كثَّف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الضغوطَ على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن مستقبل قطاع غزة، وكشفَ عن تزايد إحباط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ بسبب رفض نتنياهو اقتراحات قدمها بلينكن له الأسبوع الماضي، وفق ما نقلت شبكة NBC News الأمريكية.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها بلينكن خلال مقابلة في قمة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، الأربعاء 17 يناير/كانون الثاني 2024، قال فيها: "هناك فرصة حقيقية لم تتح لنا من قبل لتطبيع العلاقات بين دول إقليم الشرق الأوسط [الصغير]، وفي الشرق الأوسط الكبير [الذي يضم البلدان العربية وتركيا وإسرائيل وإيران وأفغانستان وباكستان]"، و"التحدي هو إدراك هذه الفرصة".
ولما سُئل بلينكن عما إذا كان نتنياهو هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي من المفترض أن ينتهز هذه الفرصة، أجاب: "هذه قرارات يقع على الإسرائيليين اتخاذها"، لكن هذه الفرصة "محطة فارقة".
أدلى بلينكن بهذه التصريحات خلال مقابلة مع توم فريدمان، كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، وهي تأتي بعد أسبوع واحد فقط من جولة له في الشرق الأوسط حاول فيها إقناع إسرائيل والزعماء العرب بالاتفاق على مسار للمضي قدماً في غزة "بُعيد انتهاء الحرب مع حماس"، على حد تعبيره.
نتنياهو يرفض جميع المقترحات باستثناء واحد فقط
في هذا السياق، نقلت شبكة NBC عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، لم تسمّهم، أنه منذ زيارة بلينكن ازدادت الخلافات وضوحاً بين إدارة بايدن ونتنياهو بشأن إدارة إسرائيل حربها مع حماس، فضلاً عن الخلاف المرتبط برفضِ نتنياهو النظر في المقترحات الأمريكية للتعامل مع قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن وزير الخارجية عاد إلى واشنطن حاملاً رفض نتنياهو جميع طلبات الإدارة ما عدا طلب واحد: وهو التوافق على أن إسرائيل لن تهاجم حزب الله اللبناني.
وقال عدة مسؤولين بارزين في الإدارة الأمريكية إن أبرز إنجاز حققه بلينكن خلال جولته بالمنطقة كان الحصول على التزام من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأربعة زعماء عرب آخرين بالإسهام في إعادة بناء غزة بعد الحرب.
وقال المسؤولون إن الزعماء العرب وافقوا كذلك على دعم تشكيل حكومة فلسطينية أخرى "مقوَّمة" للحفاظ على الأمن في غزة.
أضاف المسؤولون أن ولي العهد السعودي عرض تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليكون ذلك جزءاً من اتفاقية إعادة إعمار غزة -وهذا تطور دبلوماسي سعى إليه نتنياهو منذ زمن طويل- ولكن ولي العهد السعودي ربط ذلك الأمر بموافقة الزعيم الإسرائيلي على توفير سبيل للفلسطينيين لإقامة دولتهم، وفق المصدر ذاته.
إلا أن المسؤولين الأمريكيين ذكروا أن نتنياهو رفض العرض، وأخبر بلينكن أنه غير مستعد للتوصل إلى اتفاق يسمح بإقامة دولة فلسطينية.
"لا حل عسكري للقضاء على حماس"
على إثر ذلك، قال ثلاثة مسؤولين أمريكيين بارزين إن إدارة بايدن باتت تتطلع إلى ما بعد انتهاء ولاية نتنياهو لمحاولة تحقيق أهدافها في المنطقة، في حين قال أكثر من مسؤول أمريكي بارز لشبكة NBC إن نتنياهو "لن يبقى هناك [في الحكم] إلى الأبد".
وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن بلينكن قال لنتنياهو إنه لا يوجد حل عسكري حاسم للقضاء على حماس في نهاية المطاف، ومن ثم فعلى الزعيم الإسرائيلي أن يُقرَّ بذلك، وإلا فإن التاريخ سيُعيد نفسه وسيستمر العنف، ومع ذلك، فإن نتنياهو لم يستجب لكلام بلينكن، وفق المسؤولين.
وقال المسؤولون إن إدارة بايدن تحاول أن تضع الأساس لأهدافها مع زعماء إسرائيليين آخرين وقادة في المجتمع المدني تحسباً لخروج حكومة نتنياهو من الحكم، وتشكيل حكومة أخرى.
كما أشاروا إلى أن بلينكن سعى إلى تجاوز نتنياهو، فالتقى على انفراد وزراءَ في حكومة الحرب الإسرائيلية وزعماء إسرائيليين آخرين، منهم زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد.
اقتراح عربي موحد بشأن غزة
وقال المسؤولون الأمريكيون الكبار كذلك إن بلينكن تعمَّد أن يبدأ جولته الأسبوع الماضي في الشرق الأوسط بزيارة الدول العربية، وليس إسرائيل، للتوصل إلى اقتراح عربي موحد بشأن غزة بعد انتهاء الحرب، وتقديمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
في سياق متصل، قال اثنان من كبار المسؤولين في الإدارة لشبكة NBC إن بلينكن أطلعَ الرئيس الأمريكي على تفاصيل رحلته إلى المنطقة بعد عودته إلى واشنطن.
وتتابع الإدارة الأمريكية الآن محادثات بلينكن مع القادة العرب، لكن كبار مسؤولي الإدارة أقروا بأن طموحات بايدن "المثالية" في إعادة تشكيل الشرق الأوسط أصبحت الآن مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإقامة دولة فلسطينية.
وبناء على ذلك، أقرَّ أحد كبار المسؤولين في الإدارة بأن تطلعات الرئيس الأمريكي لتحقيق سلام إقليمي دائم ربما لا سبيل لها إلا انتظار حكومة إسرائيلية أخرى غير حكومة نتنياهو.