في يناير/كانون الثاني من العام المقبل 2019، ستصبح إلهان عمر، عضوة مجلس النواب الأميركي المنتخبة عن الدائرة الخامسة لولاية مينيسوتا، التي ترتدي حجاباً، هي أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس .
لكن هذه لن تكون المرة الأولى التي ارتُدي فيها حجابٌ داخل أروقة مجلس النواب الأميركي ، ولم تكن التي ترتديه امرأة مسلمة كما قد يتوقع البعض، بل امرأة تُدعى كارولين مالوني، وهي نائبة ديمقراطية عن ولاية نيويورك.
يشير تقرير لمجلة Foreign Policy الأميركية، أنه في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001، وبينما كانت أنقاض مركز التجارة العالمي ما زالت مشتعلة، ارتدت كارولين نقاباً أزرق -من النوع الذي ترتديه النساء في أفغانستان- في جزء من مناشدة متصنعة لدفع النواب إلى التصويت على شنّ حرب ضد حركة طالبان.
وصرَّحت كارولين في جزء من دعوتها لشنِّ حرب ضد طالبان -التي اتهمتها خطأً بتنفيذ هجوم 11 سبتمبر/أيلول الإرهابي- قائلةً: "كان الحجاب سميكاً للغاية، وكان من الصعب أن أتنفس".
لا شيء تغير على مدى 18 عاماََ في مجلس النواب الأميركي
لقد تغير الكثير في السنوات السبع عشرة الأخيرة، وأثبتت أسطورة إنقاذ النساء الأفغانيات بقصف بلادهن أنها كانت اقتراحاً مدمراً.
فما زالت حركة طالبان موجودة، وهناك أقاويل عن عقد سلام معهم بعد أن سئمت الولايات المتحدة من محاولاتها وفشلها في تحقيق نوع من الانتصار.
وما زالت كارولين موجودة أيضاً، بعد أن فازت بفترتها الرابعة عشرة في مجلس النواب الأميركي في انتخابات التجديد النصفي التي أُجريت الأسبوع الماضي، بينما فازت إلهان أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس بفترتها الأولى.
لن تكون إلهان هي المسلمة الوحيدة في المجلس، إذ تنضم إليها رشيدة طليب، وهي ناشطة من أصول فلسطينية انتُخِبت عن الدائرة الثالثة عشرة لولاية ميشيغان.
وتمثل كارولين وإلهان ورشيدة وجهات نظر متباينة عن النسوية
إذ ترفع كارولين شعار استثنائية النسوية الأميركية الذي تُعد فيه النساء الأميركيات -الجريئات وغير المحجبات- هن منارات الحرية، ويجب عليهن التبشير بالتوجُّه التمكيني الذي يتبنونه، حتى لو كان ذلك يعني استخدام القنابل.
إذا كانت كارولين تمثل النسوية من أعلى -من منظور أنَّ النسوية منحةٌ من النساء البيضاوات إلى نظيراتهن ذوات البشرة الداكنة- فإنَّ تقدمية إلهان أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس ورشيدة تمثل النسوية من أسفل.
بالنسبة لكلتيهما، تعكس تجربتهما في مجال التنظيم الاجتماعي إيماناً بالعمل على مستوى القاعدة الشعبية.
فهما يمثلان نسوية قائمة على الاختيار وليس نسوية قائمة على إصدار الأحكام السطحية عمَّن يستحق الحرية ومن لا يستحقها، أو نصائح أبوية لما يجب أن تفعله المهاجرات الفقيرات أو النساء العاملات الكادحات للانضمام إلى صفوف النسويات البيضاوات النخبويات اللاتي بطبيعة الحال يقدن الحوار النسوي الأميركي.
ونظراً إلى أنَّ أصولهما الصومالية والفلسطينية قد تشكلت عبر تاريخ طويل من التدخلات الأجنبية الفاشلة؛ فمن غير المرجح أن تنظر إلهان ورشيدة إلى تحرُّر المرأة -الأفغانية أو غيرها- كحُجَّة للحرب.
ومع ذلك، تنتمي السيدات الثلاث إلى الحزب الديمقراطي، وهي حقيقة تثير التساؤلات حول ماهية توجَّه النسوية الذي سيحدِّد مستقبل الحزب الديمقراطي في نهاية المطاف.
مع العلم أن الكل كان فرحاً بانتخاب أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس
فعلى عكس تجمُّعات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابية، التي قادتها مشاعر الغضب، فإن قصص إلهان أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس ، التي عاشت في أحد مخيمات اللاجئين ولم تكن تتحدث الإنكليزية حينما وصلت إلى الشواطئ الأميركية في سن الثانية عشرة، ورشيدة -التي عاشت حياة رغدة نوعاً ما مع أشقائها الأربعة عشر- تقدم بعض العزاء.
فحتى لو كانت الولايات المتحدة لديها رئيس يشيد أتباعه المتشددين باتهاماته لجميع المسلمين بأنهم إرهابيون -إذ يُذكَر أنَّ ترمب أكَّد في خطابٍ قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية في عام 2016 أن المهاجرين الصوماليين أشبه بكارثةٍ لولاية مينيسوتا وأنَّ الكثيرين منهم منتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)- تبدو قصتا إلهان ورشيدة دليلاً على أنَّ أميركا لم تكن سيئة للغاية رغم كل كذلك.
فإذا كان بإمكان نساء مثل إلهان ورشيدة النجاح والوصول إلى مجلس النواب الأميركي ، ربما يمكن إنقاذ الولايات المتحدة.
لكن يبدو أن أمامهما تحديات هائلة وراء ضباب هذا الانتصار
إذ أظهرت دراسةٌ استقصائية أجراها مركز Pew الأميركي للأبحاث أنَّ الاعتداءات على المسلمين في عام 2016 تخطَّت أعلى مستوياتها السابقة، الذي كان في عام 2001.
وقال نصف مسلمي الولايات المتحدة إنَّهم يشعرون بأنَّ عيش المسلمين في الولايات المتحدة صار أصعب ممَّا مضى، وقال ثلاثة من كل أربعة إنَّ المسلمين في الولايات المتحدة يتعرضون لتمييز كبير، وهو الرأي الذي أكده نحو 70% من عامة الشعب الأميركي.
وأفاد العديد من المسلمين الأميركيين بأنَّهم تعرضوا للترهيب والتهديد بالإيذاء الجسدي بالإضافة إلى تخريب المساجد والممتلكات أخرى.
بيد أنَّ انتخاب امرأتين مسلمتين في مجلس النواب الأميركي لن يجعل الأمور أفضل لهم بالضرورة، إذ وقعت واحدة من الاعتداءات الأخيرة ضد امرأة مسلمة في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، وهي الدائرة الانتخابية لرشيدة.
وتُظهر الواقعة -التي التقطتها كاميرا مراقبة- امرأة ترتدي حجاباً وثوباً أسود طويلاً كانت تقترب من مكتب استقبال غرفة الطوارئ بأحد المستشفيات. وفي غضون خمس ثوانٍ، اقترب منها رجلٌ من خلفها وضرب رأسها بقبضته عدة مرات.
ويعد هذا الهجوم واحداً من الهجمات الكثيرة التي ارتُكِبت على يد رجال بيض، التي تُفاقم الخوف العام الذي يسود المجتمعات الأميركية المسلمة التي تمثلها السيدتان الأميركيتان.
وسيكون من الصعب تسليط الضوء على مثل هذه الجرائم وحماية هذه المجتمعات في بيئةٍ سياسية أصبحت فيها الإسلاموفوبيا جزءاً أساسياً في الخطاب العام.
خاصة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الأميركيين المسلمين
سيكون الدفاع عن الأميركيين المسلمين في مجلس النواب الأميركي الكونغرس تحدياً تخوض أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس ، لكنَّ إصلاح المجتمع من الداخل -حيث ينصَبُّ الاهتمام على حقوق النساء المسلمات- سيكون تحدياً بالقدر ذاته من الصعوبة.
إذ تميل المجتمعات التي تشعر بالحصار إلى التقوقع لدرجة أنها تصبح غير مهتمة بالإصلاح الداخلي.
ومنذ عام 2005، حين أمَّت العالمة المسلمة أمينة ودود جماعة مختلطة من الجنسين في الصلاة -وهو الأمر الذي أطلق حملة من أجل المساواة بين حقوق الجنسين في أماكن العبادة والمساجد- عملت النسويات المسلمات بجدٍّ من أجل الحصول على حقوق أكبر.
إذ ظهرت هاشتاغات على تويتر ومنتديات نقاشية عبر الإنترنت للدفاع عن حقوق المرأة في دخول أماكن العبادة الرئيسية في المساجد، بدلاً من إجبارهن على دخول مُصليات جانبية.
وتتوق النسويات المسلمات الشابات إلى استغلال انتصار إلهان ورشيدة للمناداة بالمساواة في الحقوق الدينية. لكنَّ التقدم في ذلك ربما يكون بطيئاً، وستكون إدارة توقعاتهن صعبةً على الأرجح.
فهل يُحدث وجودهما في الكونغرس تأثيراً؟
ونترقَّب كذلك التأثير الذي سيُحدثه فوز المرأتين -ولا سيما أول امرأة محجبة تعمل في مجلس النواب الأميركي إلهان- خارج الحدود الأميركية.
ففي مايو/أيار الماضي، وبينما كانت إلهان تخوض انتخابات تمهيدية تنافسية، أدانت مارلين شيابا وزيرة الدولة الفرنسية المكلفة بالمساواة بين الرجال والنساء قرار زعيمة طلابية فرنسية بالظهور في فيلم وثائقي، مرتدية الحجاب بغرض الترويج للإسلام السياسي.
جديرٌ بالذكر أنَّ ارتداء الحجاب محظورٌ في المدارس والمباني الحكومية الرسمية الفرنسية، لكن يُسمح لطلاب الجامعات -مثل الطالبة المعنية- بارتدائه. وبالمثل، هناك العديد من عضوات البرلمان المسلمات في المملكة المتحدة، لكن لا ترتدي أي واحدةٍ منهن الحجاب.
وبينما قد تكون بريطانيا متقدمة كثيراً عن فرنسا في قبول إبراز المظاهر العامة للانتماءات الدينية -مثل عاملات فحص الأمتعة المحجبات والشرطيات اللاتي يرتدين عمامات- ما زالت ملابس النساء المسلمات تثير الجدل.
فقبل أسابيع من فوز إلهان ورشيدة، انطلق نقاش عام حول بيع الحجاب لفتيات المدارس في قسم بيع الزي المدرسي بأحد المتاجر. وفي حين أعربت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية عن دعمها حق ارتداء الحجاب، يبدو آخرون في الحزب المحافظ أكثر ممانعةً له.
فقد يكون وصولهما إلى مجلس النواب الأميركي "شكلياً"
في الوقت الراهن، ستتعايش الرؤى المتباينة للنسوية التي تتبناها كلٌّ من كارولين في فترتها الرابعة عشرة وزميلتيها أول امرأة محجبة تعمل في الكونغرس والموالية للقضية الفلسطينية معاً بصعوبة في مجلس النواب، بدايةً من يناير/كانون الثاني المقبل.
وفي نهاية المطاف، قد تُستَخدَم انتصارات المرأتين الأميركيتين المسلمتين مُسكِّناً للجروح العميقة المتمثلة في الانقسام والسخرية اللذين يمزقان البلاد، لكن سيكون من الصعب السماح لهما برسم ملامح النسوية الأميركية أو سياسة الولايات المتحدة في الخارج.
ربما تكون حالة الإسلاموفوبيا لدى اليسار الأميركي خافتة أمام خطاب الكراهية الفاضح الذي يتبناه الحزب الجمهوري في عهد ترمب، لكنَّها ما زالت موجودة.
وكثيراً ما يتجلَّى ذلك في التهميش الواضح الخبيث للنساء المسلمات، اللاتي لا يحصلن إلَّا على بضع لحظاتٍ مخصصة لإعطاء انطباع مخادع بالتعدُّدية.
وسيكون اختزال إلهان ورشيدة إلى رموز صورية للتعدُّدية المستمرة في الولايات المتحدة مضيعةً لمواهبهن وقدراتهن على عمل تحوُّلٍ سياسي ونسوي حقيقي.