لم يجلس الرئيس دونالد ترامب مع اثنين من المستبدين المفضلين لديه، وقلل من أهمية الاجتماع مع أحد حلفائه، وأجَّل اجتماعاً مع آخر. وتبادل الابتسامات الباردة مع رئيس وزراء كندا، الذي كان هدَّد بعدم المشاركة في توقيع اتفاقية تجارية جديدة مع الولايات المتحدة والمكسيك، لأن الشعور بالمرارة إزاء التعريفات الجمركية على الصلب لا يزال قائماً.
حسب تقرير صحيفة The New York Times الأميركية، كان الرئيس ترامب يشعر بقلقٍ بالغ إزاء المشكلات القانونية التي تواجهه في الوطن، فغرَّد على تويتر مُعبِّراً عن غضبه، وقال إنَّه لم يكن هناك أي شيء محظور بمشروعاته التجارية في روسيا، وذلك بعد يومٍ واحدٍ فقط من اعتراف محاميه السابق، مايكل كوهين، بأنَّه مذنب بالكذب على الكونغرس بشأن مدى هذه الصفقات ومدتها.
بالنسبة لترمب، كان يومه الأول في اجتماع قمة مجموعة الدول الصناعية العشرين في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، بمثابة نافذة أظهرت ممارساته الغريبة في الحكم، بعد ما يقرب من عامين من توليه منصب الرئيس. فسياسته الخارجية "أميركا أولاً" لم تتحوَّل بالضبط إلى سياسة "أميركا وحدها"، لكنَّها تركت له خليطاً غريباً من الشركاء الذين يتعامل معهم في هذه التجمعات العالمية.
ألغى ترمب اجتماعاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مُحتجّاً بالمواجهة البحرية الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا. ولم يجتمع بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كذلك، ولو أنَّه تبادل المجاملات مع الأمير، الذي قرَّبه منه رغم الاتهامات التي وُجِّهت إليه بأنَّ له دوراً في قتل الصحافي جمال خاشقجي.
لكنَّ الرئيس التقى اثنين من زعماء الدول الحليفة في منطقة المحيط الهادي، هما أستراليا واليابان، والتقى كذلك رئيس وزراء الهند. وقد هنَّأ رئيسَ الوزراء الياباني شينزو آبي، وهو واحدٌ من أكثر قادة الدول الأجنبية تحمُّساً لترامب.
مع ذلك، قد يكون يوم ترامب قد بلغ ذروته من الناحية الاجتماعية البحتة في الساعة السابعة والنصف صباحاً، عندما استقبله الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري في كازا روسادا (أو البيت الوردي)، وهو المقر الرسمي لإقامة رئيس الأرجنتين. ويشتهر القصر الرئاسي الوردي بالشرفة التي تحدَّثت منها إيفا بيرون، السيدة الأرجنتينية الأولى السابقة، يوماً إلى حشود معجبيها في ساحة القصر.
وقال ترامب: "نعرف (أنا وماكري) بعضنا البعض منذ فترة طويلة"، وجديرٌ بالذكر أنَّ ترامب كان مشتركاً مع والد ماكري في صفقة عقارية بحي مانهاتن في نيويورك بالثمانينيات. وأضاف الرئيس، الذي يشعر بالحنين إلى الماضي وتحدَّث مؤخراً عن مدى افتقاده مسقط رأسه: "كان ذلك عندما كنتُ خارج السلطة".
وتُعَد قمة مجموعة العشرين اجتماعاً يجمع بين شخصيات متنافرة في كل الأحوال، فهي مُقسَّمة بين زعماء ديمقراطيين ليبراليين، يُشكِّلون العدد الأكبر، وحكام مستبدين، هم غالباً من يُوجِّهون جدول الأعمال. زاد ترامب، الذي يشارك للمرة الثانية في قمة مجموعة العشرين، حدة ذلك الطابع المتنافر للقمة بعدما استعدى حلفاءه الأوروبيين وأقام علاقات ودية مع العديد من المستبدين.
تم إلغاء اجتماعه مع محمد بن سلمان
بيد أنَّ المستبدين هذا العام (2018) أثبتوا أنَّهم مثيرون للمشكلات بقدر الحلفاء. فمع أنَّ ترامب اعترف بولائه للأمير محمد بن سلمان قبل أسبوعين فقط، لكنَّه لم يجد وقتاً لعقد جلسة رسمية معه. وقد أوضح مستشار الرئيس للأمن القومي، جون بولتون، أنَّ سبب إلغاء الاجتماع مع الأمير يرجع إلى أنَّ جدول ترامب كان "مكتظاً" بالاجتماعات مع القادة الآخرين.
وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض، فإنَّ الرئيس "تبادل المجاملات" مع الأمير محمد بن سلمان حين التقاه على هامش القمة، تماماً مثلما فعل "مع كل زعيمٍ في الحضور تقريباً". وقال ترامب في وقت لاحق، للصحافيين: "لم يكن لدينا ما نناقشه. كنا سنتناقش لو كان لدينا ما نناقشه، لكن لم يكن هناك شيء لمناقشته".
ونشرت وزارة الخارجية السعودية صوراً للأمير محمد بن سلمان وهو يتجاذب أطراف الحديث مع قادة القمة كما لو أنَّ ذلك يثبت أنَّ الأمير لم يكن شخصاً غير مرغوب فيه؛ فنشرت صوراً له وهو يتحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس المكسيكي إنريكه بينيا، ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، ولو أنَّها لم تنشر صوراً له مع ترامب. بل وحتى صافح الأمير، بوتين بقوة قبل أن يجلس أحدهما الآخر في الجلسة الأولى للقادة.
التوترات الروسية مع أوكرانيا ألغت لقاء ترمب وبوتين
بعد ذلك، كانت علاقة الإعجاب المُخيِّب من جانب الرئيس ترامب ببوتين، وهي واحدة من تلك المسلسلات الدرامية المصغرة الأخرى التي أضفت طابعاً خاصاً على القمة. فبعد أشهر من محاولة ترتيب موعد لقاءٍ آخر بين الزعيمين، قرَّر ترامب فجأةً إلغاء اجتماع مقرر مع بوتين في بوينس آيرس، متذرِّعاً بالتصعيد الأخير في التوترات الروسية مع أوكرانيا.
وأدخل الكرملين، الذي عَلِم بشأن إلغاء الاجتماع من تويتر، مثل بقية العالم، تعديلاتٍ على تصريحات ترامب، إذ أخبر مسؤول روسي الصحافيين بأنَّ السبب الحقيقي لإلغاء ترمب الاجتماع هو الكشف عن أنَّه كان يحاول بناء برج في موسكو بعد فترة من انطلاق حملة ترشحه بالانتخابات الرئاسية أطول من الفترة التي أُقرَّ بها سابقاً.
والجمعة 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أصرَّ ترامب مرةً أخرى على إبلاغ الصحافيين، أنَّ الاجتماع أُلغي "بسبب ما حدث بخصوص السفن والبحارة. وهذا هو السبب الوحيد". وأعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن أسفه حيال سوء التفاهم. وقال: "لا يمكن فرض المحبة بالقوة".
يتمسك ترامب بخطة لعقد عشاء عمل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، السبت 1 ديسمبر/كانون الأول 2018. وأعرب عن مزيدٍ من التفاؤل بشأن التوصل إلى تسويةٍ بصورةٍ ما مع الصين، لتهدئة نزاعها التجاري المتصاعد مع الولايات المتحدة.
وقال ترامب: "إنَّنا نعمل بجد. إذا تمكَّنا من التوصُّل إلى اتفاق، فسيكون ذلك أمراً جيداً. أعتقد أنَّهم يريدون ذلك، وأعتقد أنَّنا نودُّ ذلك".
غيّر موعد لقائه مع ميركل، وخفَّض مستوى الاجتماع مع رئيس كوريا الجنوبية
ومن المقرر أن يجري، السبت، اجتماعاً تغيَّر موعده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي وصلت متأخرةً على متن رحلة جوية تجارية بعد هبوطٍ اضطراري لطائرتها الحكومية في مدينة كولونيا شمال ألمانيا.
لكنَّه خفَّض مستوى الاجتماع مع حليفٍ آخر، هو رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، من لقاءٍ رسمي إلى "محادثات هامشية"، وهو مصطلح دبلوماسي يُستخدَم للتعبير عن اجتماع أقل رسمية. ولم يوضح البيت الأبيض أسباب هذا التغيير، غير أنَّ دبلوماسية ترامب النووية مع كوريا الشمالية تعثَّرت في الأسابيع الأخيرة. وقال البيت الأبيض إنَّ ترامب لا يزال يأمل عقد اجتماع متابعة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون العام الجاري (2018).
وفقاً لبعض الخبراء، عكس تقصير جدول ترامب خلال القمة مرحلةً جديدة في نهجه غير التقليدي لإدارة الدولة.
وفي هذا الصدد، قال والي نصر، عميد كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: "في اجتماعات سابقة، انصبَّ تركيز ترامب على تقويض مفهوم الأجندة الدولية، فضلاً عن تأكيد الدور الأميركي القيادي في تحديدها. لكن خلال هذه (القمة الأخيرة)، وباستثناء غداء العمل مع الرئيس الصيني شي، فإنَّه لا يعقد حتى الاجتماعات الثنائية الأساسية".
المحقق مولر جعله مشغول الذهن
فيما قال وليام بيرنز، الذي عمل نائباً لوزير الخارجية في إدارة الرئيس باراك أوباما، إنَّ الرئيس ترمب ازدرى الدبلوماسية التقليدية، وبدا مشغول الذهن بتحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر، الذي يبحث في صلة حملة ترامب الانتخابية بروسيا.
وأضاف بيرنز: "لا تقتصر المحصلة النهائية على مجرد كونها فرصة ضائعة، بل تشمل تسريع الإخلال بالنظام الدولي وإضعاف النفوذ الأميركي على المدى الطويل".
مع ذلك، قال دبلوماسيون سابقون آخرون إنَّ التركيز الشديد على اللقاءات الثنائية المباشرة خلال مثل هذه الفاعليات مُبالغٌ فيه.
من جانبه، قال إليوت أبرامز، الذي عمل في إدارتي الرئيسين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش: "جاء الرئيس إلى السلطة معتقداً أنَّ العلاقات الشخصية بين القادة تُشكِّل جزءاً أساسياً من العلاقات الدولية. وأعتقد أنَّه تبيَّن أنَّ أغلب القادة الأجانب لن يسمحوا بأن يؤثر ما يحبونه وما لا يحبونه على سياساتهم، وأنَّ السياسات القومية تُستَقى في غالبها من الطبيعة التاريخية والجغرافية للدولة وعملية صنع القرار البيروقراطية. من ثَمَّ، تصبح اللقاءات على أعلى المستويات غالباً أقل أهمية".