كشفت صحيفة أميركية أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بات مُطالباً باتخاذ قرارٍ رئيسي قريباً يمكن أن يحدّ بشدة من دعم الولايات المتحدة بخصوص حرب السعودية في اليمن حيث تسبب القتال المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات في أزمةٍ إنسانية، وادعاءاتٍ بجرائم حرب وغضب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.
وقالت Politico الأميركية إن مجموعة من نواب الكونغرس المنتمين إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي أدرجت نصاً في مشروع قانون الإنفاق العسكري في الكونغرس في العام الجاري 2018، يتطلَّب من بومبيو الإدلاء بشهادةٍ رسمية يوم 12 سبتمبر/أيلول يُثبت فيها ما إذا كانت المملكة العربية السعودية وحليفتها العسكرية، الإمارات العربية المتحدة، تتخذان خطواتٍ هادفة لخفض عدد الضحايا المدنيين، وزيادة المساعدات الإنسانية، وإيجاد حلٍ سياسي للصراع اليمني.
وإذا لم يفعل بومبيو ذلك، سيحظر القانون على الولايات المتحدة إعادة تزويد الطائرات السعودية بالوقود.
ويعكس الضغط الواقع على بومبيو غضباً متزايداً بين النواب الأميركيين تجاه الدور العسكري الأميركي في اليمن، حيث لقيَ آلاف المدنيين حتفهم بينما يتضور ملايين آخرون جوعاً، في ظل استمرار المعارك بين تحالفٍ تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمتمردين الحوثيين المدعومين إيرانياً.
ولا يقتصر دور الولايات المتحدة على إعادة التزويد بالوقود، بل تساعد التحالف السعودي الإماراتي في إصابة الأهداف وتُزوده بالذخائر.
مساعٍ أممية لإدانة السعودية بسبب حربها في اليمن
وقالت الصحيفة الأميركية إن قرار بومبيو المُنتظر يأتي في الوقت الذي يحذر فيه بعض مسؤولي الأمم المتحدة من أن السعوديين ربما يرتكبون جرائم حرب.
وفي الشهر الماضي أغسطس/آب، أصابت غارةٌ جوية للتحالف حافلةً مدرسية، وأسفرت عن مقتل 40 طفلاً يمنياً، وقيل إنَّها نُفِّذت بصاروخٍ أميركي الصنع.
جديرٌ بالذكر أنَّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب انضمت في تحالفٍ وثيق مع الحكومتين السعودية والإماراتية، وجعلت من مكافحة نفوذ إيران الإقليمي أولويةً قصوى.
فضلاً عن محاولات في الكونغرس لسنِّ تشريعات لتقليص دور أميركا في اليمن
لكن يواجه بومبيو ضغوطاً متزايدة للتصرُّف مع تزايد الغضب الدولي، وتزايد التوقعات بأن يحقق الديمقراطيون مكاسب في الانتخابات النصفية التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما قد يسفر عن جهودٍ تشريعية جديدة لتقليص الدور الأميركي في معارك اليمن، بالإضافة إلى احتمالية عقد جلسات استماع مُحرِجة.
وقال روب مالي، رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومديرها التنفيذي وأحد المستشارين البارزين السابقين للرئيس الأميركي باراك أوباما في شؤون الشرق الأوسط: "أعتقد أنَّنا عند نقطة انعطاف بسبب ما يجري في اليمن والولايات المتحدة. إنَّه وقتٌ مناسب لأولئك الذين يرغبون في رؤية تغييرٍ في المسار لزيادة ضغطهم".
وكتب تود يانغ العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية إنديانا، وجين شاهين العضوة الديمقراطية في المجلس عن ولاية نيوهامبشير، و7 آخرين من زملائهما في رسالةٍ بتاريخ 29 أغسطس/آب إلى بومبيو لمطالبته بالامتثال للقانون: "نؤمن بأنَّ مصالح الأمن القومي الأميركية ومبادئنا الإنسانية تتطلب منَّا مضاعفة جهودنا للضغط على جميع الأطراف لإنهاء الحرب الأهلية، وحماية المدنيين، وتوفير الوصول الكامل وغير المقيد للمساعدات الإنسانية".
وحتى إذا قال بومبيو إنَّه لا يستطيع إثبات أنَّ التحالف الذي تقوده السعودية يتخذ خطواتٍ لتحسين الوضع، فما زال بإمكانه السماح باستمرار دور الولايات المتحدة عن طريق الاستناد إلى حجة قانونية يقول فيها إنَّ إنهاء دعم الحملة السعودية الإمارتية سيُعرِّض الأمن القومي الأميركي للخطر.
لكن لفعل ذلك، ما زال بومبيو مُطالباً بتقديم شرحٍ تفصيلي لسبب عدم تمكنه من إثبات وجود إجراءاتٍ هادفة من جانب السعودية والإمارات، والخطوات التي ستتخذها الإدارة الأميركية لكبح جماحهما.
وحين وقَّع ترمب على قانون تفويض الدفاع الوطني في منتصف أغسطس/آب، أصدر بياناً أثار مخاوف بشأن بند اليمن. ومع ذلك، لم يُشِر بومبيو مطلقاً إلى أنه سيتجاهل متطلبات البند.
وقال بومبيو للكونغرس في مايو/أيار الماضي إنَّ بيع الولايات المتحدة الصواريخ الموجهة بدقة للمملكة العربية السعودية وحلفائها يمكن أن يقلل من الخسائر في صفوف المدنيين عن طريق السماح بتنفيذ ضرباتٍ أكثر دقة على الأهداف العسكرية.
وفي أواخر الشهر الماضي أغسطس/آب، أيَّد وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس الرأي نفسه، قائلاً إن المساعدة الأميركية ساعدت التحالف السعودي الإماراتي على تحسين إصابة الأهداف.
لكنَّ ماتيس حذَّر قائلاً إنَّ المساعدات الأميركية "مشروطة".
ورفضت وزارة الخارجية الأميركية التحدُّث عمَّا ينوي بومبيو فعله قبل الموعد النهائي المحدد في 12 سبتمبر/أيلول، قائلةً إنَّها لن تناقش "المداولات الداخلية".
جديرٌ بالذكر أنَّ التحالف الذي تقوده السعودية اعترف في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بأنَّ هناك "أخطاءً ارتُكِبَت" في قصف الحافلة المدرسية في 9 أغسطس/آب، الذي أسفر عن مقتل عشرات الأطفال، وأعربت عن أسفها ووعدت بتحسين إجراءات الاستهداف.
وخَلُص تقريرٌ أصدرته شبكة CNN إلى أنَّ القنبلة التي استخدمت في حادث 9 أغسطس/آب كانت أميركية الصنع، وبيعت للسعوديين ضمن صفقة أسلحة أقرتها وزارة الخارجية الأميركية.
بالإضافة إلى جولة أممية مقبلة للمباحثات في اليمن
وقد يعطي التصريح السعودي بومبيو غطاءً سياسياً بعض الشيء في شهادته أمام الكونغرس.
ومن المقرر كذلك بدء جولةٍ جديدة من محادثات السلام فى اليمن بقيادة مبعوث الأمم المتحدة الخاص مارتن غريفيث في الأسبوع الجاري بجنيف، ما يمنح بومبيو سبباً ظاهرياً آخر لتفادي تعكير العملية.
وفي الأسابيع الأخيرة، صرَّحت إدارة ترمب بانتقاداتٍ معتدلة نسبياً لتصرُّفات السعوديين، معربةً عن "قلقها" إزاء وفيات المدنيين.
وفي أثناء ذلك، أعلنت وزارة الخارجية في الشهر الماضي أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ستتبرعان بمبلغ قدره 150 مليون دولار للمساعدة في استقرار أجزاء من سوريا وإعادة إعمارها، ممَّا يسمح للولايات المتحدة بإلغاء بعض إنفاقها المخطط له على سوريا، ويمنح هاتين الدولتين بعض القبول داخل إدارة ترمب.
وتريد الولايات المتحدة كذلك من السعودية تعزيز إنتاجها النفطي في الوقت الذي تداهن فيه واشنطن دولاً أخرى لوقف استيراد النفط من إيران.
وكانت إدارة أوباما دعمت التحالف العربي ظناً أن الحرب ستستغرق أسابيع لكن الأمر استفحل
جديرٌ بالذكر أنَّ اليمن -ذلك البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه نحو 28 مليون نسمة- غارقٌ في صراعاتٍ متعددة تشمل قبائل وجماعات إرهابية، وأطراف أخرى تسعى للحصول على الأراضي والسلطة.
ففي ربيع عام 2015، شنت المملكة العربية السعودية هجوماً يهدف إلى طرد المتمردين الحوثيين الذين أطاحوا في وقتٍ سابق الحكومة المركزية للبلاد. حصل المتمردون على بعض الدعم من إيران، التي يعتبرها السعوديون والإماراتيون تهديداً كبيراً لنفوذهما في الشرق الأوسط.
ووافقت الولايات المتحدة في عهد أوباما على مساعدة التحالف الذي يقوده السعوديون سعياً منها لإعادة الحكومة اليمنية المخلوعة إلى الحُكم. وتوقع السعوديون والأميركيون في البداية أن يستمر الصراع لأسابيع وربما أشهر.
لكن ثبت خطأ ذلك التوقع، والآن يطلق البعض على كارثة اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ودفعت وفيات المدنيين الناجمة عن الغارات الجوية إدارة أوباما إلى تقليص دعمها للحملة المناهضة للحوثيين.
بينما كان ترمب أكثر دعماً للدور العسكري الأميركي، لكن حتى دعمه العام للحكومة السعودية لم يكن كافياً لمنعه من توجيه انتقاداتٍ حادة للحصار السعودي للموانئ اليمنية، الذي منع دخول المساعدات الإنسانية إلى أُناسٍ في أمسِّ الحاجة إليها.
ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة الأخير، فحتى شهر أبريل/نيسان، كان هناك في اليمن "ما يقرب من 17.8 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، و8.4 مليون على حافة المجاعة.
ولم تكن مرافق الرعاية الصحية تعمل، وكان الحصول على المياه النظيفة أصعب، وكان اليمن ما زال يعاني أكبر تفشٍّ للكوليرا في التاريخ الحديث".
وقال مسؤولون وباحثون إنَّ المتمردين الحوثيين هم السبب في معظم هذه المعاناة، لكن تجدر الإشارة كذلك إلى أنَّ التحالف السعودي الإماراتي يتحمَّل نصيب الأسد من اللوم في ظل قوته الأكبر بأضعافٍ مُضاعفة.
إذ جاء في تقرير الأمم المتحدة: "تسببت الغارات الجوية التي شنَّها التحالف في سقوط معظم الضحايا المدنيين الموثقين. وفي أثناء السنوات الثلاث الماضية، ضربت هذه الغارات الجوية مناطق سكنية وأسواقاً وجنائز وأعراساً ومنشآت احتجاز وقوارب مدنية، بل ومرافق طبية". وما زال العدد الدقيق للقتلى المدنيين مجهولاً، لكن يُعتقد أنَّهم أكثر من 6500 شخص.
ووجد التقرير كذلك أدلةً على أنَّ السعوديين والإماراتيين وحلفاءهما ارتكبوا فظائع أخرى، مثل "المعاملة الوحشية والتعذيب وإهانة الكرامة الشخصية، والاغتصاب والتجنيد أو تجنيد الأطفال دون سن 15 عاماً، أو استخدامهم للمشاركة بقوةٍ في أعمال العدائية".
وخَلُص التقرير إلى أنَّ الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية ربما يكونان قد ارتكبوا جرائم حرب.
ورفض مسؤول إماراتي بارز التعليق على هذا الموضوع، بينما لم ترد السفارة السعودية في الولايات المتحدة على طلبٍ للتعليق على الأمر.