قالت The New York Times الأميركية إن دونالد ترمب يضع عدة رهانات على قراره الذي دخل حيز التنفيذ الإثنين 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والذي يتضمن إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران.
أولها، أنه يستطيع ليس فقط تغيير سلوك إيران، بل استخدام القوة الاقتصادية الأميركية لضرب الحلفاء الممتنعين عن دعم سياساته ودفعهم إلى الانضمام إليه. ويراهن أيضاً، بأنَّه حتى لو كانت الولايات المتحدة تسعى إلى قطع الكثير من إيرادات النفط عن إيران، فإنَّها لن تجرؤ على إعادة تشغيل برنامجها لتخصيب الوقود النووي، وهو السبيل المؤدي إلى تصنيع قنبلةٍ نووية. ويراهن أيضاً بأنه في حين تنتقد الدول الأوروبية البيت الأبيض لتخلِّيه عن الاتفاق النووي البارز الذي أُبرم في 2015 وتعتقد هذه الدول نجاحه- لن تخرق البنوك الأوروبية والمصانع والشركات النفطية هذه العقوبات، بحسب صحيفة The New York Times الأميركية.
وأخيراً، يراهن الرئيس الأميركي بأنَّ الحكومة الإيرانية ستتصدع إلى حدٍّ ما، ما سيجعلها تُعيد التفاوض بشأن الاتفاق النووي لكن بشروط ترمب، أو أنَّها ستنهار تحت الضغوط الاقتصادية التي دفعت صادرات البلاد وعملتها إلى الانهيار المتواصل، حسبما قالت الصحيفة.
رهانات ترمب قابلة للفشل
وقالت الصحيفة نقلاً عن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قوله في الأسبوع الماضي: "نريد استعادة الديمقراطية هناك"، متمادياً في تصريحاته إلى حد الإعلان عن أنَّ تغيير النظام الإيراني هو هدف السياسة الأميركية. وأضاف: "نعتقد أنَّ الشعب الإيراني يريد الشيء نفسه".
ويقول العديد من الخبراء خارج الإدارة الأميركية ممن تعاملوا مع إيران عقوداً، إنَّهم يعتقدون أنَّ ترمب قد ينجح في الرهانين الأوَّلَين، لكنَّه سيفشل في دفع حكومة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى الانهيار.
وقال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي تحت إدارة عدة رؤساء جمهوريين: "إنتاج النفط الإيراني منخفض، وإيراداتها منخفضة، والبلاد معزولة أكثر مما كانت قبل انسحاب ترمب من الصفقة".
واستدرك: "لكن لا توجد أي مؤشرات في تاريخ العقوبات تفيد بأنَّ بإمكانها إجبار أي دولة على الإقدام على فعلٍ كبير أو إجراء تغييرٍ جذري. وهذه الحكومة (الإيرانية) ليست من نوعية الحكومات التي قد تقبل بأن ترى نفسها مجبرةً على فعل شيء، إذ إنَّ هذا مناقضٌ للبصمة الوراثية للثورة الإيرانية".
بالطبع، الإكراه هو لب منهج ترمب في التعامل مع الحلفاء والأعداء على حد سواء. وفي هذه الحالة، كانت العقوبات تتويجاً لتعهد قطعه ترمب على نفسه خلال حملته الانتخابية في 2016، عندما صرَّح مراراً بأنَّه سيلغي الاتفاق "المروع" مع إيران، وهو توجه كان يجذب المؤيدين دائماً. واليوم، يضع ترمب إعلانه إلغاء الاتفاق النووي ضمن قائمة "وعوده التي أوفى بها".
خاصة أن هناك أطرافاً ستدعم إيران
وقالت الصحيفة الأميركية إن الأوروبيين والصينيين والروس، الموقعين الآخرين على الصفقة، تعهدوا بعدم اتباع نهج الولايات المتحدة في التخلي عن الاتفاق، ويقول الأوروبيون إنَّهم يتجهون إلى استخدام نظام مقايضة يُمكّنَهم من شراء النفط الإيراني دون التعامل بالدولار، وبذلك يتحدوا العقوبات.
وبينما يناور الأوروبيون، بدا واضحاً أنَّ ترمب يستمتع بألمهم، إذ أعلن في مايو/أيار 2018، أنَّه سيترك الاتفاق النووي رغم احتجاج القادة الأوروبيين، من بينهم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا، ماي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
واعتقد الأوروبيون حتى قبل ساعاتٍ من إعلان ترمب التخلي عن الاتفاق النووي، أنَّهم يتجهون صوب منهجٍ جديد للحفاظ على الاتفاق، والتفاوض بشأن اتفاقاتٍ إضافية مع طهران للحد من الاختبارات الصاروخية ودعم الجماعات الإرهابية.
وبينما يُتوقع أن يمنح ترمب إعفاءاتٍ للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والعراق ودولٍ أخرى، عبر السماح لها بشراء النفط الإيراني لوقتٍ محدود، لن يحصل أكثر الحلفاء الأوروبيين قرباً من واشنطن على مثل هذا الإعفاء.
ويوم الجمعة 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، نشر ترمب تغريدةً تحوي ملصقاً يحاكي ملصقاً ترويجياً لمسلسل Game of Thrones، إذ ظهر الرئيس الأميركي في الصورة ومكتوب عند صدره "العقوبات قادمة". وكانت تغريدة ترمب تحاكي المسلسل الشهير الذي يُعرض على شبكة HBO، إذ كان يحتوي ملصقه الترويجي على عبارةٍ تقول "الشتاء قادم". وقالت شبكة HBO في بيانٍ لها: "ليس لدينا أي علم بهذه الرسالة، ونفضل عدم استغلال علامتنا التجارية لأغراضٍ سياسية".
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) November 2, 2018
لكن ليس معنى هذا أن الاقتصاد الإيراني سيعبر هذه الأزمة بسهولة
ليس واضحاً، وفق ما قالته الصحيفة الأميركية، ما إذا كان ترمب سينجح في جلب الشتاء للاقتصاد الإيراني، لكنَّ بداية حملته ضد إيران قوية، إذ يُتوقع أن ينزلق الاقتصاد الإيراني، الذي كان ينمو في وقتٍ مبكر من العام الحالي (2018)، إلى الركود.
لكنَّ المسؤولين الإيرانيين أكدوا أنَّهم يعتزمون الالتزام بالصفقة التي تفاوضوا بشأنها مع وزير الخارجية السابق، جون كيري، في فيينا صيف 2015، عندما وافقوا على وقف أنشطتهم المتعلقة بقدرتهم على إنتاج كمياتٍ كبيرة من الوقود النووي 15 عاماً.
وخلال لقاءٍ مع الصحافيين، في سبتمبر/أيلول 2018، بمدينة نيويورك، صرح روحاني بأنَّ "الولايات المتحدة غير قادرة على الهبوط بصادراتنا النفطية إلى مستوى الصفر"، مشيراً إلى أنَّه سيتجاهل هذه العقوبات. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في نيويورك، خلال أكتوبر/تشرين الأول 2018، إنَّ استمرار هذه القيود "يتوقف على سلسلة من الأحكام المستقبلية".
وفي هذا الوقت، يكسب ترمب رهاناً آخر، ففي حين تعلن الحكومات أنَّها ستقف بجانب إيران طالما تلتزم بالصفقة، تهرب الشركات من هذا الالتزام، إذ ألغت شركة بوينغ صفقةً قيمتها 20 مليار دولار، كانت قد أبرمتها مع إيران بعد إبرام الاتفاق النووي في 2015، لتسليم طائرةٍ جديدة لأسطول الطائرات الإيراني المتداعي.
وقالت شركة توتال، عملاق النفط الفرنسي، إنَّها لن تمضي قدماً في إبرام عقدٍ مربح لتطوير حقول نفطية بإيران. أما شركة ميرسك عملاق الشحن، فتوقفت أنشطتها الخاصة بنقل البضائع الإيرانية.
يتناقض الوضع الحالي، بشكلٍ صارخ، مع ما كان سائداً منذ 3 سنوات: سافر كيري إلى أوروبا بعد الاتفاق النووي، لحث الشركات الأوروبية على ممارسة أنشطةٍ تجارية مع إيران، حتى تشعر طهران بفوائد تخلّيها عن 97% من مخزون اليورانيوم الخاص بها، وتفكيك منشآت إنتاج البلوتونيوم واليورانيوم.
لكن حتى مع دخول العقوبات بأكملها حيز التنفيذ الإثنين 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ليس واضحاً مطلقاً ما إذا كانت إيران ستتحرك للتفاوض بشأن الصفقة مع الولايات المتحدة. وأكد روحاني، خلال زيارته نيويورك، أنَّه على الولايات المتحدة أن تعود أولاً إلى الالتزام بالاتفاق النووي.
ومن جانبه، على ترمب أن يبحث عن طريقةٍ لتجاوز عقبتين أخريَين كبيرتين. أولهما تبرير الضغط المتنامي على إيران في وقتٍ تعترف فيه السعودية، الحليفة الهامة للولايات المتحدة التي تعتمد عليها لاحتواء النفوذ الإيراني، بتنفيذ فرقةٍ مكونة من 15 سعودياً عملية قتل المعارض جمال خاشقجي، ورفضها حتى الآن وقف قصف اليمن.
تعهد بومبيو بمتابعة تحقيقات قضية خاشقجي مهما كانت نتائجها، لكنَّ دبلوماسيين أميركيين أشاروا إلى أنَّه يرفض وصف عملية القتل بالعمل الإرهابي. هذا في حين تحظى إيران بمعاملةٍ مختلفة: الأحد 4 نوفمبر/تشرين الثاني، اتهم بومبيو إيران بتدبير عمليات اغتيال في أوروبا، ضمن مزاعمه بأنَّ طهران هي المُصدّر الأكبر للإرهاب.
قد يكون تحدي ترمب الأكبر على المدى الطويل، هو الكيفية التي سيدعو بها إلى تطبيق عقوباتٍ جديدة على إيران، التي أعلنت وكالة الطاقة الدولية أنَّها ملتزمةٌ بتعهدها بوقف إنتاجها النووي، في حين يُعلن أنَّ كوريا الشمالية "لم تعُد تشكل خطراً نووياً".
وعلى النقيض من إيران، تمتلك كوريا الشمالية بالفعل أسلحةً نووية، وتفيد شهادات وكالات الاستخبارات الأميركية بأنَّها مستمرة في إنتاجها.