كان ميكو باسي وإيفان كاراديتش، الشريكان في مدرسة الغطس منذ فترةٍ طويلة، في قارتين مختلفتين عندما تلقَّيا نداءً بطلب المساعدة.
قال الغواصون إنَّ الحكومة التايلاندية أخبرتهم أنَّها بحاجة إلى خبراتهم ومعداتهم المتخصصة، من أجل مهمةٍ خطيرة تتطلب الجرأة: تحديد موقع 12 صبياً ومدربهم لكرة القدم، وتحريرهم من كهفٍ غمرته المياه، من خلال الغوص بهم إلى خارج الكهف.
مهارة نادرة من أجل مهمة مستحيلة
صحيفة واشنطن بوست سلَّطت الضوءَ على هؤلاء الغواصين. فبعد أن كانوا جزءاً من مجموعةٍ صغيرة ومتماسكة من الغواصين المهنيين المعتادين على حياةٍ هادئة في منتجع جزيرة كوه تاو، انتهى الحال بثلاثتهم ليكونوا جزءاً ضرورياً من جهود إنقاذ الصبية، عبر ممرات الكهف الضيقة المسدودة بالطين، بينما كان العالم ينتظر ويراقب. ووصفهم مسؤولو الولايات المتحدة بأنَّهم من أفضل غواصي الكهوف في العالم، الذين ساعد شغفهم تجاه هذا التخصص في نجاح مهمةٍ اعتقد كثيرون أنَّ الحال سينتهي بها بحالات وفاة عديدة.
وقال براون، البالغ من العمر 36 عاماً: "إذا كنتَ قادراً على استخدام مهارةٍ من أجل المساعدة بأي طريقة تقدر عليها، فيجب عليك أن تفعل هذا. كثيرٌ من الناس كانوا سيفعلونها، ونحن تصادف وجودنا فقط في الجوار".
جزيرة كوه تاو هي قاعدة لثلاث جزر تايلاندية في خليج تايلاند، وأغرت الغواصين منذ أواخر الثمانينيات بمياهها الزبرجدية الصافية، وجوها المشمس، وسهولة الوصول إلى مواقع الغوص. ويقدر جيم دونالدسون، وهو شريك ومدير في مدرسة Big Blue Diving لتعليم الغطس في جزيرة كوه تاو، أنَّه لم يكن هناك سوى ستة متاجر لمعدات الغوص في الجزيرة، البالغة مساحتها ثمانية أميال مربعة، بعد عامٍ من وصوله، مقارنةً بحوالي 65 متجراً الآن.
وقال: "إنَّه حقاً انفجارٌ كلي في عدد المتاجر".
هذه الكهوف تجذب الجميع.. ليس الأطفال فقط
جاءت مكانة جزيرة كوه تاو باعتبارها عاصمةً للغوص، في أعقاب تحول تايلاند إلى مركز سياحي عالمي. في العام الماضي، زار أكثر من 35 مليون شخص البلد الواقع جنوب شرق آسيا، وفقاً لهيئة السياحة المحلية، لتكون مسؤولةً عن حوالي 12% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وكان كاراديتش (44 عاماً) مجرد سائح آخر عندما زار كوه تاو في 2006، في عطلة غوصٍ ترفيهية، قادماً من منزله في الدنمارك. وقال إنَّ الرحلة غيَّرت حياته.
وقال في مقابلة: "كنتُ عالقاً في (ممارسة) الغوص". كانت هذه المقابلة في كوه تاه، حيثُ عاد إليها الأسبوع الماضي، بعد تحرير آخر مجموعة من الصبية من الكهف، الذين انضمّوا للتعافي مع الآخرين داخل المستشفى.
ترك الرجل وظيفته في الدنمارك، وباع شقته وانتقل إلى كوه تاو ليصبح معلم غوص. بدأ تعليم الآخرين في 2007، وهو الآن يدير مدرسة غوص فنية مع باسي. ويدير براون مدرسةً في الجزيرة لتعليم غوص الكهوف الاحترافي.
وعندما انتشرت الأنباء عن اختفاء الصبية، في 23 يونيو/حزيران، نشر باسي وأصدقاؤه دعوةً للتحرك على صفحاتهم في موقع فيسبوك. طلبوا في البداية معداتٍ متخصصة يمكن أن تساعد غواصي البحرية التايلاندية ليغوصوا عبر كهف ثام لوانغ، خارج منطقة ماي ساي شمالي تايلاند، حيث كان الصبية محاصرين.
وأبدت متاجر الغوص في كوه تاو استعدادها للالتزام بذلك.
وقال دونالدسون: "تعاون الجميع. أعطيناهم جميع المعدات، وكانوا يائسين. فقد احتاجوا بكل وضوح مزيداً من المعدات هناك".
وقال إنَّ براون وغواصاً آخر انضم إلى جهود الإنقاذ اسمه بن ريمنس، وهو في الأساس من بلجيكا، عملوا من قبل في مدرسة Big Blue Diving.
العسكريون ليسوا الأفضل دوماً
غير أنَّه بعد فترةٍ قصيرة أصبح واضحاً أنَّ الوحدات العسكرية البحرية التايلاندية المدرَّبة على الغوص في المياه المفتوحة لم تكن لديها المهارة لتنفيذ العمليات الملائمة للبحث عن الصبية داخل غرف الكهف المغمورة بالمياه. وتبدَّل النداء من دعوةٍ لتوفير المعدات إلى دعوة للغواصين القادرين على أداء المهمة، حسبما قال كاراديتش. وبدأ الغواصون في التخطيط للسفر إلى ماي ساي، ونصحوا آخرين في دائرة معارفهم بالانضمام إليهم.
وكتب باسي، ذو الأصول الفنلندية، في منشورٍ على صفحته في فيسبوك قبل يومٍ من مغادرته مالطة: "كهف ثام لوانغ يحتاج على وجه السرعة إلى غواصين متطوعين أقوياء"، وأضاف إلى المنشور خريطةً استعراضيةً للكهف مرسومةً بخط اليد.
وكتب في وصفه للمهمة: "يجب أن تكون قادراً على معرفة كيف تتنفس عبر منظم هواء، وأن تسحب نفسك باستخدام حبلٍ إرشادي في تيارٍ بارد (20 درجة مئوية) وقوي، وفي رؤية منخفضة دون أن تهرع".
وصل كاراديتش وبراون إلى شيانغ راي معاً، صباح الثاني من يوليو/تموز. وبعد ساعات، عثر غواصان بريطانيان على الصبية متجمعين على نتوءٍ زلقٍ فوق المياه، وهم في حالة هزال شديدة. تحولت مهمة البحث على الفور إلى مهمة إنقاذ. عمل كاراديتش وبراون وباسي مع فريقٍ مكون من 15 شخصاً آخر، بما في ذلك غواصون بريطانيون وأعضاء بالوحدات العسكرية البحرية التايلاندية، وصفهم المسؤولون بـ"النجوم".
وخلال الأيام الثلاثة التي استغرقتها عملية إخراج الصبية ومدربهم من الكهف، كان باسي داخل الكهف يساعد في نقل الصبية المُهدَّأ روعهم، وهم ممددون فوق نقالاتٍ مرنة، من نقطة غوص إلى التي تليها.
وقال باسي: "تعاون أشخاصٌ متخصصون، ومهارات خاصة، ومعدات خاصة".
نقل فريق الغواصين الأساسي الصبية إلى فريقٍ أكبر من عمال الإنقاذ الدوليين، الذين علقوا الصبية واحداً تلو الآخر عن طريق نظام معقد من توثيق الحبال وشدّها، ونقلوهم عبر غرف الكهف الجافة، فوق حقولٍ من الصخور والحجارة.
منقذ من الصين.. والترجمة مرفقة
ونظراً إلى أنَّ الغواصين كانوا يتحدثون الإنكليزية في الأساس، كانت هناك حاجة إلى مترجمين للتأكد من أنَّ تان شاولونغ البالغ من العمر 54 عاماً، وهو غواص صيني تمركز مع المنقذين من القوات الجوية الأميركية التي تستقبل الصبية الذين يخرجون من المياه، سوف يفهم جميع الأوامر.
قال تان: "أرسل الجانب التايلاندي أيضاً مترجمين يمكنهم ترجمة الصينية إلى التايلاندية".
ولكن كان هناك أمرٌ واحد لم يكن في حاجة إلى الترجمة. كان تان هو الغواص الذي حمل على عاتقه مهمة إمساك حبلٍ ثابت يقود الغواصين إلى خارج الكهف، إذ يمكنه أن يشعر بالإشارة الواردة من الحبل عبر اهتزازه عندما يأتي أي غواص بصبي من خارج المياه ويتأهب لتسليمه إلى المرحلة التالية.
وقال واصفاً المرة الأولى التي شعر بها: "لقد كان واضحاً وقوياً، وذا إيقاعٍ مميز. في هذه اللحظة، عرفتُ أنَّ الطفل الأول أُنقذ بنجاح، وشعرت بإثارة كبيرة".
بحلول ليلة العاشر من يوليو/تموز، أُعلِنَ عن إنقاذ جميع الصبية الاثني عشر ومدربهم وهم على قيد الحياة. ويُنتظر خروجهم من المستشفى يوم الخميس، بعد فترةٍ قضوها في الحجر الصحي وعلاج الإصابات الطفيفة التي تعرضوا لها، ليعودوا إلى بيوتهم في ماي ساي بعد شهرٍ تقريباً من فقدهم.
بالعودة إلى كوه تاو، استقبلت صفحات الغواصين على موقع فيسبوك فيضاً من المديح والتشجيع بالإنكليزية والتايلاندية، مع خروج كل صبي بأمان.
وقال دونالدسون: "أنْ تشاهد (العملية) هنا في كوه تاو، وأن تشاهدها مباشرةً (أمام عينيك) بطريقةٍ ما وهي تحدث، وتعرف أنَّ هؤلاء الشباب انضموا إلى المساعدة في إخراج الأطفال، كان شيئاً رائعاً. كان رائعاً حقاً".