سلط تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الضوء على وضع الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث يواجهون الموت على يد الاحتلال الإسرائيلي وهم يحاولون الحصول على طعام يمكن تقديمه لأهالي غزة، الذين يواجهون مجاعة غير مسبوقة.
محمود حمادة صياد فلسطيني تحدث للموقع، في فبراير/شباط 2024، وقال إنه يدفع قاربه فجر كل يومٍ نحو البحر، رغم علمه بأنه ربما لا يعود مرة أخرى إلى الشاطئ: "تستطيع الصيد خلال الساعات الأولى من الصباح، لكنك تعرف بالتأكيد أن الرصاص سيُطلق عليك إذا اقترب الوقت من الظهيرة".
الصيادون في غزة يواجهون الموت
يشكل صيادو غزة، البالغ عددهم 4 آلاف صياد، العمود الفقري لمجتمع القطاع، إذ يوفرون الأسماك الطازجة رغم القيود الشديدة التي فرضتها إسرائيل على الصيد في المياه قبالة ساحل غزة.
منذ الحرب الإسرائيلية على القطاع، اشتدت هذه القيود، وزاد الخطر الكامن في توفير الطعام لـ2.2 مليون فلسطيني يتضورون جوعاً.
قال حمادة: "لديك مساحة محدودة قد تكون آمنة للصيد. إذا ابتعدت سوف تقترب سفينة إسرائيلية وتقتلك"، وأوضح: "أعمل صياداً منذ أكثر من 20 عاماً، لكني لم أمر بمثل هذا الوقت قط، كل ما أتمناه هو أن تنتهي هذه الحرب قريباً جداً، لأننا ننزف منذ خمسة أشهر، ولا نستطيع تحمل أكثر من ذلك".
بعد أسبوعين من هذه المقابلة استُشهد حمادة عندما كان يحاول إنقاذ طفل فلسطيني يبلغ من العمر 9 أعوام، تعرض لإطلاق نار من إسرائيل.
"نقاتل من أجل وجودنا"
شاهد محمد، ابن حمادة، البالغ من العمر 15 عاماً، استشهاد أبيه، وقال خلال حديثه مع موقع "ميدل إيست آي": "أطلق القناص الإسرائيلي النارَ على الطفل مرتين في رقبته، وسقط رأسه عن جسده".
وأوضح: "حاول أبي أخذ جثته، وهو أقل ما يمكنه فعله، وللأسف أطلقت دبابة النار على رأسه فدمرت جمجمته".
كان حمادة، الذي لديه 8 أبناء، يملك ورشة بالقرب من منزله الكائن بمخيم الشاطئ بغزة، وامتلأت بالأدوات التي جمعها على مدى أكثر من عقدين، لكن ورشته دمّرت مع منزله بسبب القصف الإسرائيلي، وكان حمادة وعائلته يعيشون في خيمة في دير البلح عندما قُتل.
قال حمادة قبل استشهاده: "إننا حرفياً نقاتل من أجل وجودنا، الذي يتلاشى شيئاً فشيئاً".
مخاطر وقيود
يبين استشهاد حمادة أنه ليس هناك مكان آمن للفلسطينيين في قطاع غزة، حيث قال عماد الأقرع، وهو صياد من دير البلح، إنه تعرّض لإطلاق النار لحوالي 20 مرة في الأشهر الأخيرة.
وأوضح خلال حديثه مع الموقع: "في كل مرة أتعرض للهجوم مباشرة من البحرية الإسرائيلية. أعرف أنه يهدد حياتي، ولكن كيف أستطيع أن أعيش إذا لم أكسب قوت يومي عن طريق مهنتي في الصيد؟".
يستخدم الأقرع وزملاؤه الصيادون قوارب صغيرة وبسيطة مصنوعة من الخشب والبلاستيك، وتُصنع مجاديفهم منزلياً. يقول الأقرع: "أحياناً أستخدم يدي بدلاً من ذلك".
أضاف: "بمجرد أن ندخل البحر تقترب السفينة الحربية وتبدأ في إطلاق النار علينا، ولكن لماذا؟ إننا مجرد صيادين".
"أمر مرعب للغاية"
قبل عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان يُسمح للصيادين بالصيد لمسافة تصل إلى 6 أميال قبالة سواحل غزة.
صحيحٌ أن تلك المسافة المسموح بها تجعل كميات الأسماك التي يستطيع الفلسطينيون صيدها وأحجامها محدودة، لكن الصيادين استطاعوا توفير أسماك السردين والتونة والقريدس والأخطبوط لسكان غزة.
والآن صارت المياه الساحلية المتاحة أقل بكثير من هذه الأميال الستة، والصيد صار أقل بكثير نتيجة لذلك، حيث قال الأقرع إنه يصطاد حوالي اثنين أو ثلاثة كيلوغرامات يومياً، أي ربع ما كان يصطاده قبل الحرب.
وأوضح: "المسافة القصوى التي نستطيع الوصول إليها تبلغ حوالي 400 متر، كل يوم يشكل تحدياً جديداً. قد تتعرض للهجوم عند التوغل لعشرة أمتار، أو 50 متراً، أو 200 متر، أو 400 متر، ولكن يستحيل أن تبتعد أكثر من ذلك".
أضاف: "فور رؤيتك، تستطيع سماع صدى الطلقات التي توجه نحو قاربك. في معظم الأحوال نضطر أن نقفز من القارب ونسبح للنجاة. إنه أمر مرعب للغاية".
"من الصعب العثور على الأسماك في الأسواق"
في فبراير/شباط الماضي، استُشهد أحد أقارب الأقرع بنيران الاحتلال عندما خرج للصيد، حيث أطلقوا رصاصتين على رقبته. ولا يزال الرجل الذي كان في صحبته في الرعاية المركزة.
ورغم كل هذه المصاعب، ليست هناك أية ضمانات على أن تكبدها سيسفر عن صيد أية كمية من الأسماك، إذ قال الأقرع: "في غالبية الأيام لا نحصل على شيء، ما الذي يمكنك أن تخبر به عائلتك التي تتضور جوعاً عندما تعود خالي الوفاض؟ إنه مؤلم للغاية".
وكلما صار الطعام أشد ندرة ترتفع أسعاره، وفي هذا الصدد أوضح حسين الرملاوي، الذي ينحدر من منطقة التفاح في غزة، ولديه أبناء، ونزح الآن إلى دير البلح، أنه "من الصعب العثور على الأسماك في الأسواق".
وقال خلال حديثه مع الموقع: "ما نعثر عليه قليل للغاية، الأسماك غالية للغاية. على سبيل المثال يمكنك أن تبتاع كيلوغراماً من أسماك القريدس مقابل 45 دولاراً، لكنها ببساطة لا يمكن تحمل تكاليفها".