروفون ويشمر أكمام قميصه، وأحياناً يستمر في النقاش إلى ما يصل لـ6 ساعات. بعد أن واجه مقاطعات وتهكماً عندما خرج للحديث، بذروة أزمة "السترات الصفراء" في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من العام الماضي (2018)م، فإنه الآن يشارك في نقاشات عامة منظمة بعناية، كما لو أنه يعود مرة أخرى للسير على نهج حملته الانتخابية.
لكن العقارات شاهقة الارتفاع الموجودة على أطراف المدن الفرنسية -التي عانت عقوداً البطالة والتمييز- لم تظهر ظهوراً بارزاً خلال أزمة "السترات الصفراء".
لكنه يحاول استدراك ذلك بزيارة الضواحي المهمشة
زيارة ماكرون، الإثنين 4 فبراير/شباط 2019، لبلدية إيفرى كوركورون، الواقعة على بُعد 20 ميلاً جنوب باريس، استهدفت إظهار إنصاته إلى المجتمعات في الضواحي والأحياء الفرنسية المهمشة، حيث يشعر كثيرون بأنه فشل في معالجة شواغلهم.
قابل ماكرون أكثر من 300 شخص من المسؤولين المنتخبين وقادة الجماعات المحلية من المجتمعات المحرومة. وعبَّر عدد من الأشخاص عن سخطهم من الرئيس، محذرين من "انفصال المجتمعات" و "انعزالها".
وحاز فيليب ريو، رئيس بلدية جريني الشيوعي، تصفيقاً من الحضور عندما قال إن المجتمعات المحرومة في أطراف المدن "لا تريد الإحسان، بل العدالة". وأوضح أن "التمييز الإقليمي" والاجتماعي كان حاضراً بفرنسا ولم تصلحه الدولة. وأضاف أن الأشخاص في المجمعات السكنية شعروا بأنهم غير موجودين في أعين الحكومة، وأن الوعود الفرنسية بـ "الحرية، والمساواة، والأُخوة كانت محجوزةً من أجل هؤلاء المنتمين إلى فئة معينة".
وقال إنه يسعى إلى إيجاد حلول للمشاكل القائمة
أصرَّ ماكرون على أنه من خلال حضور المناقشات مع رؤساء البلديات، استمع إلى أشياء لم يكن سيسمعها إذا لم يحضر هذه المناقشات. وقال إن لديه "قناعات"، ولكنها ليست "جميع الحلول"، التي يريد الآن الوصول إليها جميعاً. وقال إنه لو سار كل شيء فَعَلَه بصورة مثالية، ما كانت فرنسا ستواجه هذه الأزمة.
وتوسل رئيس بلدية إحدى المناطق المحرومة، قائلاً: "لا تتخلَّ عنا"، ليردَّ عليه ماكرون: "لن أتخلى عنكم، فذلك ليس من طبعي".
لم يسبق أن جُربت في فرنسا هذه العملية التي يضطلع بها ماكرون من خوض نقاشات موسعة في البلاد، تستمر حتى مارس/آذار 2019. وتساءل بعض المعارضين السياسيين -ومتظاهرو "السترات الصفراء" أنفسهم- عما إذا كانت الحكومة سوف تنصت حقاً إلى مقترحات المواطنين.
صار شخص ماكرون محل تركيز احتجاجات "السترات الصفراء"، التي بدأت باعتبارها ثورة ضد ضريبة الوقود في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وسرعان ما تحولت إلى حركة غاضبة ضد الرئيس، الذي يواجه اتهامات بالغرور وتفضيل الأغنياء من خلال سياساته المؤيدة للأعمال التجارية.
ويرى 35% من الفرنسيين أن ماكرون منفصل عن الواقع
على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى ارتفاع طفيف في شعبية ماكرون بين مصوّتي اليمين الذين وافقوا على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاحتجاجات– لا تزال شعبيته في العموم منخفضة؛ إذ تتراوح بين 25% و35%. يرى كثيرون بين الشعب الفرنسي أن ماكرون منفصلٌ عن الواقع، ووجد استطلاع رأي حديث صادر عن مؤسسة Elabe البحثية، أن نحو 8 من بين كل 10 فرنسيين اعتقدوا أنه استبدادي.
ففي المرحلة التي تسبق انتخابات البرلمان الأوروبي المنعقدة في مايو/أيار 2019، يبدو أن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، الذي أسسه ماكرون، يتساوى في الاستطلاعات مع حزب الجبهة الوطنية اليميني، الذي ترأسه مارين لوبان.