نشرت صحيفة The Guardian البريطانية مقطع فيديو حصلت عليه لمعسكرات سرية مبنية للروهينغا بجزيرةٍ متآكلة في بنغلاديش، ضمن خطةٍ مثيرةٍ للجدل تهدف إلى إعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين هناك.
وعلى الرغم من السرية الشديدة المفروضة على تجهيز جزيرة باسان تشار البنغالية، فإن أحد الأشخاص تمكَّن من تصوير مقطع فيديو سراً، كشف فيه عن الظروف المعيشية التي تنتظر 100 ألفٍ من لاجئي الروهينغا، قد يُنقَلون إلى الجزيرة الموحشة مطلع العام القادم (2019).
ووفقاً لخطة حكومة بنغلاديش، فإنَّ جزءاً من لاجئي الروهينغا، البالغ عددهم 700 ألف -الذين فرَّوا من القمع العسكري الوحشي في ميانمار والذين يعيشون الآن بمخيماتٍ بمدينة كوكس بازار- سيُنقلون إلى تلك الجزيرة التي لم تكن مأهولةً سابقاً بالسكان، وهي جزيرةٌ متآكلة معزولةٌ، في مصبِّ نهر ميغنا ببنغلاديش، ولا يمكن الوصول إليها إلَّا بالقوارب خلال ساعتين من الزمن.
ويتضح من المقطع المنشور أن العائلات اللاجئة ستُسكّن في غرفٍ خرسانيةٍ خانقة، مساحتها صغيرة جداً، تكاد تتسع لشخص واحد، وبها نافذةٌ صغيرةٌ عليها قضبان. وهناك حمامٌ واحدٌ لكل مُجمَّعٍ سكني، ويتكون كل مجمعٍ من نحو 25 غرفةً، كل غرفةٍ تسكنها أسرةٌ واحدةٌ. وفي حين كان يُفترض إعادة تسكين لاجئي الروهينغا في باسان تشار بالشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول 2018)، لكن يبدو أنَّ بناء الوحدات ما زال جارياً حتى الآن.
تكتُّم وسرية يحيطان بتشييد البناء في الجزيرة المتآكلة
وتحظر السلطات البنغالية بشدةٍ التواصل حالياً مع أي شخصٍ عدا العمال اليوميين فيها، وتخضع الجزيرة للسيطرة المُحكمة من جانب القوات البحرية. ولا يُسمح إلا لقلةٍ من شخصيات الأمم المتحدة وبعض الشخصيات في حكومة بنغلاديش برؤية أعمال البناء في الجزيرة، ولم تكشف حكومة بنغلاديش حتى الآن عن أي صورٍ رسميةٍ أو أي تفاصيل عن عمليات تجهيز الجزيرة.
ووصف صاحب المقطع -الذي يعد ناشطاً حقوقياً وطلب عدم الإفصاح عن هويته؛ حرصاً على سلامته- الأوضاع في الجزيرة، قائلاً: "الوضع غريب، هناك مئات الآلاف من الوحدات الشبيهة بالزنازين، مُعَدةٌ لتستوعب مدينةً كاملةً من الروهينغا".
وأضاف: "تخضع الجزيرة بالكامل لسيطرة الجيش، ولا يُسمح لأي شخصٍ بدخولها سوى العمال اليوميين. تبدو هذه معسكرات اعتقالٍ للاجئين وليس ملاذاً لهم".
يُذكَر أنَّ بعض جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية لطالما أعربت عن قلقها المتزايد حيال خطة إعادة التوطين، وقال بعض الروهينغا المقيمين في المخيمات إنهم لن يذهبوا؛ خوفاً على سلامتهم.
جزيرة نائية في خليج البنغال، لا تزال عرضة للفيضانات
الجدير بالذكر أنَّ جزيرة باسان تشار، التي تبعد عن بر بنغلاديش 30 كيلومتراً فقط، قد ظهرت في النهر منذ عقدين من الزمان فقط. وكان الاقتراح مثار جدلٍ، لا سيما بسبب عزلة الجزيرة -التي تبعد نحو 3 ساعاتٍ بالقارب عن بنغلاديش- ولكونها عرضةً للفيضانات والأعاصير الشديدة. وهناك مخاوف أخرى حيال مدى حرية الحركة التي ستكون متاحةً لأولئك المقيمين على الجزيرة.
وعلى مدار العام الماضي (2017)، أكدت العديد من المنظمات غير الحكومي الصعوبة والمخاطر العالية التي تنطوي عليها عملية إجلاء مئات الآلاف من الجزيرة في حالة وقوع أي كارثةٍ طبيعية. وقد تأخَّر إتمام العمل بالمخيمات الجديدة حتى أوائل العام المقبل (2019)، بعد الانتخابات العامة في بنغلاديش، التي يفترض إجراؤها في الشهر القادم (ديسمبر/كانون الأول 2018).
وقد رفض مفوض بنغلاديش لشؤون اللاجئين التعليق على الخطة. ويُذكَر أنَّ منظمة هيومن رايتس ووتش حذرت مؤخراً، من أنَّ عزلة الجزيرة قد "تجعل منها معسكر اعتقالٍ".
"حل" فُرض على اللاجئين سيعرِّض حياتهم للخطر
وقال فيل روبرتسون، نائب مدير قسم الشؤون الآسيوية في المنظمة، لصحيفة الغارديان، إن "خطة بنغلاديش لتحويل جزيرةٍ معزولةٍ إلى مستوطنةٍ مكتظة بروهينغا مُقيمين في مجمعاتٍ خرسانيةٍ، تثير القلق بشأن حرية التنقل واستدامتها على المدى الطويل".
وقال: "تبدو المجمعات في الصور متينةً، لكن ما مدى تحمُّلها في حالة حدوث إعصارٍ أو فيضانٍ بالجزيرة؟ وهل ستضمن لكل شخصٍ ينتقل إلى الجزيرة طواعيةً حرية مغادرتها والعودة إليها؟".
بينما قال مبرور أحمد، مساعد مدير منظمة Restless Beings الحقوقية، الذي يركز عمله على الروهينغا، إنَّ معسكرات الجزيرة حلٌّ آخر "غير مفيدٍ" فُرض على لاجئي الروهينغا دون استشارتهم.
وأضاف: "فكرة نقل مئات الآلاف من الروهينغا من مجتمعاتهم القائمة إلى جزيرةٍ تَغيَّر شكلها 6 مراتٍ في آخر 15 عاماً، تبدو تجربةً أكثر منها عرضاً للمساعدة من حكومة بنغلاديش".
يُذكَر أنَّ المليون لاجئ روهينغي الذين يعيشون في مخيماتٍ بمدينة كوكس بازار، منهم 700 ألفٍ وصلوا في آخر 18 شهراً، ما زالوا طي النسيان بعدما فشلت خطةٌ بدأت منذ أسبوعين، لإعادة اللاجئين إلى ميانمار، إذ لم يقبل أحدٌ بالعودة طواعيةً.
وقال متحدثٌ باسم الأمم المتحدة، إنَّه في حين تظل الشكوك حيال مدى ملاءمة باسان تشار قائمة، فإنَّ المنظمة ترحب بأي محاولةٍ لـ "حل التكدس المتزايد بالمستوطنات في كوكس بازار".