أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزل المُدَّعي العام ووزير العدل جيف سيشنز، واختياره مدير مكتب سيشنز السابق ماثيو ويتاكر على الفور وزيراً جديداً للعدل بالإنابة، التساؤلات بشأن ما تعنيه تلك الخطوة بالنسبة لروبرت مولر، المحقق الخاص الذي يقود التحقيق في التدخُّل الروسي.
وبحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية، الخميس 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، فإن عملية الإقالة ستكون لها تبعات كبيرة على مستقبل تحقيقات روبرت مولر، الذي يتابع قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وهذه أبرز التأثيرات:
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لتحقيق مولر؟
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن هذا التعديل يعني أن يتولى ويتاكر الإشراف على التحقيق بدلاً من رود روزنشتاين، نائب المُدَّعي العام.
وكان سيشنز أعفى نفسه من الإشراف على القضايا التي نجمت عن انتخابات الرئاسة التي أُجريت في عام 2016، مُحتجَّاً في ذلك بدوره في دعم لترمب، لذا كان روزنشتاين يعمل مُدَّعياً عاماً بالإنابة فيما يخص التحقيق الذي يبحث فيما إن كان أي من مساعدي ترمب تواطأ مع التدخُّل الروسي في الانتخابات، وما إن كان ترمب عرقل التحقيق نفسه. وجديرٌ بالذكر أنَّ روزنشتاين اختار مولر مُحقِّقا خاصاً.
لكنَّ ويتاكر سيتولى الإشراف على القضية، لأنَّه لم يعفِ نفسه من الإشراف على القضايا التي نجمت عن انتخابات 2016 كما فعل سيشنز. وسيعود روزنشتاين إلى وظيفته الأساسية مُشرِفاً على العمليات اليومية لوزارة العدل.
ما موقف ويتاكر من تحقيق مولر؟
كتب ويتاكر في أغسطس/آب من العام الماضي 2017، قبل انضمامه إلى إدارة ترمب، مقال رأي أشار فيه إلى أنَّ تحقيق مولر تجاوز الحد بعد نظره في سجلات مؤسسة ترمب المالية وتدقيقه في مساعدي ترمب، بحثاً عن جرائم غير مرتبطة بالتدخُّل الروسي بهدف دفعهم إلى التعاون مع تحقيقه.
وكتب: "لا يتطلب الأمر محامياً، ولا حتى مُحقِّقاً فيدرالياً سابقاً مثلي، لاستنتاج أنَّ التحقيق في الشؤون المالية لدونالد ترمب وعائلته تقع تماماً خارج نطاق حملته الرئاسية لانتخابات عام 2016، ومزاعم أنَّ الحملة نسَّقت مع الحكومة الروسية أو أي طرفٍ آخر"، مُجادِلاً بأنَّ روزنشتاين عليه كبح جماح مولر حتى لا يصبح التحقيق "عملية نبش وتنقيب سياسي".
كيف يمكن أن يُحجِّم ويتاكر تحقيق مولر؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، يُقرِّر المدعي العام بالإنابة نطاق اختصاص المحقق الخاص وميزانيته. ويمكن أن يُبلِغ مولر بالتوقف عن التحقيق في مسألة معينة أو رفض أي طلبات من مولر لتوسيع تحقيقه. ويمكنه أيضاً أن يحدَّ من الموارد المُخصَّصة لمكتب المحقق الخاص، فيطلب من مولر تقليص حجم موظفيه أو موارده.
علاوة على ذلك، يمكن لويتاكر منع مولر من اتخاذ خطوات خاصة بالتحقيق، مثل استدعاء ترمب أو إصدار لوائح اتهام جديدة. حين اختار روزنشتاين تعيين مولر، أصدر مرسوماً يقضي بأنَّ لوائح وزارة العدل للمحققين الخاصين ستنطبق على التحقيق في التدخل الروسي.
وتنص هذه اللائحة على عدة بنود، من بينها أن يعمل المحقق الخاص باستقلالية في الشؤون اليومية، لكن يحق للمُدَّعي العام المُشرِف على التحقيق أن يطلب منه تفسير "أي خطوة تحقيقية أو قضائية"، وربما يلغي أي خطوات يُقرِّر أنَّها "غير ملائمة أو غير مُجازة بموجب الممارسات المُتعارف عليها بالوزارة".
وبموجب اللائحة، لا بد من إخطار الكونغرس في حال أقدم ويتاكر على منع أي خطوةٍ من خطوات مولر.
وقال ديفيد كريس، أحد مُؤسِّسي شركة Culper Partners الاستشارية، الذي قاد إدارة الأمن القومي في وزارة العدل الأميركية إبَّان حكم إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إنَّ "من الواضح" أنَّ ترمب كان متحفزاً لعزل سيشنز كي يؤثر في تحقيق مولر.
وأضاف أنَّ أحد الأسئلة المفتوحة هو ما إن كان ويتاكر سيُقدِم على فعل ذلك، وماذا ستكون ردود الفعل التي سيثيرها ذلك من جانب مولر، والمحققين الفيدراليين الآخرين، والأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال كريس مُتحدِّثاً عن ويتاكر: "أيُّ تكتيكات غير تقليدية سيُجرِّبها ليشرع في تحجيم أنشطة مولر؟". وأضاف: "بموجب اللائحة، لديه (ويتاكر) مجموعة من الإجراءات الإشرافية التي يمكنه اتخاذها، وفي حل اتخذ هذه الإجراءات فعلاً، فإنَّها كلما كانت أكثر تطرُّفاً، زادت احتمالية أن تثير ردود فعل من الأطراف الأخرى في هذه القضية المثيرة".
هل بإمكان ويتاكر عزل مولر؟
اللائحة التي احتجَّ بها روزنشتاين عند تعيينه مولر جعلت عزله أيضاً عملية أصعب. إذ تنص على أنَّ المُدَّعي العام لا يمكنه عزل المحقق الخاص إلَّا لسبب، كأن يسيء السلوك بصورةٍ ما، لا أن يعزله وفق رغبته.
وقد يُقرِّر ويتاكر أنَّ مولر ارتكب سوء سلوك ويعزله، أو قد يلغي تدابير الحماية التي توفرها اللائحة لمولر ثُمَّ يعزله بلا سبب.
هل بإمكان ويتاكر إبطال تقرير مولر؟
وفقاً للائحة، فحين يُكمِل مولر عمله، سيُقدِّم تقريراً حول نتائجه إلى المُدَّعي العام. وسيكون الأمر آنذاك منوطاً بالمدعي العام –الذي هو الآن ويتاكر- لتقرير ما إن كان سيُقدِّم الوثيقة للكونغرس أم يُبقيها سريةً.
وبطبيعة الحال، سيكون بمقدور الديمقراطيين حين يسيطرون على مجلس النواب العام المقبل إصدار طلب استدعاء لمثل هذه الوثيقة، لكن إن كانت إدارة ترمب ترغب في التصدي لهذا الاستدعاء عن طريق تأكيد الامتياز التنفيذي، فليس واضحاً ما قد يحدث. (الامتياز التنفيذي هو امتياز منحته المحكمة العليا للرئيس وأعضاء آخرين بالسلطة التنفيذية يُمكِّنهم من عدم الاستجابة لبعض الاستدعاءات من جانب السلطتين التشريعية والقضائية تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات).
لماذا لم يتولَّ روزنشتاين منصب المُدَّعي العام بالإنابة؟
في الظروف العادية، كان روزنشتاين سيصبح هو المُدَّعي العام بالإنابة. إذ ينص نظامٌ أساسي فيدرالي يحكم عملية تسلسل تولِّي المناصب في وزارة العدل على أنَّ نائب المدعي العام يتولى منصب المدعي العام عند شغوره.
لكن هناك قانونٌ آخر يُسمَّى "قانون إصلاح الوظائف الشاغرة"، ينطبق عموماً على مختلف أفرع السلطة التنفيذية. ويمنح هذا القانون الرئيس خيارات أخرى لإجراء تعيينات مؤقتة دون تأكيد التعيين من مجلس الشيوخ.
وهناك بعض الخلاف بين الباحثين القانونيين حول ما إن كان بمقدور ترمب تجاوز النظام الأساسي الخاص بوزارة العدل واستخدام آلية قانون الوظائف الشاغرة عند عزله المدعي العام. لكن يبدو أنَّ هذا ما تظاهر بأنَّه يفعله.
وبموجب قانون الوظائف الشاغرة، يمكن للرئيس تعيين المساعد الأول للمسؤول الذي سيرحل عن منصبه، أو تعيين شخصٍ أكَّد مجلس الشيوخ تعيينه في منصب مختلف داخل السلطة التنفيذية. أمَّا الخيار الثالث –الذي يبدو أنَّ ترمب يستند إليه في تعيينه لويتاكر- فيتمثل في تعيين مسؤول كبير بدرجة كافية من داخل الوزارة، حتى لو لم يكن مجلس الشيوخ أكَّد تعيينه في هذا المنصب.
وتقول آن جوزيف أوكونيل، أستاذة القانون بجامعة ستانفورد والمتخصصة في القضايا المرتبطة بالتعيينات: "في هذا الخيار الثالث، يكون هذا الشخص في الغالب مِهَنيِّاً كبيراً، لكنَّ قانون إصلاح الوظائف الشاغرة لا يتطلَّب أن يكون هذا الشخص مِهَنيِّاً. يمكن أن يكون شخصاً مُعيَّناً لداوفع سياسية، شريطة أن يكون عمل 90 يوماً في الوزارة ويتلقى راتباً كبيراً بما فيه الكفاية"، بحسب الصحيفة الأميركية.
إلى متى يمكن لويتاكر أن يبقى في منصب المدعي العام؟
بعد قضاء أي إدارة عامها الأول في الحكم، يمكن لأي مسؤول بالإنابة عُيِّن بموجب قانون إصلاح الوظائف الشاغرة أن يعمل في منصبه 210 أيام. غير أنَّ ويتاكر قد يعمل فترة أطول من تلك إذا ما كانت عملية تعيين شخص آخر لمنصب المُدَّعي العام بانتظار البت فيها.
وفي حال رفض مجلس الشيوخ عملية التعيين تلك، أو في حال أعاد المجلس التعيين دون البت فيه بسبب انتهاء دور الانعقاد، يمكن لترمب البدء بهذه العملية من جديد، ويمكن لويتاكر العمل 210 أيام أخرى أو أكثر. لكنَّ أستاذة القانون أوكونيل تقول إنَّ ترمب لا يمكنه ترشيح ويتاكر نفسه لتولِّي المنصب بصورة دائمة، لأنَّه بموجب قانون إصلاح الوظائف الشاغرة، لا يجوز لوزيرٍ بالإنابة أن يُرشَّح لتولِّي هذا المنصب بصورة دائمة.
وقالت أوكونيل: "ثمة شيء غريب قليلاً، وهو أنَّ هذا الإجراء لشغل المناصب الشاغرة يسمح بتعيين شخصٍ لا يشغل منصباً كبيراً، كما في حالة منصب النائب مثلاً، بصورة مؤقتة في واحدٍ من أهم المناصب في البلاد".