بدأت طلائع محتجي "السترات الصفراء" بالتدفق باتجاه جادة الشانزليزيه السبت 15 ديسمبر/كانون الأول 2018، تحيط بهم قوات أمنية كبيرة في سبت خامس من التظاهرات التي تشكل اختباراً للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواجه صعوبة في احتواء الغضب، على الرغم من سلسلة تنازلات قدمها لتعزيز القدرة الشرائية.
وفيما رفع المحتجون شعار استقالة ماكرون، أغلقت المتاجر والمطاعم في محيط شارع الشانزليزيه أبوابها، فيما ستتوقف بعض خطوط مترو الأنفاق عن الخدمة.
وكلفت السلطات الفرنسية 89 ألف شرطي بحفظ الأمن، في عموم البلاد، بينهم 8 آلاف في باريس، مزودين بـ12 عربة مدرعة.
وقال جيريمي (28 عاماً) الذي قدم من مدينة رين (غرب) "المرة الأخيرة تجمعنا من أجل الرسوم، هذه المرة جئنا من أجل المؤسسات: نريد مزيداً من الديمقراطية المباشرة". وأضاف: "يجب أن نصرخ ليسمع صوتنا".
وقبيل الساعة 09,30 كان قد تم توقيف نحو ثلاثين شخصاً في المنطقة الباريسية، وهو عدد أقل بكثير من 300 شخص أوقفوا في هذا الوقت من السبت الماضي، في إطار عمليات وقائية.
وبدت باريس من جديد مدينة في حالة حصار من آليات مدرعة في الشوارع، إلى انتشار أمني كثيف ومصارف ومحلات تجارية سدت واجهاتها بألواح خشبية.
وفي أجواء البرد القارس، بدأ المتظاهرون يصلون في مجموعات، اعتباراً من الساعة الثامنة.
أزمة اجتماعية غير مسبوقة
وفي يوم السبت من الأسبوعين الأخيرين بلغ عدد المتظاهرين 136 ألف شخص. لكن التجمعات شهدت أعمال عنف، خصوصاً في باريس.
ويزداد تأثير هذه الأزمة الاجتماعية غير المسبوقة والأسوأ في عهد ماكرون، على الاقتصاد، الذي ستكون نسبة نموه الضعيفة أساساً، أقل من التقديرات.
وحول قوس النصر الذي تعرض للتخريب، في الأول من ديسمبر/كانون الأول، تمركزت شاحنات الدرك منذ الفجر بينما شوهدت شاحنات مزودة بخراطيم مياه في الجادة، التي تحولت خلال أسابيع إلى مركز التظاهرات.
ولمواجهة أي فلتان، أعلنت السلطات في باريس عن نشر ثمانية آلاف عنصر من قوات الأمن و14 آلية مدرعة.
إغلاق المحال بسبب التظاهرات
وفي محيط الشانزليزيه أكدت ماريا، التي تملك حانة أنها تخشى فلتاناً جديداً. وقالت: "لدينا أوامر بإغلاق الحانة عندما يبدأ إطلاق الغاز المسيل للدموع". وأضافت "ليتظاهروا، هذا ليس مشكلة، لكن هذا التخريب يسبب أضراراً".
وكان سكرتير الدولة الفرنسية للشؤون الداخلية لوران نونيز قال: "نتوقع تعبئة أقل حجماً، لكن مع أفراد أكثر تصميماً".
ودعا أحد محتجي "السترات الصفراء" من فوكلوز (جنوب) كريستوف شالانسون، الذي يعد من الممثلين "البنائين" في الحركة، إلى "مزيد من الحزم" وقرر التظاهر السبت "حتى استقالة" الرئيس.
تحقيق الهدف أو خسارة كل شيء
وصرح ماكرون، الذي تهاجمه هذه التظاهرات، في بروكسل، الجمعة: "بلدنا يحتاج اليوم إلى الهدوء، يحتاج إلى النظام".
وأضاف الرئيس الفرنسي الذي كان يتحدث في ختام قمة أوروبية "قدمت رداً" على مطالب "السترات الصفراء" أن "الحوار… لا يتم باحتلال الأماكن العامة والعنف".
وكان ماكرون المصمم على ألا يسمح لهذه الحركة بوأد برنامجه الطموح للإصلاحات التي تواجه معارضة كبيرة، قدم سلسلة تنازلات إلى "السترات الصفراء" أكثرها رمزية زيادة المساعدات الاجتماعية للذين يتلقون حداً أدنى من الأجور بمقدار مئة يورو.
لكن المواقف من إجراءات ماكرون كانت مبتاينة داخل حركة الاحتجاج، التي تطالب بخفض الضرائب وتعزيز القوة الشرائية.
وقال لودوفيك (40 عاماً) الذي جاء السبت للتظاهر في باريس، معبراً عن أسفه إن "مئة يورو إضافية لا تهم سوى عدد قليل من الأشخاص".
وعنونت صحيفة "لوباريزيان" السبت "تحقيق الهدف أو خسارة كل شيء"، بينما كتبت صحيفة "لوفيغارو" أن "ماكرون يعول على التشاور لإخماد الاحتجاج".
وفي الوقت نفسه، ستجري عمليات تفتيش في الطرق ومحطات القطارات ووسائل النقل المشترك في باريس.
وستفرض إجراءات حماية على الدخول إلى المؤسسات مثل قصر الإليزيه والجمعية الوطنية.
وقررت مجموعة "كيرينيغ" للسلع الفاخرة (غوتشي وايف سان لوران وبوشرون) إغلاق محلاتها، لكن المراكز التجارية الكبرى مثل "غاليري لافاييت هوسمان" ستفتح أبوابها.
وفي بوردو، التي شهدت أعمال عنف واسعة، السبت الماضي، سيكون عدد من الحدائق العامة والمكتبات والمتاحف والأوبرا مغلقة.
وفي جنوب شرقي فرنسا، في مدينة أفينيون، منع التظاهر داخل المدينة القديمة. وستجري مسيرة خارجها في ذكرى مصرع أحد المحتجين، بعدما صدمته شاحنة عند دوار.