قصة غريبة تلك التي ترويها صحيفة The New York Times الأميركية عن رجل إندونيسي تلجأ إليه وسائل الإعلام العالمية بعد وقوع أي زلزال في البلاد، إذ بات الرجل على بعد أشهر من الوفاة كما قال له الأطباء، إنه سوتوبو بورو نوعروهو المتحدث باسم الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث في البلاد.
وقالت الصحيفة الأميركية، إن 2018 كان عاماً كارثياً بالنسبة لسوتوبو بورو نوغروهو على المستوى القومي والشخصي، وقد أصبح مصاباً بالسرطان في مراحله الأخيرة.
وأصبح سوتوبو، المتحدث باسم الوكالة الوطنية الإندونيسية لإدارة الكوارث، اسماً مألوفا كمصدر للمعلومات الموثوقة خلال سلسلة مميتة من الزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية وأمواج تسونامي التي وقعت قبل أسبوع واحد فقط وتسببت في مقتل أكثر من 400 شخص.
وفي الوقت نفسه، كان يواجه مصيبته الخاصة. إذ علم في وقتٍ مبكر من هذا العام 2018، وهو في سن 48، أنَّه مصاب بسرطان الرئة في المرحلة الرابعة، مع أنَّه لم يُدخِّن طيلة حياته. وأخبره الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنة إلى ثلاث سنوات.
كان مصدوماً عند سماعه الخبر
وبحسب الصحيفة الأميركية، قال خلال مقابلة أُجريَت معه مؤخراً في مكتبه بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا: "صدِمتُ حين سمعتُ بتشخيص حالتي في يناير/كانون الثاني. وبعد ذلك، تقبَّلتُ حقيقة أنَّ هذا مصيري، تماماً كما هو حال الأشخاص الذين تضرَّروا من الزلازل وموجات تسونامي".
والآن بعد أن أصبح في الـ49 من عمره، يستغل سوتوبو الوقت المتبقي له للانغماس في عمله، فحاز إعجاب مواطنيه وحظي بالكثير من المتابعين على الشبكات الاجتماعية.
ويمتلئ حسابه على تويتر بمقاطع فيديو مأساوية للانهيارات الأرضية، ومياه الفيضانات المتدفقة، والبراكين الثائرة، وصور له وهو يخضع للعلاج الكيميائي في مستشفى بجاكرتا.
وبعدما ضرب زلزال بلغت قوته 7 درجات جزيرة لومبوك السياحية في أغسطس/آب الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 550 شخصاً، استقبل سوتوبو اتصالات من الصحافيين فيما كان يتلقى العلاج.
وعلى الرغم من الألم المتواصل الذي يشعر به في عظامه، حيث انتشر السرطان، واظب على الحضور المميز في المؤتمرات الصحافية التي تُبَثّ مباشرة في أنحاء البلاد.
وقال: "عندما تقع كارثة ويتوجَّب عليّ عقد مؤتمرٍ صحافي، يزداد إفراز مادة الأدرينالين في جسمي وأنسى حتى أنَّني مريض. ولكن ما إن أعود إلى المنزل، حتى يعاودني الشعور بالألم".
الحزام الناري للزلازل
وتُعَد إندونيسيا أرخبيلاً ضخماً يضم أكثر من 17 ألف جزيرة، وهي عُرضة على نحوٍ خاص للثورات البركانية والزلازل وأمواج تسونامي لأنَّها تمتد على طول منطقة الحزام الناري، وهي منطقة زلازل نشطة تقع على أطراف المحيط الهادئ.
وقال سوتوبو إنَّ هذا العام كان أكثر الأعوام التي شهدت كوارث طبيعية مميتة منذ أكثر من عقد من الزمن. إذ لقي أكثر من 4600 شخص حتفهم، ولا يشمل هذا الرقم الركاب وأفراد الطاقم البالغ عددهم 189 الذين قُتِلوا في حادث تحطم الطائرة التابعة لخطوط طيران Lion Air الإندونيسية في بحر جاوة في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب الصحيفة الأميركية.
كانت أسوأ الكوارث هي الزلزال الذي بلغت قوته 7.5 درجة وموجات تسونامي اللذين ضربا جزيرة سولاويسي في سبتمبر/أيلول الماضي وأسفرا عن مقتل أكثر من 2100 شخص.
وقال سوتوبو: "كان هذا العام عام الكوارث".
وعندما جاءت موجات تسونامي الثانية هذا العام مساء يوم 22 ديسمبر/كانون الأول في مضيق سوندا، كان سوتوبو في مدينة يوغياكارتا، لقضاء عطلة مع عائلته والبحث عن علاج بديل للسرطان المصاب به.
وسرعان ما بدأ في إرسال أحدث الأنباء إلى وسائل الإعلام الإخبارية، واستمر في ذلك حتى الساعة الواحدة صباحاً. وعاد إلى العمل قبل الساعة السادسة صباحاً، واعتذر عن الأخطاء الإملائية في رسائله، قائلاً إنَّ ذلك بسبب الخدر في أصابع يده اليسرى الناتج عن العلاج الذي يتلقاه.
الإنذار المبكر في البلاد سيئ للغاية
وفي وقتٍ لاحق، تحدث بصراحة عن قصور نظام التحذير من تسونامي، قائلاً إنَّ "نظام الإنذار المبكر بالكوارث في إندونيسيا لا يزال بعيداً كل البعد عن أن يكون مُرضياً".
ويعتمد الناس في مختلف أنحاء إندونيسيا على سوتوبو عند وقوع كارثة.
وقالت كارولين مارينجكا، وهي مديرة متجر في جاكرتا، مُتحدِّثةً عن سوتوبو: "إنَّه يشرح ما يجري بلغة بسيطة للأشخاص العاديين. أشعر أيضاً أنّه شديد التفاني في عمله ويضع مصلحة الناس أولاً. ولا يزال يؤدي عمله، مع أنَّه يعاني من مرض عضال".
وعلى الرغم من حالته الصحية، كان سوتوبو متفائلاً وقوياً خلال مقابلةٍ معه استمرت ساعتين.
وقال سوتوبو، الأب لطفلين يبلغان من العمر 12 و19 عاماً، إنَّه كان يتناول المورفين للتغلب على الألم، بما في ذلك آلام عموده الفقري. وقال إنَّ الاستلقاء مؤلمٌ جداً لدرجة أنَّه نادراً ما ينام لأكثر من ثلاث ساعات في الليلة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وغالباً ما يكتب عن حالته في حسابه بموقع تويتر، وينشر صور الأشعة السينية لرئته، وصوراً تقارن بين رأسه الأصلع قبل وبعد خضوعه للعلاج، والتي تُظهر بشكلٍ غريب أنَّ بعض الشعر قد نما مرةً أخرى أثناء تلقيه العلاج الكيميائي.
نشأ باك توبو، كما يدعوه مُحِبّوه، في بلدة بويولالي في مقاطعة جاوة الوسطى على بُعد 531 كيلومتراً تقريباً شرق جاكرتا وقريباً من جبل ميرابي، وهو واحد من بين البراكين النشطة الكثيرة في إندونيسيا. ودَرَسَ سوتوبو الجغرافيا في الجامعة، وحصل بعد ذلك على درجة الدكتوراه في إدارة الموارد الطبيعية والإدارة البيئية.
قصة نجاحه
وقد عَمِلَ لـ16 عاماً لدى الهيئات الحكومية كباحث، بشكل رئيسي في قضايا المياه. وبعد انهيار أحد السدود قرب جاكرتا في عام 2009، والذي أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص، عَمِلَ على تحليل صور السد وأعلن النتيجة التي توصل إليها، وهي أنَّ الشقوق في الهيكل تسبَّبت في انهيار السد.
وقال: "كنتُ وحدي في مواجهة وزارة الأشغال العامة. وتلقّيتُ الكثير من التهديدات في ذلك الوقت كي أبقى صامتاً".
ومع ذلك، طُلِب منه تولّي دور قيادي في تحليل وتفسير الكوارث اللاحقة.
وقال إنَّه رفض منصبه الحالي ثلاث مرات، لأنَّه لا يريد وظيفة يعتقد أنَّ دوره فيها سيكون الترويج لرئيسه.
وفي نهاية المطاف، لم يُترَك له خيار عام 2010، عندما توجَّه في أحد الأيام لحضور حفل وهو يرتدي حُلة. وفور وصوله، اكتشف أنَّه يؤدي اليمين لمنصب المتحدث الرسمي باسم وكالة إدارة الكوارث.
وقال إنَّه لم يتلقَّ أي تدريب لممارسة وظيفته.
وأضاف: "ليس لديّ خلفية عن الاتصالات. إنَّني أؤدي عملي فحسب. ولابد أن أتحلّى بالجرأة لانتقاد الحكومة، ليس باستخدام اللغة البيروقراطية، ولكن بأسلوبي الخاص".
يفسر الكوارث ويحللها
غالباً ما تنتشر الشائعات بسرعة أثناء الكوارث الكبيرة، ويرى سوتوبو أنَّ جزءاً من وظيفته يتعلَّق بمكافحة التضليل والتقارير الكاذبة. وقال: "ما أقوله هو الحقيقة، وليس أخباراً زائفة مثلما يفعل (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب".
ومثل العديد من الإندونيسيين، يُفضِّل سوتوبو باراك أوباما، سلف الرئيس ترامب، الذي قضى طفولته في إندونيسيا وزارها عدة مرات بعد فوزه بالرئاسة عام 2008.
وفي بلدٍ يعتمد فيه الناس في كثيرٍ من الأحيان على المعتقدات الدينية والخرافات لفهم العالم، تستلزم وظيفة سوتوبو في بعض الأحيان تفسير علم الكوارث، مثل حقيقة أنَّ الزلازل والثورات البركانية تنتج عن تحرك الصفائح التكتونية التي تُشكِّل طبقة الأرض الخارجية.
ويعتمد كذلك على دمج الأفكار المحلية السائدة والمعتقدات التقليدية في تفسيراته.
فقال: "النهج الثقافي ينجح بصورة أفضل من مجرد الاكتفاء بالحديث عن العلم والتكنولوجيا. إذا اعتقد الناس أنَّ هذا عقاب من الله، فإنَّ ذلك يجعل تجاوزهم للأمر أسهل".
وتمتلئ رفوف مكتب سوتوبو بعشرات الجوائز. وكرَّمت مجموعة إندونيسية تكافح الشائعات، تُدعى Mafindo، سوتوبو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على جهوده لمكافحة انتشار المعلومات الكاذبة في فترات الكوارث. واختارت صحيفة Straits Times السنغافورية سوتوبو "شخصية العام الآسيوية" هذا الشهر، بحسب الصحيفة الأميركية.
واقعة نجمة الراب العالمية
ويُعَد الاهتمام الذي يلقاه غير معتاد بالنسبة لموظفٍ بيروقراطي من الدرجة المتوسطة. إذ أصبح شهيراً لدرجة أنَّ الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الذي يصفه سوتوبو بأنَّه مثله الأعلى، التقى به في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتحقَّق حلمٌ آخر من أحلامه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عندما التقى سوتوبو نجمته المفضلة، مغنية البوب رايسا أندريانا.
كان يحاول جذب انتباهها من خلال إدراج اسم حسابها على موقع تويتر في بعض تغريداته عن الكوارث. وقال إنَّه كان يأمل أن تُعيد تغريد رسائله لمتابعيها البالغ عددهم 8.4 مليون متابع.
وعندما لم تستجب، بدأ بعض متابعيه باستخدام هاشتاغ #RaisaMeetSutopo (رايسا قابلي سوتوبو) على تويتر، والذي انتشر بصورة كبيرة لبضعة أيام في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقد التقيا أخيراً الشهر الماضي في جاكرتا، حيث غنت له أغنية. ووصف ذلك اللقاء بأنَّه أحد أبرز الأحداث في حياته.
مَن التالي في قائمة من يتمنى لقاءهم؟
قال سوتوبو: "ليس دونالد ترامب، بل أوباما".