لم يتأخر رد حركة السترات الصفراء كثيراً على خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتعلن الثلاثاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2018، رفضها لما تعهَّد به في أول خطاب له عن أسواً أزمة داخلية تتعرض لها فرنسا منذ 50 عاماً.
واعتبرت حركة السترات الصفراء أن خطاب ماكرون عن الإصلاح الاقتصادي غير مقنع، مؤكدة مواصلة احتجاجاتها في العاصمة باريس ومدن أخرى حتى تلبية مطالبها الـ40، التي تم إرسالها في وقت سابق إلى وسائل الإعلام المحلية.
وكان ماكرون قد تعهَّد في كلمة للشعب نقلها التلفزيون بسلسلة إجراءات تصبُّ في خانة تعزيز القدرة الشرائية وتقضي برفع الحد الأدنى للأجور 100 يورو اعتباراً من 2019، من دون أن يتحمّل أرباب العمل أي كلفة إضافية، وإلغاء الضرائب على ساعات العمل الإضافية اعتباراً من 2019 وإلغاء الزيادات الضريبية على معاشات التقاعد لمن يتقاضون أقلّ من 2000 يورو شهرياً.
الوقت لم يحن لإيقاف الحراك
ويرى العديد من المتظاهرين الذين تحدثت معهم إذاعة "أوروبا 1" الفرنسية، أن الوقت لم يحن بعد لإيقاف حراك السترات الصفراء.
ففي الشوارع، لم يرضِ خطاب ماكرون المتظاهرين، حيث صرحت إحدى المنتسبات للسترات الصفراء في مقاطعة فريجوس لإذاعة "أوروب1" قائلة: "لقد كنا نتوقع هذا الخطاب الذي خلا من أي معنى"، بحسب ما ذكره موقع Europe1 الفرنسي.
واعتبرت أن الرئيس الفرنسي لم يلقِ "سوى ببعض الفتات.. سنواصل البقاء في الشوارع، كما سنواصل إغلاق الطرقات" في محاولة منها للتعبير عن استنكارها لهذا الخطاب الذي امتد لنحو 13 دقيقة.
بالنسبة لفابيان، وهي متظاهرة أخرى من مدينة برنيول في مقاطعة فار، فإنه "يجب أن نذهب أبعد من ذلك. ويوم الثلاثاء، سأعود من جديد للشارع".
واعتبرت فابيان أن خطاب ماكرون يعتبر "خطوة للأمام، ولكنها غير كافية. لذلك فإن السترات الصفراء غير مستعدة للتخلي عن حراكها".
نقائص في خطاب ماكرون
تحدث العديد من المستمعين والمعلقين لإذاعة "أوروبا 1" عن نقائص في قرارات الرئيس الفرنسي، حيث نشر فرانك على موقع فيسبوك أن الرئيس "قد نسي الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1000 يورو في الشهر، يعني مثلي أنا، أي الأشخاص المحسوبين على ذوي الاحتياجات الخاصة".
من جهته، عبر ميشال عن تجاهله للحلول المتقدمة التي عرضها إيمانويل ماكرون، قائلاً على شبكات التواصل الاجتماعي: "لست عاملاً يتقاضى أجراً متدنياً، ولا أعمل ساعات إضافية، ولست متقاعداً..".
من جهته، علق مارك: "لم يقل الرئيس شيئاً في خصوص قطاع الخدمات العامة. مثلاً، في قطاع الصحة، ولم يتحدث ماكرون عن كيف سيتم سد الثغرات في الإيرادات الضريبية والاجتماعية عبر الأموال الموزعة في البلاد. فالزيادات التي أقرها لا تدخل في حسابات المعاش".
ماكرون في مأزق
وهذا الرد السلبي من أصحاب "السترات الصفراء" يحمل أنباءً غير مبشرة للإليزيه، خاصة الرئيس الفرنسي الذي قدم تنازلات كبيرة للمحتجين، بدءاً من إلغاء زيادة الضريبة على الوقود، وانتهاء بالتحسينات الاقتصادية التي أعلنها أمس، ما يُنذر باستمرار الأزمة، ويضع ماكرون في مأزق كبير.
لكن المأزق الأكبر الذي قد يواجهه ماكرون قد يكون خارجياً، فقد أعلنت المفوضيّة الأوروبية أنها ستدرس بعناية كيف ستنعكس على الميزانية الفرنسية الوعود التي أطلقها ماكرون لامتصاص غضب "السترات الصفراء".
وقال مفوّض شؤون اليورو نائب رئيس المفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس في ستراسبورغ حيث يعقد البرلمان الأوروبي جلسة عامة: "إننا نتابع من كثب الإجراءات الجديدة المحتملة التي جرى الإعلان عنها، لكن لا يمكننا التعليق عليها قبل أن يتم الإعلان عنها بطريقة صحيحة وبالتفصيل".
ولطالما كان موقف المفوضية الأوروبية واحداً في هذا الصدد، أيّ إنفاق من خارج الموازنة الوطنية يجب أن يتمّ تمويله من زيادة أو تقشّف.
وليس واضحاً ما الخطة التي أقرَّها ماكرون لتنفيذ وعوده، في حال أنه سيعتمد على الخزينة الفرنسية في حل الأزمة، خاصة أن الإجراءات التي أقرها ستكلّف هذه التدابير الخزينة العامة الفرنسية المليارات من اليورو.
وأعلن ماكرون حالة طوارئ اقتصادية واجتماعية في البلاد، على وقع الاحتجاجات العارمة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، وباتت تعرف بـ "السترات الصفراء".
ماكرون يتحمّل جزءاً من الأزمة
وأشار الرئيس الفرنسي في خطابه إلى أنه يتحمّل جزءاً من الوضع الاقتصادي الذي تعيشه فرنسا، لكنه في المقابل قال إن "جذور الأزمة الحالية قديمة".
وشدد على أنه بحاجة لإصلاح عميق للدولة الفرنسية.
وأضاف ماكرون أنه منذ 40 سنة كانت هناك إجراءات معينة بشأن الضرائب على الأغنياء، وقال: "هذه الضريبة قُلصت لمن يستثمرون بشكل كبير في الدولة".
وقد بدأت حركة "السترات الصفراء" تظاهراتها في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بأنحاء فرنسا؛ رفضاً لزيادة الضرائب على أسعار الوقود.