على مر السنين، نالت منظمة "أوبك"، التي تضم الدول المصدّرة للنفط، نصيبها من الانتقادات. آخر الانتقادات جاءت من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اتهم المنظمة بـ "تمزيق بقية العالم" وبإبقاء أسعار النفط "مرتفعة بشكل مصطنع".
كما اتُّهمت المنظمة أحياناً باتخاذ العالم رهينة، خاصة خلال السبعينيات عندما عمدت إلى قطع مواردها، ما ضاعف الأسعار النفط 3 مرات.
ولكن مع اجتماع وزراء طاقة منظمة أوبك بفيينا، يطرح السؤال نفسه: هل ما زالت المنظمة تمسك بزمام سوق النفط مثلما كانت تفعل من قبل؟
من الذي يتحكم في الانتاج؟
تقول هيئة الإذاعة البريطانية BBC، إن دولاً أخرى باتت منتجة للنفط، لكن غير عضوة بالمنظمة، تؤدي دوراً مهماً، وأبرز هذه الدول روسيا، حيث تريد المنظمة إما حمل أسعار النفط الخام على الاستقرار وإما على الارتفاع، فالأسعار كانت قد هبطت بشدة في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2018.
الأداة الرئيسية التي تملكها هي إدارة مستويات إنتاجها، إما بتخفيض الإنتاج إن شاءت رفع الأسعار، وإما بزيادته إن شاءت تخفيض السعر إلى نقطة لا تؤدي إلى انهيار الأسعار.
وتقول "بي بي سي" إن حجم أوبك ووجودها في السوق قوي بما يكفي لتكون مؤثرة، فهي تمثل أكثر من 40% من إنتاج الخام العالمي، وهو رقم كان أكبر، إذ كانت تسهم بنصف حجم إنتاج النفط في أوائل السبعينيات، بيد أن الرقم الحالي هو الآخر لا يستهان به.
لكن، ماذا عن الـ60% الباقية من السوق؟ فهي الأخرى مهمة. هناك دولتان منتجتان غير عضوتين في أوبك، تتمتع كل منهما بأهمية تختلف عن الأخرى، ألا وهما: روسيا والولايات المتحدة.
التأثير الروسي
لقد كان لروسيا إسهام في مساعي أوبك الحالية لرفع الأسعار. بدأ ذلك عام 2016، بقرار من أوبك "لتنفيذ تعديل على الإنتاج"، كانت ترجمته خفض الإنتاج بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً.
انضمت روسيا وعدد من الدول غير العضوة بأوبك إلى مساعي تنفيذ هذا القرار، حيث تعهدت كل من هذه الدول بخفض إنتاجها هي الأخرى بدورها.
أسعار برنت الخام
بُعيد ذلك، ارتفعت الأسعار فعلاً، حيث بلغ السعر العالمي الرئيسي "خام برنت" 86 دولاراً للبرميل الواحد في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعدما كان السعر دون 50 دولاراً في الفترة السابقة لقرار أوبك.
بيد أن ذلك لا يعني أن قرار أوبك وشركائها كان العامل الوحيد في رفع الأسعار، بل كان هناك دور للاضطرابات السياسية في دول فنزويلا وليبيا ونيجيريا العضوة في أوبك، حيث تعذر على هذه الدول إنتاج الكم الذي يمثل نظرياً طاقتها الإنتاجية.
عقوبات إيران
ضربت إيران موجةٌ جديدةٌ من العقوبات الأميركية، التي عادت الولايات المتحدة لتفرضها بسبب برنامج إيران النووي.
لذا، كان احتمال عدم توافر النفط الإيراني في الأسواق العالمية، أو حتى توافره ولكن بشكل شحيح، له تأثير مهم في رفع الأسعار هذا العام (2018).
غير أن بعض أكبر زبائن إيران، ألا وهي الصين والهند واليابان، مُنحت استثناء مؤقتاً يخول لها الاستمرار في شراء النفط الإيراني مبدئياً دون أن تطولها طائلة العقوبات الأميركية. ما حصل نتيجة لذلك هو أن الأسعار انخفضت حقيقة، بسبب أن الطلب على النفط من المنتجين الآخرين انخفض أكثر من المتوقع.
وتضيف "بي بي سي": "هكذا يمكننا أن نعزو ارتفاع الأسعار أواخر 2016 إلى الاتفاق المبرم بين أوبك وروسيا وغيرهما. ضمن صفوف الدول الأعضاء في أوبك، كان للسعودية دور جوهري.
فطبقاً لتقديرات من وكالة الطاقة الدولية، تمثل السعودية أكثر من ثلث إجمالي طاقة أوبك الإنتاجية، كما تمثل أكثر من نصف طاقتها الاحتياطية. وهذا مؤشر على المدى الذي يصل إليه تقييد حجم الإنتاج.
فرغم أهمية السعودية، فإنها أبت أن تستفرد بتقرير مصير الأسعار، وتوقعت على عادتها أن تقدم الدول الأعضاء الأخرى بأوبك تضحية ما، لكنها أرادت كذلك من روسيا أن تشترك.
التربع على العرش.. الولايات المتحدة أكبر المنتجين
ثمة لاعب ثالث عملاق في هذه التجارة العالمية، إنه الولايات المتحدة التي تتربع حالياً على عرش الإنتاج في العالم. لكن الولايات المتحدة وحش مختلف جداً عن بقية الوحوش. فالنفط فيها من إنتاج القطاع الخاص، الذي يتخذ قراراته على أساس الربح.
وتعتبر شركات النفط الروسية مقربة من الحكومة الروسية، وكذلك الشركة المهيمنة على النفط في السعودية (أرامكو) هي ملك للحكومة.
منتجو النفط الأميركيون لا يتعاونون مع أوبك لإدارة الأسعار، لأن ذلك يعد غير مشروع في قوانين المنافسة ومكافحة الاحتكار الأميركية.
ما حجم تأثير "أوبك" في عالم النفط الآن؟
لكن ثمة شيء حدث في الولايات المتحدة خلال العقد الأخير، تسبب في تغيير هذه الصناعة العالمية، إنه صعود نجم النفط الصخري، هناك وجهان لأهمية هذا الأمر:
إن استغلال هذا النوع الجديد نسبياً من موارد الطاقة كان له الأثر في قلب الانخفاض بإنتاج نفط الولايات المتحدة الذي ساد فترة طويلة.
وما زالت الولايات المتحدة بحاجة لاستيراد النفط، لكنها الآن قادرة على تلبية ثلثي احتياجاتها الخاصة، مقارنة بثلث واحد كانت قادرة على تلبيته قبل عقد واحد فقط من الزمن.
كما أن النفط الصخري قادر على الاستجابة بشكل أسرع للسوق المتغيرة، فهو ليس بحاجة إلى استثمارات ضخمة مثلما هو حال النفط التقليدي، فالمستثمر قادر على استعادة نقوده في وقت أسرع، وهكذا يمكن دفع عجلة إنتاج النفط الصخري بشكل أسرع عندما تتجه الأسعار نحو الارتفاع.
وقد كان النفط الصخري أحد أسباب هبوط أسعار النفط بشدة بعد منتصف عام 2014. ولعل أحد أسباب عدم استجابة أوبك بشكل أسرع هو رغبة بعض الأعضاء، وخصوصاً السعودية، في رؤية منتجي النفط الصخري الأميركان يعانون ضائقة الأسعار الهابطة.
ما زالت أوبك على قدر من الأهمية، بيد أنها ما عادت الممسكة الوحيدة بزمام سوق النفط العالمية. وعلى المدى الطويل، إن تضافرت الجهود الدولية لمعالجة التغير المناخي بحيث يتقلص الاعتماد على النفط، فلربما ستتضاءل أهمية أوبك وتنحسر أكثر فأكثر.