كشفت وثائق شاركتها الأمم المتحدة مع شبكة CNN الأمريكية، أن القوات الإسرائيلية استهدفت بشكل مباشر وأطلقت النار على موكب تابع للأمم المتحدة، كان يحمل مستلزمات غذائية ضرورية في وسط غزة، يوم 5 فبراير/شباط 2024.
وأفاد تحليل أجرته الشبكة الأمريكية، أن ذلك أجبر في نهاية المطاف الشاحنات على التوقف وعدم الوصول للمناطق الشمالية في أراضي القطاع، حيث يقف الفلسطينيون على حافة المجاعة.
اطَّلعت الشبكة على مراسلات بين الأمم المتحدة والجيش الإسرائيلي، تؤكد بوضوح أن الطريق الذي اتخذه الموكب تم الاتفاق عليه من قِبل الطرفين قُبيل الهجوم.
فتحوا النيران على موكب شاحنات
وبحسب تقرير داخلي للحادث جمعته وكالة الأونروا، التي تعد وكالة الإغاثة الأممية الرئيسية في غزة، كانت الشاحنة واحدة من 10 شاحنات في موكب متوقف عند نقطة انتظار تخص جيش الدفاع الإسرائيلي، عندما فُتحت النيران عليه.
لم يتعرض أي شخص في الموكب لإصابات، لكن كثيراً من المواد الغذائية التي حملها الموكب تضررت بالكامل، لا سيما أنها في الأصل دقيق أبيض تشتد الحاجة إليه في القطاع لتحضير الخبز.
يقدم تتبع الهجوم نافذة مفتوحة تعرض التحديات الرئيسية التي تلاقيها جهود المساعدات الإنسانية، في إطار مساعيها لإدخال المساعدات إلى مليونَي شخص يعيشون في غزة- نزح حوالي 85% منهم داخلياً- في خضم حملة القصف المستمرة من الجيش الإسرائيلي ضد القطاع منذ ما يقرب من 5 أشهر.
بدورها، قالت جولييت توما، مديرة الإعلام والتواصل لدى وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا): "موكبٌ كان يحمل الغذاء، وكان متوجهاً إلى المناطق الشمالية من قطاع غزة، بينما كان ذلك الموكب في طريقه إلى ما نُطلق عليها المناطق الوسطى، تعرَّض للقصف. إحدى الشاحنات التي كانت تحمل مستلزمات تعرَّضت للقصف بنيران البحرية الإسرائيلية".
ولم يردّ جيش الاحتلال على الطلبات المتكررة المُرسلة من شبكة CNN للتعليق على الهجوم، في حين قال جيش الاحتلال، في 5 فبراير/شباط، إنه كان يبحث حول مجريات الحادث.
استهداف مواكب المساعدات الإنسانية
ويعد هذا الحادث واحداً من عديدٍ من الحوادث التي شهدت استهداف مواكب المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى مستودعات تخزين المساعدات، منذ بدء الحرب ضد غزة.
وفي أعقاب الهجوم الذي وقع، في 5 فبراير/شباط، قررت الأونروا إيقاف إرسال المواكب إلى شمال غزة، بينما كانت المرة الأخيرة التي استطاعت فيها الوكالة تسليم الغذاء إلى منطقة شمال وادي غزة- وهو عبارة عن قطاع من الأراضي الرطبة تشق الجيب- في 23 يناير/كانون الثاني الماضي.
وأوضحت الشبكة أن الموكب، الذي تألف من 10 شاحنات ومدرعتين تحملان شارة الأمم المتحدة، بدأ رحلته في الساعات الأولى من الخامس من فبراير/شباط.
وانطلق الموكب من جنوب غزة، وسافر عبر شارع الرشيد، الذي يمتد على طول الحافة الساحلية للقطاع، وكان هذا الطريق المسلك الرئيسي الذي يسمح به الجيش الإسرائيلي لمرور مواكب المساعدات الإنسانية وعمليات الإخلاء منذ شهر يناير/كانون الثاني.
تنسيق مسبق
في الرابعة والربع من فجر اليوم، وصل الموكب إلى نقطة انتظار تخص جيش الاحتلال على طريق الرشيد، وذلك وفقاً لتقرير داخلي للأونروا حول ملابسات الحادث، حيث ظلت الشاحنات ثابتة بلا حركة لأكثر من ساعة، وعند الساعة 5:35 فجراً، سُمعت أصوات نيران البحرية، وقُصفت الشاحنة، وذلك بحسب التقرير.
وقالت الوكالة إنها قبل انطلاق الموكب في طريقه لتسليم الغذاء، نسقت سلفاً مع جيش الاحتلال، واتفقا على الطريق الذي كان سيسلكه الموكب، تماماً مثلما تفعل الوكالة دائماً.
كذلك تُبين المراسلات عبر البريد الإلكتروني بين الأونروا ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، وهي وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية مسؤولة عن الإشراف على الأنشطة في الأراضي الفلسطينية، التي تشرف أيضاً على الإغاثة الإنسانية، أن هناك اتفاقاً على مرور الموكب عبر طريق الرشيد.
وقالت توما: "نشارك مع الجيش الإسرائيلي إحداثيات المواكب، وطريق ذلك الموكب. وعندما يعطينا الجيش الإسرائيلي الموافقة، والضوء الأخضر، حينها فقط تتحرك الأونروا، لا نتحرك بدون ذلك التنسيق".
وأوضحت أن الغرض من هذا التنسيق، وهو ما يطلق عليه عملية منع الاشتباك، أن نضمن عدم تعرض مواكب المساعدات إلى أي هجوم أو قصف.
أضافت: "صارت غزة بسرعة كبيرة أحد أخطر الأماكن لعمال الإغاثة، إنها بيئة شديدة التعقيد على العمل فيها، في كثير من الأحيان تُجبر فرقنا على تسليم المساعدات الإنسانية تحت القصف".
نيران البحرية الإسرائيلية تستهدف المساعدات
من جانبه، قال توم وايت، مدير شؤون الأونروا في قطاع غزة، إن الموكب تعرض للهجوم من نيران البحرية الإسرائيلية، وشارك صورتين على موقع إكس، تُظهران شاحنة مسطحة تحمل شحنة مثقوبة، وصناديق مستلزمات مبعثرة على الطريق.
كان هذا الثقب على جانب الشاحنة المواجه للبحر، وذلك وفقاً لعملية تحديد موقع جغرافي أجرتها شبكة CNN، ما يشير إلى أنها تعرضت للنيران من ذخيرة أُطلقت من ذلك الجانب.
اطلعت الشبكة كذلك على صور الأقمار الصناعية التي التقطت بعد ساعتين من وقوع الحادث، وتُظهر ثلاثة زوارق صواريخ إسرائيلية على بعد بضعة كيلومترات داخل البحر.
وشكَّلت هذه القوارب جزءاً من أي انتشار منتظم منذ بداية الحرب، وهو ما قال عنه جيش الاحتلال إنه يستهدف إجراء عمليات مراقبة وشنّ هجوم ضد قطاع غزة من ناحية الغرب، وفي ديسمبر/كانون الأول، قال جيش الاحتلال إن قوات البحرية "ضربت مئات الأهداف وقدمت الدعم إلى الجنود على الأرض".
"كنا محظوظين للغاية"
من جانبها قالت فيليبا جرير، المستشارة القانونية الرئيسية للأونروا، إنها كانت ضمن الموكب عندما تعرض للقصف، وقالت على موقع إكس إن الفريق كان "محظوظاً للغاية" بعدم تعرض أي من عناصره للإصابة.
وبعد ذلك استمر الموكب في طلب الحصول على إذن، لمواصلة طريقه وتجاوز إحدى نقاط التفتيش الإسرائيلية التي تشرف على الدخول إلى شمال غزة، لكنه مُنع من الدخول.
في سياق آخر، وفي تصريح حصلت عليه شبكة CNN، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الهجوم على الموكب، في 5 فبراير/شباط، بـ"غير المقبول"، وقالت إن المساعدات الإنسانية لا بد أن تتمكن من الوصول إلى المدنيين.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة: "في كل محادثة نجريها مع الحكومة الإسرائيلية، نتحدث عن الحاجة المطلقة إلى أن يكون عمال الإغاثة قادرين على توزيع المساعدات، وأن يكون المدنيون قادرين على الوصول إلى المساعدات، وأن تتخذ إسرائيل كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين".